الاقتصاد الإسرائيلي ... المصائب لا تأتي فرادى

09 أكتوبر 2023
خسائر فادحة للاقتصاد الإسرائيلي بسبب عملية طوفان الأقصى (أسوشيتدبرس)
+ الخط -

كأن المصائب لا تأتي فرادى، وهو ما يحدث حالياً مع الاقتصاد الإسرائيلي، فعقب تداعيات أزمة التعديلات القضائية وما رافقها من توترات سياسية وأزمة داخلية حادة وزيادة منسوب المخاطر خاصة الجيوسياسية والأمنية، جاءت عملية طوفان الأقصى لتعمق خسائر دولة الاحتلال.

وتشكل لطمة قوية للاقتصاد الإسرائيلي الذي لم يفق بعد من ارتدادات الأزمة السياسية والقضائية التي مرت بها إسرائيل في الشهور الأخيرة، وأدت إلى هروب الاستثمارات المحلية والأجنبية على حد سواء، وانسحاب عشرات الشركات والعلامات العالمية، وحدوث انخفاض كبير في الاستثمارات الأجنبية والتي سجلت تراجعاً حاداً في الربع الأول من العام الجاري 2023 بلغ 60%، وهروب الأموال والودائع من البنوك إلى الخارج.

تشكل العاصفة لطمة قوية للاقتصاد الإسرائيلي الذي لم يفق بعد من ارتدادات الأزمة السياسية والقضائية التي مرت بها إسرائيل في الشهور الأخيرة

تستطيع أن ترصد وبشكل سريع تداعيات عاصفة طوفان الأقصى، وارتداداتها السريعة على الاقتصاد الإسرائيلي، فقد انهار الشيكل ليصل لأدنى مستوياته في 8 سنوات، ودفع هذا التهاوي بنك إسرائيل المركزي إلى الخروج اليوم الاثنين واعلان ضخ 45 مليار دولار في الأسواق لحماية العملة من الانهيار وتلبية الطلبات المتزايدة على النقد الأجنبي.

وتهاوت بورصة تل أبيب، وهناك احتمال بأن تغلق أبوابها في حال استمرار المواجهات، وتراجعت أسعار السندات الحكومية، وفر السياح الأجانب إلى الخارج، وقبلها ألغى عدد كبير من شركات الطيران العالمية رحلاتها إلى إسرائيل، وقد تجاوز العدد ما يقرب من 45 شركة حتى الآن. كما تم إغلاق المطارات المحلية وسط وجنوب دولة الاحتلال أمام الأنشطة التجارية والسياحة الداخلية.

صاحب المواجهات الحالية إغلاق الشركات والمناطق الصناعية والمنشآت الإنتاجية الإسرائيلية خاصة الواقعة في غلاف قطاع غزة، وإغلاق آلاف المحال التجارية والمجمعات والمقاهي داخل تل أبيب وغيرها من المدن التي شهدت اشتباكات واسعة وسط فوضى تعم البلاد. كما صاحب ذلك اندفاع المواطنين نحو الأسواق لشراء السلع خوفاً من نفادها أو إغلاق المحال.

هذه عن التأثيرات السريعة، لكن على المدى المتوسط والبعيد فإن لعاصفة طوفان الأقصى تأثيرات ورسائل خطيرة، خاصة مع إعلان إسرائيل الحرب واستدعاء 300 ألف جندى احتياطي، وهو أكبر عملية استدعاء في تاريخ دولة الاحتلال.

الرسالة الأولى

هي أن العمليات النوعية التي قامت بها المقاومة الفلسطينية، سواء في غلاف غزة أو داخل تل أبيب والمدن الكبرى، رفعت منسوب المخاطر الجيوسياسية لدى دول الاحتلال، وهزت ثقة المستثمرين الأجانب، خاصة أن وزراء وكبار المسؤولين اعترفوا بأن ما قامت به المقاومة الفلسطينية هو بمثابة فشل استخباراتي وأمني وسياسي لم تمر به الدولة العبرية منذ نصف قرن.

قطار التطبيع الاقتصادي بين دولة الاحتلال وبعض دول الخليج سيتباطأ في الفترة المقبلة وربما سيتوقف بعض الوقت

وبالتالي، من المتوقع خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل من قبل الوكالات العالمية، وحدوث قلاقل داخل القطاعات الاقتصادية بما فيها أسواق الصرف والمال والاستثمار، وصدور تحذيرات من ضبابية المشهد الاقتصادي.

الرسالة الثانية

لا تقف رسالة عاصفة طوفان الأقصى عند هذا الحد، فالرسالة الثانية والأهم عند المستثمرين الأجانب هي أن إسرائيل ليست الدولة التي لا تقهر، وليست كذلك دولة آمنة وواحة استقرار كما تزعم دوماً، ولا تتمتع باستقرار سياسي وأمني واسع كما تقول مقارنة بالدول المحيطة بها، وأن القبة الحديدية والأسلحة المتطورة والطائرات الحديثة التي تم إنفاق مليارات الدولارات عليها لم تحم الإسرائيليين من صواريخ المقاومة.

يدعم هذه الفرضية ضخامة عدد القتلى والأسرى والجرحى الإسرائيليين، وتهاوي منظومة الدفاع أمام نيران وصواريخ المقاومة، والجاهزية القوية التي بدت عليها المقاومة في ساحة القتال.

الرسالة الثالثة

أما الرسالة الثالثة فهي أن المواجهات الحالية تعمق عجز الموازنة العامة الإسرائيلية في ظل الخسائر المالية التي تكبدتها البنية التحتية الإسرائيلية وتراجع الإيرادات المتوقعة، وكلف المجهود الحربي الحالي الضخمة، وزيادة فاتورة الإنفاق العسكري والتي زادت بشدة في السنوات الأخيرة، وتعويض المتضررين من المواجهات الحالية، سواء أفراد أو مؤسسات وشركات، إضافة إلى توقعات باستمرار تراجع الشيكل مقابل الدولار.

الرسالة الرابعة

أما الرسالة الرابعة فهي أن قطار التطبيع الاقتصادي بين دولة الاحتلال وبعض دول الخليج سيتباطأ في الفترة المقبلة وربما سيتوقف بعض الوقت، وأن اندفاع دول خليجية نحو ضخ عشرات مليارات الدولارات في شرايين الاقتصاد الإسرائيلي وأنشطته الاقتصادية المختلفة قد يشهد إعادة نظر من أصحاب رؤوس الأموال أنفسهم، وأن الضبابية السياسية وحالة اللايقين هزت ثقة المطبعين من المستثمرين العرب.

في كل الأحوال فإن الوقت لا يزال مبكراً على حصر الخسائر الإسرائيلية الفادحة من عاصفة طوفان الأقصى وبشكل كامل، ورصد تأثيرات ما جرى على المشهد الاقتصادي برمته، علماً أن الخسائر الحالية ستكون أكبر بكثير من خسائر عمليات عسكرية سابقة مع المقاومة الفلسطينية، والتي خسرت خلالها الأنشطة الاقتصادية والتجارية والسياحية داخل الاحتلال عشرات المليارات من الدولارات.

المساهمون