لا تزال السفينة السورية "لادوكيا" المحملة بالحبوب الأوكرانية إلى الأسواق اللبنانية والسورية، محتجزة في ميناء طرابلس شمالي لبنان، بعد أن أصدر النائب العام التمييزي في لبنان السبت الماضي قرارا بالحجز على السفينة التي قالت سفارة أوكرانيا في بيروت إنها نقلت بشكل غير قانوني من مناطق في أوكرانيا خاضعة للسيطرة الروسية.
وقال مصدر لبناني لـ"العربي الجديد" إن "الحجز على السفينة جاء بموجب قرار من قضاء العجلة (قضاء الأمور المستعجلة) لمدة 72 ساعة، ليتم تحويل الملف إلى شعبة المعلومات في بيروت".
وأشار المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، إلى أن لبنان بات يخشى فرض أي عقوبات غربية عليه في ظل الوضع الاقتصادي الراهن، وبالتالي فإنه يضع في الحسبان أن تكون السفينة أو شحنتها مخالفة لأي قوانين أو تفاهمات، ما سيعرض لبنان لعقوبات أميركية. وأضاف أن ادعاء لبنان جهله بعدم معرفة توجه الباخرة إلى طرابلس، لن يبعد عنه خطر مواجهة العقوبات.
وكان مسؤول قضائي قال لوكالة فرانس برس إن النائب العام التمييزي غسان عويدات كلف المديرية العامة للجمارك وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي بإجراء التحقيقات الأولية في قضية سفينة "لاودكيا" الراسية في مرفأ طرابلس شمال لبنان والتي ترفع العلم السوري.
وأمر عويدات بـ"الحجز على الباخرة إلى حين انتهاء التحقيق"، كما كلف شعبة المعلومات التواصل مع السفارتين الروسية والأوكرانية في لبنان "لتحديد ما إذا كانت البضاعة مسروقة".
وتشير المعلومات الأولية، وفق المسؤول القضائي الذي سألته الوكالة، إلى أن صاحب شركة الشحن التي سيرت السفينة تركي الجنسية، فيما تعود حمولتها لتاجر سوري، وكان يفترض أن ييتم تفريغ جزء منها في لبنان قبل أن تتوجه إلى سورية بباقي الحمولة.
وتدعي كييف، منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، بأن روسيا تقوم بسرقة القمح الأوكراني من المناطق التي دخلتها القوات الروسية وتقوم بتصديره وبيعه، دون وجه حق.
وكان السفير الأوكراني في بيروت إيغور أوستاش التقى، الخميس الماضي، الرئيس اللبناني ميشال عون حيث بحثا مسألة دخول سفينة سورية لميناء طرابلس محمّلة بشعير مصدره الأراضي الأوكرانية المحتلة بشكل مخالف للقانون.
ويوم الجمعة الماضي، أعلن وزير الخارجية اللبنانية عبد الله بو حبيب أنه تلقى "عددا من الاحتجاجات والإنذارات من عدد من الدول الغربية عقب وصول سفينة ترفع العلم السوري ومحملة بطحين وشعير"، موضحاً أن لبنان لم يتمكن بعد من تحديد مصدر الحمولة، مشيرا إلى أن "الجهات المعنية تقوم حاليا بفحص الباخرة".
من جهته قال الباحث الاقتصادي السوري يونس كريم، إن اعتماد روسيا على الحبوب المسروقة من أوكرانيا باتجاه سورية يخضع لعدة اعتبارات سابقة تم الاتفاق عليها وفق تفاهمات أمنية بين الروس والنظام"، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن روسيا تقوم بتغطية احتياجات النظام ولو بالحد الأدنى من القمح، وأيضاً بمقابل دون شك.
ومن جانب آخر، تريد موسكو تقوية النظام السوري لا سيما في الإقليم والمحيط العربي، أولا لمساندة حليفها النظام، وثانيا لبث رسالة بأن موسكو لا تتخلى عن حلفائها.
كان السفير الأوكراني في بيروت إيغور أوستاش التقى، الخميس الماضي، الرئيس اللبناني ميشال عون حيث بحثا مسألة دخول سفينة سورية لميناء طرابلس
وتابع كريم: تريد روسيا تحويل سورية لمنصة لبيع وترويج منتجاتها ولا سيما الحبوب وجميع المواد الطبيعة التي تستحوذ أو تمتلكها روسيا، على اعتبار أنها تقع بالقرب من دول عربية تحتاج هذه السلع والمنتجات، وموسكو تستفيد من دمشق ورغم العقوبات عليها، لا يزال مسموحا لها التعامل اقتصاديا على اعتبار أن السلع التي تستقبلها من هذا القبيل هي احتياجات للناس.
من جهة أخرى تدرك موسكو طرق الترويج الملتوية من التهريب وغيره التي يديرها النظام، وبالتالي فإن ضخ السلع في الأسواق القريبة من سورية، ومن خلال سورية، قد يمكن موسكو من شراء ولاء هذه الدول من خلال أسواقها.
أما في ما يخص احتجاز السفينة "لادوكيا"، فيوضح كريم بأنه نقطة تحول، كون الشحنات السابقة التي توجهت إلى سورية لم يتم اعتراضها ولا احتجازها، وهذا الأمر يثير التساؤل، لا سيما أن لبنان الذي يهيمن على حكومته حزب الله، يحتاج إلى قرض دولي ودعم غربي ولا سيما أميركي، وباحتجاز هذه الباخرة هو يحقق أمرين أساسيين، الأول: يتمكن من الاستحواذ على الدعم الأميركي في صندوق النقد الدولي، أما الثاني: أن هذه المحجوزات والمصادرات يمكن للبنان استخدامها والتصرف بها، حتى وإن دفع ثمنها، ما يعني تلبية احتياج السوق الداخلية في لبنان في ظل الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب.
ويعتقد كريم أن احتجاز السفينة حصل باتفاق بين روسيا ولبنان لتحقيق هذه الغاية.