يشهد البرلمان العراقي أخيراً تحركاً باتجاه فتح ملف إيجار وبيع عقارات الدولة وأملاكها، بما فيها المنازل والأبنية المستولى عليها من قبل جهات حزبية ومسلحة إبان الغزو الأميركي للعراق في 2003.
وبالرغم من أن التوجه تدعمه قوى سياسية مدنية ووطنية ونواب مستقلون يمثلون الخيار السياسي للفئات التي نظمت احتجاجات في البلاد، إلا أن مراقبين يعتبرون أنها طريق صعب وشاق وقد يواجه بهجمة إعلامية من قبل الأحزاب المستفيدة من هذه العقارات التي نقلت ملكيتها خلافاً للقانون إلى شخصيات معروفة.
ويقدر مراقبون قيمة العقارات والممتلكات التابعة للدولة التي تم الاستيلاء عليها من قبل قوى سياسية مختلفة، بأكثر من 20 مليار دولار تشمل مبانيَ ومواقع مختلفة. وأعلنت لجنة النزاهة في البرلمان العراقي الأسبوع الماضي، عن توجّه لإقرار وتعديل بعض القوانين المهمة، منها استرداد الأموال المنهوبة والمهربة إلى خارج العراق، فيما باشرت عملياً بفتح ملف إيجار وبيع عقارات الدولة.
وهذه المرة الأولى التي تتبنى فيها لجنة برلمانية فتح هذا الملف، وهو ما يشكك فيه نائب في نفس اللجنة، تحدث إلى "العربي الجديد"، وقال إن "الملف يحتاج إلى دعم حكومي وإسناد أمني من أجل فتحه وتحقيق نتائج إيجابية بشأنه".
وأضاف النائب الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن "لجنة النزاهة في البرلمان موزعة على الأحزاب والفصائل المسلحة، ولا يوجد فيها أي مستقل يمكن أن يتحمل مسؤولية هذا الملف وتبعاته ونتائجه السياسية"، مبيناً أن "هناك أعضاء من قبل لجان أخرى، وغالبيتهم من النواب المستقلين يطالبون بفتح ملف عقارات الدولة، ويمارسون ضغطاً على لجنة النزاهة".
لكنه أشار إلى أن "اللجنة تتعرض لضغوط أخرى من جانب النواب الذين ينتمون إلى جهات سياسية وحزبية، وتحديداً من نواب "ائتلاف دولة القانون" الذي يتزعمه نوري المالكي، في سبيل منع أي تقدم أو حديث إعلامي بهذا الموضوع"، مؤكداً أن "هذا الملف من أخطر الملفات، لأن غالبية قادة الأحزاب والفصائل يسكنون في أملاك الدولة ويستغلونها من دون وجه حق".
ولفت النائب إلى أن "بعض الشخصيات السياسية والأمنية التي تستغل هذه الأملاك والمنازل وتحديداً في بغداد والبصرة، هي بلا مناصب منذ أكثر من 10 سنوات، وترفض الخروج منها، كما أنها ترفض أن تمضي بعقود إيجار بحسب الأصول".
وتشمل أملاك الدولة، وفق متابعين للملف، ممتلكات متفرقة، منها المباني والقصور والبساتين والمصانع والمنشآت التي سجلها نظام صدام حسين وما قبله باسم الدولة العراقية، وجرى الاستيلاء عليها من قبل زعامات سياسية وأحزاب مختلفة بعد الاحتلال الأميركي من دون أن تخضع إلى قانون أملاك الدولة، المعطل أصلاً من جراء مماطلة الأحزاب في إخلاء هذه المقرات وقيام بعضها بالالتفاف على القانون من خلال إبرام عقود استئجار بمبالغ رمزية أو شبه مجانية.
وسبق أن أثير هذا الملف في عهد حكومة مصطفى الكاظمي، لا سيما بعدما طالب مدير دائرة عقارات الدولة أحمد الربيعي، رئاسة الجمهورية بالتدخل والضغط على قوى سياسية موجودة في حي الجادرية الراقي وسط بغداد على نهر دجلة، من أجل السماح للفرق التابعة لدائرته بالدخول إلى المنطقة بهدف جرد العقارات التابعة للدولة فيها، مؤكداً وجود أكثر من 100 ألف حالة تجاوز سكني وزراعي وصناعي وتجاري على عقارات تابعة للدولة في مختلف المناطق في العراق.
من جهته، قال عضو البرلمان العراقي جمال كوجر لـ "العربي الجديد" إن "البرلمان العراقي مكبل بإرادات سياسية وحزبية، بالتالي فإن الملف خطير وقد يؤدي إلى تصادم ما بين أعضاء مجلس النواب والكيانات السياسية وتحديداً القادة والزعامات".
ولفت كوجر إلى أن "الهدف من قانون إيجار وبيع أملاك الدولة، هو معرفة جرد كامل للموارد المتأتية من هذه الممتلكات ومعرفة الجهات التي تحتلها وتستولي عليها سواء بالقوة أو بالنفوذ والتأثير السياسي، أو بالعلاقات الشخصية"، مؤكداً أن "المنازل قد تكون أقل قيمة من ممتلكات أخرى، مثل البنايات الضخمة والمعامل والمصانع والأراضي الفسيحة، التي من المفترض أن تكون مورداً اقتصادياً مهماً".
من جهته، بيَّن الناشط السياسي أيهم رشاد، أن "مسؤولين ونواباً سابقين ومستشارين وآخرين أعضاء في أحزاب كبيرة، يستولون على القصور التي كان صدام حسين قد سجلها ضمن ممتلكات رئاسة الجمهورية وأجهزة المخابرات وبقية الوزارات، إضافة إلى منازل كبيرة في عدد من المحافظات وأبرزها بغداد، ثم البصرة".
واعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "قادة وأعضاء نافذين في الأحزاب يعتبرون العراق منذ الاحتلال الأميركي لغاية الآن، ضمن ممتلكاتهم الشخصية. وفي بغداد مثلاً هناك عشرات المنازل لشخصيات لا تتمتع بأي دور سياسي أو وظيفي، ولا يقبلون الخروج من هذه الممتلكات، من بينهم الوزير السابق وائل عبد اللطيف، ورئيس الجمهورية الأسبق فؤاد معصوم، ورئيس البرلمان الأسبق محمود المشهداني، وغيرهم".