شهدت المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية "الكردية" شمال شرقي سورية منذ طرد تنظيم "داعش" الإرهابي من آخر معاقله في بلدة الباغوز بريف دير الزور عام 2019، استقراراً أدى إلى عودة كثير من النازحين إضافة إلى قدوم سكان جدد إلى هذه المنطقة، وهذا انعكس على سوق العقارات وحركة البناء بسبب كثرة الطلب على المساكن والمحال التجارية.
وبالرغم من الطلب المتزايد، إلا أن أسعار العقارات لم تشهد طفرة كبيرة حتى بداية النصف الثاني من عام 2021، وذلك بسبب ارتفاع أسعار المواد المستخدمة في البناء، والضرائب المفروضة عليها من قبل حكومة النظام السوري، إضافة إلى فارق الأسعار في المواد المستوردة من إقليم كردستان العراق.
يبلغ سعر طن الحديد في الإقليم نحو 600 دولار، بينما يباع في مناطق شمال شرقي سورية بـ 900 دولار، ويباع طن الإسمنت بـ100 دولار، في حين يستورده التجار بنحو 85 دولاراً
يقول صاحب مكتب عقاري في مدينة القامشلي بريف الحسكة، محمد يوسف، لـ"العربي الجديد"، إن "العمل في البناء يعتبر العصب الحيوي لسكان مدينة القامشلي، كون هذا القطاع يستوعب نحو 80 بالمائة من اليد العاملة، وذلك لأن الكثير من القطاعات الخدمية كالكهرباء والمياه والاتصالات تعمل تحت سقف قطاع العقار، وقد يسهم البناء الواحد في تأمين مصروفات عشرات العائلات، وبالرغم من ذلك تتجه أسعار العقارات إلى الارتفاع وذلك لأسباب أخرى ليست اليد العاملة منها".
ويضيف أن معظم المواد المستخدمة في البناء تستورد من إقليم كردستان العراق، وأن هناك فارقاً في الأسعار يصل إلى نحو 30 بالمائة، هي ضرائب وتكاليف نقل إلى المنطقة، إذ يبلغ سعر طن الحديد الواحد في الإقليم نحو 600 دولار، بينما يباع في مناطق شمال شرقي سورية بـ 900 دولار، ويباع طن الإسمنت الواحد بـ100 دولار، في حين يستورده التجار بنحو 85 دولاراً.
وحسب يوسف، فإن الكثير من العائلات التي تملك أراضي في المدينة بدأت تعتمد على تسليم أملاكها لمتعهّدين يعملون في البناء، مقابل الحصول على شقة أو أكثر فيها بحسب الاتفاق، وهذا كله بسبب ارتفاع تكاليف مواد البناء التي لا تقدر على تأمينها هذه العائلات، ولا يمكن أن تستثمر فيها إلا الشركات ورجال الأعمال.
كما يشير إلى أن الإدارة الذاتية تفرض رسوماً على كل راغب بالبناء، مقابل تقديم بعض الخدمات وتأمين مواد البناء بأسعار معقولة، لكن احتكار الاستيراد إن كان من مناطق النظام أو من إقليم كردستان العراق أدى إلى ندرة وجود هذه المواد في السوق، ما يضطر أصحاب هذه المشاريع للجوء إلى المحتكرين والشراء منهم بأسعار مرتفعة.
وبدوره، يقول الصحافي أحمد برو لـ"العربي الجديد" إن غلاء أسعار مواد البناء أثر كثيراً على أسعار العقارات، لكن يبقى المحدد الأهم للسعر هو موقع العقار، مشيراً إلى أن سعر المتر المربع الواحد في مدينة القامشلي لبناء غير مكسو يتراوح بين 100 دولار و250 دولاراً بزيادة تقدّر بنحو 30 بالمائة عن الفترة السابقة، التي لم تكن فيها أسعار المواد مرتفعة.
ويؤكد برو أن هناك هماً آخر ينتظر أصحاب الأبنية الجديدة وهو شراء تجهيزات الكهرباء والمياه والمطابخ، لافتاً إلى أنه اشترى منزلاً بـ12 ألف دولار في منطقة بعيدة عن مركز مدينة القامشلي، وتكلّف مقابل التجهيزات تسعة آلاف.
يقول المدرس أحمد حسن، من ريف الحسكة لـ"العربي الجديد" إن الحصول على منزل بات حلماً للكثير من السوريين، وخاصة الشبان المُقدمين على الزواج أو المتزوجين حديثاً، وهذا دفع بالكثيرين إلى التوجّه نحو الأرياف بحثاً عن أسعار أقل من أسعار المدن، وطمعاً في الحصول على خدمات أقل سعراً، خاصة أن الأرياف هي غالباً مصدر مواد البناء.
ويشير حسن إلى أن هذا انعكس في نفس الوقت على أسعار الأراضي الزراعية التي باتت تستخدم للبناء، إذ وصل سعر الدونم الواحد إلى نحو 20 ألف دولار، وهذا اضطر راغبين بتشييد أبنية جديدة للمشاركة في شراء قطعة أرض، كي يتقاسموا سداد المبلغ، ويضعوا ما يتبقى لديهم في إقامة بناء أقل جودة من الأبنية التي تقام في المدن وبمواصفات متدنية.