الإمارات وتركيا... عفا الله عمّا مضى؟!!

23 اغسطس 2021
جرت محاولات لضرب السياحة أو العملة التركية على مدى السنوات الماضية (Getty)
+ الخط -

على الأرجح، ليس كافياً ولا مقنعاً القول، أو حتى التبرير، إن الاقتصاد فقط هو محرك وسبب تبدّل سياسات الدول الجذرية، فالذي جرى، على مدى أربع سنوات، بين تركيا والإمارات العربية المتحدة لم يكن خلاف وجهات نظر أو تضارب مصالح، ولا حتى تراجع حجم التبادل التجاري، لتزول الخلافات ويجرى تناسي التصريحات بزوال الأسباب. 

بل لا يغيب عن الذاكرة، وقت وصلت التصريحات الرسمية، ومن أعلى المناصب بالدولتين، إلى حدود الإساءة والتجريح، وقت غرد وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، عام 2017، بأن "الأتراك سرقوا أغلب مخطوطات المكتبة المحمودية بالمدينة.. فهؤلاء أجداد أردوغان وتاريخهم مع المسلمين العرب".

لم ينتظر الرئيس التركي لليوم التالي أو حتى ليوحي لوزير خارجيته بالرد، بل قالها بنفسه: "أنتم أيها المثيرون للشفقة تهينوننا، أين كنتم عندما كان فخر الدين باشا يدافع عن المدينة؟".

وربما ما خططته أبوظبي، سواء لضرب السياحة أو العملة التركية على مدى السنوات الماضية، لم يكن تكهناً أو محض تحليل، إذ لم تخف الإمارات سعيها المتواصل للنيل من الاقتصاد التركي، وعلى وسائل الإعلام ومواقع التواصل، حتى غدت محجاً للمعارضين الأتراك، وآخرهم سادات بكر، أشهر زعماء المافيا في تركيا، الذي أخذ من الإمارات مقراً لتوجيه التهم للحكومة التركية وللرئيس أردوغان.

وكل هذا، إن لم ننبش بالذاكرة لنعيد الاتهامات التركية للإمارات كأحد داعمي الانقلاب في 15 يوليو/ تموز 2016، وقت لم تتبلوّر الأحلاف الجديدة، ولم يكن من حصار على قطر، وقت دخلت أبوظبي وأنقرة بخانة العداوة العلانية جراء تأييد تركيا لقطر منذ لحظات حصارها الأولى في يونيو/حزيران 2017.

لكن زيارة مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد آل نهيان إلى أنقرة أخيراً، صفعت المراقبين وتركت جملة من الأسئلة معلقة.

ربما أولها، هل جاءت الزيارة ارتجالية لجس النبض، و"نقل تحيات القيادة الإماراتية" ومناقشة فرص الاستثمار "في مجالات الصحة والنقل والطاقة"، كما روّجت أبو ظبي؟!

أم ثمة أقنية واتصالات، أمنية وسياسية، كان آخرها بين وزيري الخارجية في البلدين قبل أربعة أشهر، سبقت، وربما بسنوات، زيارة المستشار طحنون؟.

وقد لا تنتهي التساؤلات التي لم تزل متوثبة على شفاه كثير من المراقبين، أيعقل أن تجبّ الاستثمارات "4.3 مليارات دولار" ما قبلها من خلافات، لتعاد العلاقات من بوابة الاقتصاد وعفى الله عمّا مضى؟

ولكن، من الأسئلة أيضاً، خاصة بواقع عدم توقف الاستثمار وعقود التصدير، بل وتبوؤ الإمارات المركز الأول بين شركاء تركيا بالشرق الأوسط، كيف سيتم طي صفحة الخلافات العميقة؟ سواء ما يتعلق بتحالف أبوظبي مع أعداء أنقرة بقضية غاز شرق المتوسط التي تراها تركيا "نكون أو لا نكون"، أو حتى الاحتراب، وإن بالوكالة، في ليبيا، والخلافات حول التدخل بالسودان، أو حتى الموقف من الإخوان المسلمين وترداد أبوظبي على الدوام أن تركيا تحاول الهيمنة على المنطقة والتدخل بشؤون الدول العربية الداخلية.

قصارى القول: على نحو شبه دائم ووفق شواهد التاريخ، لا تعرف السياسة العداء المطلق أو الصداقة الدائمة، فهي تتقلب، انطلاقاً من براغماتيتها، وفق المنافع والتمحوّر على الأرض، ولعلّ التبدلات وإعادة رسم الجغرافية والعلاقات بمنطقة الشرق الأوسط خاصة، هي السبب الأهم، الذي دفع أبوظبي أولاً، ومن ثم تركيا، لإعادة النظر بشكل وطبيعة العلاقات، لتكون ولا شك أبعد من تبادل تجاري وجذب استثمارات.

فالتقارب التركي المصري، ومن ثم السعودي، المأمولين تركياً، سيضع الإمارات بعزلة، إن لم تسارع هي الأخرى وتنضم لحلف الأمر الواقع، أو تجميد العداء على مبدأ أقل الأضرار.

وربما ما حصل بأفغانستان، حتى قبل سيطرة "طالبان" قبل أسبوع، أي منذ تبلور ملامح الاتفاق بين واشنطن والحركة بالدوحة، حرّك أو سرّع من خطوة أبوظبي، فأرسلت مستشار الأمن القومي ولم ترسل وزير الخارجية أو وزير الاقتصاد، إن كان الهدف اقتصادياً كما ادعت وعززت أنقرة ادعاءها.

بمعنى، شعرت أبوظبي، التي استقبلت الرئيس الهارب "أشرف غني"، أنها ستكون بمواجهة مستقبلية، إن منفردة أو ضمن حلف، مع حلف سيتشكل على وقع مستجدات الحدث، كما استشفت من تخلي واشنطن عن غني، أن لا حليف محمياً على الدوام من الولايات المتحدة.

في المقابل، ليس في مصلحة تركيا، التي تعي أن أبوظبي هي أداة ماضية بيد واشنطن، وحركت عبرها ملفات تركية عدة، وأعاقت أحلام النمو ومشروع 2023، أن تبقى ناصبة العداء لها، هذا فضلاً عن مساعي تركيا للعب دور إقليمي سبق وعطلته الإمارات.

وأكثر، تركيا الساعية لمجموعة العشر الكبار مقبلة على انتخابات مصيرية بعد عامين، ليس في مصلحتها استمرار خسائر أسواق الشرق والخليج أو زعزعة اقتصادها وتذبذب عملتها، وهي تعلم أن أبوظبي، معطلة بالحد الأدنى إن لم نقل معيقة، وحالت بالسابق عبر تأجيج الخلاف بين أنقرة والرياض، وعززته بين أنقرة والقاهرة.

خلاصة القول: أرادت الولايات المتحدة، لتبديد بعض هواجسها من الصين وروسيا، فكان اللقاء، طبعاً إلى جانب توافق المصالح التي فرضتها المستجدات على الأرض، فجاءت الإمارات إلى تركيا لتصويب مشاكل الأمس، بدليل ما قاله الرئيس التركي خلال حديث تلفزيوني مطوّل بعد زيارة طحنون: "نولي أهميّة لأن يجري الفاعلون المؤثّرون في المنطقة محادثات مباشرة، وأن يتفاوضوا ويحلّوا مشكلاتهم معاً". ولا غرابة أن تذهب تركيا غداً إلى الإمارات، أيضاً وفق ما قاله أردوغان خلال تبرير عودة العلاقة مع عدو الأمس، لـ"عقد لقاءات أخرى مع القيادة الإماراتية، وعلى رأسها الشيخ محمد بن زايد، في الفترة المقبلة إن شاء الله، ونتائج اجتماعاتنا مع الضيف الإماراتي طحنون تقول ذلك".

المساهمون