الاضطرابات السياسية تزيد بطالة التونسيين

20 سبتمبر 2021
ضمور قطاعات على حساب أخرى (Getty)
+ الخط -

كشفت دراسة للمرصد التونسي للاقتصاد (منظمة بحثية غير حكومية) أن القطاعات الاقتصادية الكبرى خسرت قدرتها التشغيلية بسبب الاضطرابات السياسية في البلاد خلال السنوات العشر الماضية، وأنها فقدت قدرتها على خلق فرص العمل لفائدة قطاعات أخرى أقل قدرة على استيعاب العاطلين عن العمل.

وتأتي أرقام الدراسة في ظل أزمة سياسية مستمرة اليوم في البلاد، قد تؤثر على مستويات البطالة صعوداً، خاصة وأن حالة غموض سياسية واقتصادية ومالية تصاحب تلك الأزمة. 

وبيّنت الدراسة أن صناعة النسيج فقدت 28 ألف وظيفة في الفترة ما بين 2012 و2016، فيما فقد قطاع الخدمات الإدارية نحو 46 ألف وظيفة ما بين عامي 2011 و2012، ما تسبب في تراجع دور أكبر قطاعين مشغلين في القطاع الخاص في إحداث الوظائف.

المرصد التونسي للاقتصاد: أكبر قطاعات التوظيف في تونس تجد صعوبة لخلق المزيد من فرص العمل، بل إنها تعتبر الأكثر تضررا من عدم الاستقرار

وخلص المرصد التونسي للاقتصاد إلى أن أكبر قطاعات التوظيف في تونس تجد صعوبة لخلق المزيد من فرص العمل، بل إنها تعتبر الأكثر تضررا من عدم الاستقرار المحلي والدولي. 

وساهم القطاع الخاص التونسي، على مدى السنوات العشر الماضية، في خلق أكثر من 142 ألف موطن شغل شملت قطاعات متنوعة من الصناعات والخدمات، مقابل معدل وظائف محدثة يقدر بنحو 250 ألف وظيفة خلال العشريات التي سبقت ثورة 2011.

وحظيت صناعة المعدات الكهربائية والإلكترونية بنصيب الأسد، بخلق 47 ألف وظيفة جديدة، أو ما يعادل 21% من إجمالي الوظائف المحدثة في القطاع الخاص في الفترة الممتدة بين سنتي 2009 و2019. 

وأظهرت الدراسة حدوث تغيرات لافتة في سوق العمل التونسي خلال العقد الأخير، حيث برزت قطاعات جديدة ضمن كوكبة الأكثر قطاعات خلقا لفرص العمل، وهي قطاعات خدماتية بالأساس تتعلق بالتعليم والرعاية الصحية. 

ورأى الخبير الاقتصادي محمد منصف الشريف أن سوق العمل التونسية ظلت خلال السنوات الماضية في قلب الاضطرابات السياسية والأمنية، ما تسبب في موجات تسريح كبرى من قطاعات حيوية كانت إلى أمد قريب العمود الفقري للاقتصاد في البلاد.

وقال إن صناعة النسيج التي جرى تركيزها في سبعينيات القرن الماضي كانت قاطرة التشغيل إلى جانب الصناعات الميكانيكية والسياحة، مؤكدا أن غياب الاستقرار السياسي تسبب في تفكيك وحدات في القطاعات الصناعية الكبرى، ما تسبب في تراجع قدرتها التشغيلية لتفسح المجال لفائدة قطاعات خدماتية لا تتطلب استثمارات كبرى. 

وأفاد الخبير الاقتصادي، في تصريح لـ "العربي الجديد"، بأن "سوق العمل في قلب العاصفة السياسية"، ورجح أن تظل كذلك إلى حين الوصول إلى استقرار سياسي نهائي وتثبيت التجربة الديمقراطية في تونس واستعادة ثقة المستثمرين. 

ورجّح المتحدث أن تتواصل تقلبات سوق العمل إلى سنوات لاحقة وربمّا إلى عقد جديد، في غياب مؤشرات الاستقرار وتداعيات جائحة كورونا التي دفعت بنسب البطالة إلى مستويات قياسية وخسارة نحو 88 ألف مؤسسة صغرى ومتوسطة أعمالها، وتصاعد تصفية أعمال صغار المستثمرين. 

واستطاعت بعض الأنشطة المهنية الجديدة مثل التعليم الخاص والرعاية الصحية الخاصة إضافة إلى بعض أنشطة ذات صبغة جامعية، الوصول إلى منصة الخمسة قطاعات الخاصة الأكثر تشغيلا في العشرية الأخيرة، وفق الدراسة، عبر خلق أكثر من 32 ألف موطن شغل بسبب الارتفاع الهام في نسبة الالتحاق بالمدارس ومؤسسات الرعاية الصحية الخاصة، فضلا عن العدد المتزايد للأنشطة الجامعية.

لا تزال تونس تنتظر خطة إنعاش اقتصادي لإنقاذ أكثر من 750 ألف عاطل عن العمل وما يزيد عن مليون أسرة فقيرة

في المقابل، بيّنت دراسة مرصد الاقتصاد أن تقدم بعض الصناعات الناشئة الأخرى وارتفاع مساهمتها في تشغيل التونسيين، على غرار تجارة الجملة والتجزئة التي مثلت 19% من إجمالي عدد مواطن الشغل المضافة خلال العقد الماضي، فيما ساهم قطاع التغذية والمشروبات بـ 14% من عدد مواطن الشغل. 

ودخلت تونس منذ 25 يوليو/تموز الماضي مرحلة سياسية جديدة، بإعلان الرئيس قيس سعيد تدابير استثنائية تم بمقتضاها تعليق أشغال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة، ولا تزال تنتظر خطة إنعاش اقتصادي لإنقاذ أكثر من 750 ألف عاطل عن العمل وما يزيد عن مليون أسرة فقيرة. 

وبلغت نسبة البطالة في تونس خلال الربع الثاني من العام الحالي 17.9% من مجموع السكان البالغ عددهم 11.7 مليون نسمة.  وأفادت وكالة التصنيف "ستاندرد أند بورز" بأنّ مستوى النمو الاقتصادي في تونس لن يكون كافياً لمواجهة معدل البطالة المرتفع وتدهور مستوى المعيشة.

وقالت الوكالة، في تقرير نشر الخميس الماضي، إنّ الاضطرابات السياسية الأخيرة خلقت في تونس بيئة متعثرة، مرجّحة أن تشهد البلاد أبطأ انتعاش بين بلدان شمال أفريقيا الثلاثة وفي منطقة الشرق الأوسط، بمعدل نمو لن يتجاوز 3.8% هذا العام و2.1% في المتوسط على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وفقاً لصندوق النقد الدولي. 

وبحسب تقرير الوكالة، فإنّ التوترات السياسية تصاعدت في تونس منذ 25 يوليو/تموز 2021، عندما علّق الرئيس قيس سعيّد عمل البرلمان 30 يوماً وأقال الحكومة وأعلن أنه سيحكم بمراسيم رئاسية، ليتم لاحقاً تمديد التعليق إلى أجل غير مسمى، ما يجعل الخطوات التالية غير واضحة. 

المساهمون