تواجه النقابات المهنية في الأردن التي يزيد عدد منتسبيها على 500 ألف عضو في القطاعين العام والخاص، أزمة تعثّر صناديق التقاعد وعدم قدرتها على دفع الرواتب الشهرية للمتقاعدين، بسبب تراجع الأوضاع المالية لها منذ عدة سنوات.
ومنذ عدة أشهر، لم يتقاض متقاعدو نقابة المهندسين الأردنيين التي تعتبر أكبر النقابات المهنية في المملكة بعدد أعضاء يبلغ حوالي 200 ألف مهندس في مختلف الاختصاصات، رواتبهم التقاعدية، وكذلك الحال بالنسبة لنقابات أخرى.
واضطرت نقابات أخرى قبل سنوات مثل نقابة الصحافيين إلى إلغاء صندوق التقاعد نتيجة تعثّر أوضاعها المالية وإجراء دراسات اكتوارية أظهرت عجز تلك الصناديق عن الوفاء بالتزامات الأعضاء ودفع الرواتب التقاعدية.
وتأتي أزمة الرواتب التقاعدية، في الوقت الذي تعاني غالبية النقابات من تداعيات إخفاق مشاريع استثمارية قائمة أو عدم قدرتها على تنفيذ استثمارات لتحسين الإيرادات، وبالتالي تمويل الصناديق الخاصة بها.
ويتوقع نقابيون أن تشهد معظم صناديق التقاعد في النقابات المهنية إفلاسا خلال السنوات القليلة المقبلة، ما لم تكن هناك معالجات ناجعة لها تستند إلى دراسات مالية دقيقة، تأخذ بعين الاعتبار كافة المعطيات، بما في ذلك التدفقات المالية وتغذية الصناديق بالموارد المالية التي تمكنها من تحقيق أهدافها ودفع الرواتب التقاعدية لمستحقيها.
وقال نائب نقيب المهندسين فوزي مسعد لـ"العربي الجديد" إن الأوضاع المالية التي تعاني منها صناديق النقابات المهنية حالياً تعد انعكاساً للأوضاع الاقتصادية العامة وتراجع حركة الاستثمار، إضافة على عدم دقة الدراسات الاكتوارية (التمويلية والتأمينية) لبعض الصناديق.
وأضاف مسعد أن الجانب الاستثماري تراجع بشكل واضح للنقابات المهنية التي كان بعضها يمتلك محافظ استثمارية بمبالغ كبيرة وحققت نجاحات مميزة على صعيد الواقع الاستثماري العام وخدمة مصالح منتسبيها.
وأكد ضرورة الانتباه أكثر إلى أهمية الدور الذي تقوم به النقابات المهنية لخدمة منتسبيها الذين يشكلون نسبة عالية من سكان الأردن وعائلاتهم، وذلك من خلال إيجاد آلية مناسبة لدعم صناديقه المالية، خاصة التقاعدية منها وتخفيف الأعباء المالية عن أعضائها.
وفي تقرير للمرصد العمالي، قال المهندس المتقاعد محمد الرفاعي إن ما يقارب 18 ألف متقاعد لم يتسلموا رواتبهم منذ بداية هذا العام. علما أن المشكلة بدأت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إذ تسلموا نصف راتب فقط، وتكرر ذات الأمر في الشهر التالي ديسمبر 2022.
وأوضح الرفاعي أن متوسط رواتب المتقاعدين ضمن الشرائح المختلفة يصل إلى 280 دينارا تقريبا (392 دولارا) أي أن صندوق النقابة عليه دفع ما يقارب خمسة ملايين دينار رواتب للمتقاعدين شهريا، إلا أن الصندوق تمكن من تأمين ما يقارب مليوني دينار فقط من المشاريع المختلفة التي يساهم بها.
وأعرب عن اعتقاده بأن إلغاء إلزامية الاشتراك في نقابة المهندسين هو أحد أهم أسباب تعثر الصندوق، مما أدى إلى توجه المهندسين إلى الاشتراك في الضمان الاجتماعي بدلا من النقابة.
وكانت بعض التعديلات على نظام صندوق التقاعد للنقابة قد أُقرت من قبل الهيئة المركزية لنقابة المهندسين تتضمن رفع السن القانونية للتقاعد بشكل تدريجي كل سنة ستة شهور حتى تصل إلى 62 سنة للذكور و58 سنة للإنات وخصم 10% من راتب المتقاعد غير الممارس للمهنة و50% من رواتب المهندسين المتقاعدين الممارسين للمهنة، على أن يتم إعادة النظر في نسبة الاقتطاع على ضوء الدراسات الاكتوارية وزيادة مدة تقسيط الإعفاءات إلى سنتين في حال الالتزام بالدفع.
وراعت التعديلات المقترحة ظروف المهندسين الشباب، حيث تضمنت إعفاء المهندسين الشباب أول خمس سنوات من التخرج من إلزامية الاشتراك وتعديل قيمة الأقساط السنوية على مرحلتين لمدة 10 سنوات من التخرج لشريحة 150 دينارا. كما تضمنت قرارات مجلس النقابة التقشفية تخصيص ما نسبته 10% من الميزانية لدعم مشاريع المهندسين الشباب الريادية.
وتنشط النقابات المهنية في مجال تطوير المهن التي تمثلها والارتقاء بمستوى الأداء المهني للمنتسبين والدفاع عن مصالحهم وتقدم النقابات المهنية لمنتسبيها عددا من الخدمات المهمة مثل القروض ذات الفائدة المنخفضة وخطط الإسكان والتأمين الصحي ومعاش التقاعد وبعض الخدمات الأخرى.
نقيب سابق لإحدى النقابات المهنية، فضل عدم ذكر اسمه، أعرب عن أسفه في تصريح لـ"العربي الجديد" من المعاناة التي تمر بها النقابات المهنية وهي منشغلة الآن عن تأدية مهامها على المستوى العام الحالي، وذلك بالبحث عن معالجات لمشاكلها المالية ومحاولة إنقاذ صناديقها المالية وخدمة أعضائها.
ومن المستبعد أن تقدم الحكومة دعماً مباشراً لصناديق النقابات المهنية التي شكلت سنوات طويلة حالة سياسية عوضت الشارع عن غياب الأحزاب الفاعلة وقادت حراك الشارع في فترة الربيع العربي وكذلك مواجهة القرارات الاقتصادية الصعبة، وكان آخرها عام 2018 عندما شهد الأردن احتجاجات واسعة أفضت إلى استقالة الحكومة التي كان يرأسها هاني الملقي.
كما تواجه العديد من النقابات المهنية البالغ عددها 15 نقابة أبرزها نقابات المهندسين والمحامين والأطباء والصحافيين والممرضين والفنانين عجزاً في صناديق التكافل الاجتماعي ولم تعد قادرة على دفع مستحقات أعضائها وورثتهم. ويرى مراقبون أن العمل النقابي في الأردن وتأثيره في الشارع تراجع كثيراً منذ أكثر من 5 سنوات واقتصر دور النقابات على معالجة المشاكل الداخلية دون التأثير في القضايا العامة.