الاقتصاد المصري والحرب الإسرائيلية على غزة

22 مايو 2024
محل صرافة في القاهرة، 6 يناير 2013 (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر يقدر تكلفة تأثير الحرب على غزة على الاقتصاد المصري بين 3.7 إلى 19.8 مليار دولار، مما قد يخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 5.2%.
- مصر تأمن استثمارات وقروض دولية كبيرة لمواجهة الأزمة، بما في ذلك صفقة مع شركة أبوظبي القابضة بقيمة 35 مليار دولار وقرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار.
- يوجد تفاؤل بين القطاع المالي والأعمال في مصر حول تجاوز الأزمة بفضل الدعم الدولي والاستثمارات الأجنبية، لكن يُشدد على ضرورة "إعادة إنشاء" الاقتصاد وتبني سياسات جديدة لضمان النمو المستدام.

أجرى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر دراسة عاجلة لتقييم تأثير الحرب على غزة وانعكاساتها على مصر كدولة جوار، وفقاً لثلاثة سيناريوهات مختلفة متوقعة، فأشار أقل التقديرات تشاؤماً إلى تكلفة تقدر بنحو 3.7 مليارات دولار على الاقتصاد المصري، بينما وصلت الحالة الأكثر قسوة إلى تقديرها بنحو 13.7 مليار دولار، مع افتراض اشتداد الحرب أو توسعها.

أيضاً أشار التحليل الأولي المبسط إلى أن التكلفة الاقتصادية الإجمالية للحرب على الاقتصاد المصري، بما في ذلك التأثيرات المضاعفة على مدار السنتين الماليتين 2024 و2025، قد تصل إلى 19.8 مليار دولار في ظل السيناريو شديد القسوة، مما سينجم عنه خسارة قدرها %5.2 من متوسط الناتج المحلي الإجمالي السنوي في ظل السيناريو الأسوأ.

وتقترب نتائج الدراسة الأممية مما أشارت إليه الحكومة المصرية مراراً، في إطار سعيها للحصول على المزيد من المساعدات والقروض، من المؤسسات الدولية والدول المانحة، وهو ما نجحت فيه إلى حد كبير. ومع ذلك، يقول الواقع إن الحرب الصهيونية على غزة، ورغم التكلفة الباهظة على الاقتصاد المصري، إلا أنها قدمت العديد من الخدمات التي أنقذت ما يمكن أن يطلق عليه "الدولة الفاشلة"، التي دمرت الاقتصاد، وتسببت في انهيار مستوى معيشة الملايين.

ساهم السابع من أكتوبر/تشرين الأول في إنقاذ مصر من الخراب الاقتصادي والاضطرابات السياسية التي كانت مرشحة للتزايد، وفقاً لأحدث تقارير صندوق النقد الدولي قبلها. لا ينكر أحد أن مصر تدفع ثمناً باهظاً للحرب، مع تراجع أهم مصادر الإيرادات بالعملة الصعبة، إلا أنه من المؤكد أيضاً أنه لولا هذه الحرب لما حصلت مصر على شريان الحياة المالي الدولي الذي أنقذها مرة أخرى من الانهيار الاقتصادي، وفي الوقت المناسب.

بدت تحركات أعلى السلطات في مصر بعد بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع المحاصر وكأنها تسعى لصياغة خطة محكمة تدور حول كيفية استخدام الأزمة في تأمين خطة إنقاذ، حتى لو كانت مؤقتة. وفي فبراير/شباط الماضي، كشفت شركة أبوظبي القابضة ADQ، صندوق الثروة السيادية لإمارة أبوظبي، عن خطط لتطوير شبه جزيرة رأس الحكمة التي تبلغ مساحتها 65 ميلاً مربعاً، وهي واحدة من المناطق القليلة غير المطورة، كجزء من صفقة، لا نعرف حتى الآن الكثير من تفاصيلها، بقيمة 35 مليار دولار، تشمل استثمار وتخفيف عبء الديون، وهي أكبر صفقة استثمار أجنبي مباشر في تاريخ مصر.

وبما أن الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، رئيس مجلس إدارة ADQ، هو شقيق الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان ومستشار الأمن القومي لدولة الإمارات العربية المتحدة، فإن شراء رأس الحكمة كان أكثر بكثير من مجرد صفقة مالية، وكان ذلك بالتأكيد جزءا من خطة الإنقاذ الموجهة لمصر.

ثم في مارس/آذار الماضي حصلت القاهرة على قرض بقيمة 8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، بدعم أميركي قوي. وبدوره، فتح ضخ صندوق النقد الدولي مسارات أجنبية أخرى، حيث وافق الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي على الفور على تقديم مليارات الدولارات في صورة منح وقروض، فيما أعلن وقتها أنه كان مساعدة للاقتصاد المصري، بينما كان في واقع الأمر محاولة جديدة لضمان مساعدة القاهرة في منع المهاجرين العرب والأفارقة من الوصول إلى الشواطئ الأوروبية.

وفي المجمل، قرر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وأوروبا والخليج حتى الآن تقديم أكثر من 50 مليار دولار من العملات الأجنبية إلى خزائن مصر التي تعاني من ضائقة مالية. وقال ستيفن كوك، الخبير في شؤون مصر في مجلس العلاقات الخارجية ومقره نيويورك: "اتفقت الولايات المتحدة وأوروبا والخليج بوضوح على أنه لا يمكن السماح لحكومة السيسي بالفشل". وأضاف: "لقد سيطرت الجغرافيا السياسية".

وقبل أشهر فقط، لم يكن صندوق النقد الدولي قد أكمل مراجعة اتفاقية القرض المصرية التي تمت الموافقة عليها في ديسمبر/كانون الأول 2022، وقرر حجب شريحة جديدة من حزمة الإنقاذ البالغة 3 مليارات دولار، لأن الحكومة فشلت في الوفاء بالمعايير المتفق عليها. وفي حين أرجع الصندوق تغير موقفه في شهر مارس/آذار إلى ما سماه "البيئة الخارجية الأكثر تحدياً"، إلا أن الترجيحات تقول إن الضغط الأميركي على الصندوق مَثَّل العامل الرئيسي الدافع لمنح قرض الصندوق لمصر، بل وتأمين صفقة رأس الحكمة الإماراتية.

ومن الواضح أيضاً أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لم تكن مستعدة للمخاطرة بالانهيار الاقتصادي وزعزعة الاستقرار السياسي لأكبر دولة عربية في الشرق الأوسط وأول دولة عربية تعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل، خاصة وأن الوساطة المصرية مع حماس بدت حاسمة بالنسبة لسياسة البيت الأبيض. وقال بعض الخبراء: "لقد أثبتت مصر، مرة أخرى، أنها، كما تعتقد نخبتها، أكبر من أن تفشل".

وظهرت علامات الترحيب الممزوجة بالتفاؤل بين رجال البنوك والأعمال المصريين مع توالي وصول مليارات الدولارات إلى مصر، حيث قال هشام عز العرب، رئيس مجلس إدارة البنك التجاري الدولي، أكبر بنك تجاري في مصر والمستشار السابق للبنك المركزي المصري، إن قرض صندوق النقد الدولي والاستثمار الأجنبي المباشر سيمكن مصر من تجاوز السنوات الثلاث المقبلة.

وقال محمد يونس، رجل الأعمال الذي يرأس مجموعة كونكورد الدولية للاستثمارات، إن قرض صندوق النقد الدولي واستثماراته من الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج الأخرى كانت بمثابة "دفعة هائلة في الذراع. الآن سوف تزدهر مصر". وقال عمرو موسى، وزير الخارجية الأسبق، إن مصر "تجاوزت منعطفاً".

ومع ذلك، يبدو أن عددا كبيرا ممن أعلنوا تأييدهم للسياسات الاقتصادية التي اقتربت بمصر من الفشل أدرك أن البلاد تحتاج إلى "إعادة إنشاء" اقتصادها قبل ضخ المساعدات الخارجية، وهذا، في حد ذاته، يفرض على المصريين التوجه بالشكر إلى قادة حماس، الذين نجحوا في إقناع الملايين بأهمية التغيير، على الأقل في السياسات الاقتصادية.

المساهمون