تمارس القطاعات الاقتصادية الإسرائيلية واللوبي الداعم لها خارجياً، ضغوطاً شديدة على الشركات الدولية المنددة بعدوان الاحتلال الوحشي على قطاع غزة، إذ تروج إسرائيل لمقاطعة هذه الشركات بدعوى دعمها لـ"الإرهاب"، في إطار حملة ابتزاز الرافضين لعدوانها وإسكاتهم، فيما يواصل النشطاء الداعمون لفلسطين في المقابل دعواتهم لتوسيع نطاق مقاطعة سلع الاحتلال وداعميه.
ما أن أدان "بادي كوسغريف" المؤسس والرئيس التنفيذي لمؤتمر "قمة الويب" (Web Summit) وهي أحد أكبر مؤتمرات التكنولوجيا في العالم، ممارسات إسرائيل بحق قطاع غزة، حتى أعلنت شخصيات تكنولوجية إسرائيلية رفيعة المستوى على حد وصف صحيفة "غلوبز" الاقتصادية الإسرائيلية، منهم رؤساء تنفيذيون ومستثمرون، مقاطعتهم القمة المقرر عقدها في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل في العاصمة البرتغالية ليشبونة.
وجاءت الحملة الإسرائيلية بعد أن كتب كوسغريف على موقع "إكس" (تويتر سابقاً)، يوم الجمعة الماضي "لقد صدمت من خطاب وأفعال العديد من القادة والحكومات الغربية، باستثناء الحكومة الأيرلندية على وجه الخصوص" بشأن ما يحدث في غزة، مضيفا أن "جرائم الحرب هي جرائم حرب حتى عندما تُرتكب" في إشارة إلى العدوان الإسرائيلي على القطاع المحاصر منذ نحو 16 عاماً.
وقوبلت هذه التصريحات بحملة انتقادات شرسة من الشركات الإسرائيلية والكيانات الداعمة لها، لاسيما في الولايات المتحدة الأميركية، إذ قرر آدم سينغولدا، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "تبولا" (Taboola) العاملة في مجال الدعاية والإعلان والمدرجة في أميركا، إلغاء مشاركته في القمة، بينما كان مشاركا منتظما فيها على مر السنين، وفق الصحيفة الإسرائيلية. وقال سينغولدا في تغريدة على موقع "إكس" :"لن أكون أبداً جزءاً من مبادراتكم المستقبلية ولن نعمل معاً مرة أخرى".
كذلك كتب ينون كوستيكا، المؤسس المشارك لشركة "Unicorn Wiz" الإسرائيلية للأمن السيبراني، على منصة "لينكد إن" أنه يلغي مشاركته في "قمة الويب". ودعا جميع كبار الشخصيات التقنية إلى تعميم هاشتاغ لمقاطعتها على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي.
وتعد "قمة الويب" من أكبر مؤتمرات التكنولوجيا في العالم، لأنها تناقش موضوعات تتعلق بمستقبل الإنترنت والتكنولوجيا الناشئة ورأس المال الاستثماري. وتشمل أنشطتها محاضرات وورش عمل، كما تتيح فرصة لشركات التكنولوجيا الناشئة للتواصل مع المستثمرين.
وفي عام 2009، شارك كوسغريف في تأسيس القمة، التي اجتذبت في البداية 400 مشارك في العاصمة الأيرلندية دبلن، قبل أن تنمو إلى أكثر من 6000 مشارك و1200 متحدث في نسخة 2016. وينتظر أن تستضيف دولة قطر مؤتمر "قمة الويب"، في مارس/آذار من العام المقبل 2024، وفق ما أعلنت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، في إبريل/نيسان الماضي.
كما امتدت حملات التشويه التي تمارسها المؤسسات الإسرائيلية بحق شركات عالمية لإثنائها عن دعم القضية الفلسطينية، شركات عاملة في مجال مستحضرات التجميل. ودعت صحيفة يديعوت أحرونوت إلى مقاطعة منتجات شركة "Lush" في إسرائيل وكذلك حشد دعم اليهود في مختلف أنحاء العالم ضدها.
وأشارت الصحيفة إلى أنه على مدى السنوات القليلة الماضية، قامت صاحبة العلامة التجارية بنشر معلومات ومواد داعمة لحماس وغزة من خلال متابعة الملايين لها على شبكات التواصل الاجتماعي، مضيفة: " الأكثر من ذلك أن 10% من إيرادات هذه العلامة التجارية تذهب إلى حماس وغزة".
وذكرت الصحيفة الإسرائيلية أن "شركة Lush لها تاريخ طويل في دعم الفلسطينيين، ففي عام 2011 روجت الشركة لأغنية مؤيدة للفلسطينيين". لكن متحدثاً باسم الشركة التي تتخذ من دبلن مقراً رئيسيا لها قال لصحيفة "جويش كرونيكل" (Jewish Chronicle) المؤيدة لإسرائيل "نحن شركة متنوعة تضم موظفين من جميع الجنسيات والأديان وقد تختلف وجهات نظرهم وآراؤهم الشخصية". وأضاف أن "موقف شركتنا يقوم على استنكار أي عنف وأي ظلم.. رغبتنا هي تحقيق السلام والأمن لكل من الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني. نحن ندعم الحفاظ على القانون الدولي وحقوق الإنسان لجميع الدول".
وفي مقابل الضغط الإسرائيلي على الشركات والمؤسسات الدولية لإسكاتها عن دعم القضية الفلسطينية، تتصاعد حملات المقاطعة التي تتبناها مؤسسات عربية ونشطاء بحق السلع الإسرائيلية ومنتجات الدول الداعمة للاحتلال. ويأتي الدعم غير المباشر لإسرائيل عبر الاستثمارات والتعاملات التجارية الواسعة، في الوقت الذي تقدم شركات عالمية أغلبها أميركية دعما مالياً مباشراً لمؤسسات الاحتلال.
ودعت اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل "بي دي إس" في بيان لها على موقعها الإلكتروني، إلى تعزيز حملات مقاطعة إسرائيل على كل الأصعدة، بالإضافة إلى "ضرورة تصعيد مقاطعة الشركات المتورطة في الاحتلال والأبارتهايد الإسرائيلي".
وقالت اللجنة إن "معاهدات الخيانة والتطبيع بين بعض الأنظمة العربية الاستبدادية مع العدوّ الإسرائيلي تتحمّل جزءًا هاماً من المسؤولية عن استمرار الحصار الإجرامي لشعبنا في غزة وعن أعمال الإبادة الجماعية الجارية الآن من قبل الاحتلال، وهي تتناقض جوهرياً مع قناعات ومواقف شعوب منطقتنا العربية، التي تُعبّر كل يوم عن وقوفها مع الشعب الفلسطيني في مسيرته نحو التحرر الوطني وعودة اللاجئين وتفكيك نظام الاستعمار الاستيطاني برمّته".