الإرباك يكبّل الحكومة البريطانية: غموض خطة الضرائب يرهق المستثمرين

04 أكتوبر 2022
كوارتينغ يواجه خيارات صعبة (Getty)
+ الخط -

دافعت رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس عن خطتها المثيرة للجدل لإعادة إطلاق النمو الاقتصادي عبر خفض الضرائب، رغم التوقعات الثلاثاء بتراجع آخر يسدد ثاني ضربة لحكومتها.

وبعد تراجع مهين عن خفض الضرائب المفروضة على مداخيل الأثرياء، يتوقع بأن تستعرض تراس ووزير المال كواسي كوارتينغ، خطة لخفض الديون بشكل كبير، وفق ما ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" وغيرها.

ولدى اعتلائه منبر المؤتمر السنوي لحزب المحافظين في برمنغهام في وسط إنكلترا، قال كوارتينغ، اليوم الثلاثاء، "يا له من يوم!"، مضيفاً "كان ذلك صعباً". فبعد عشرة أيام على إعلان إلغاء ضريبة الدخل البالغة 45% المفروضة على الأكثر ثراء، أشار كوارتينغ صباحاً إلى أنه "لن يمضي قدماً" في هذه الخطوة التي تعرّض الحكومة لخطر تمرّد في معسكرها خلال تصويت برلماني على النص.

وكانت تراس التي تولت مهامها قبل أقل من شهر قد استبعدت هذا التراجع قبل 24 ساعة. لكن ومن دون الإشارة بالتحديد للإجراء الملغى قال كوارتينع "أعلم أنّ الخطة التي عرضناها (...) تسببت باضطرابات". وأشار الوزير إلى "تفّهمه" الاحتجاجات وقال "نحن نصغي وقد أصغينا"، آملاً طي الصفحة الكارثية للحكومة الجديدة.

وأضاف الوزير "أود حالياً التركيز على النقاط الرئيسية في خطّتنا للنمو"، مبدياً نية لإنقاذ رزمة الاجراءات المقدّمة في 23 سبتمبر/أيلول. والخطة التي دافعت عنها ليز تراس، رغم انها أقرت الأحد بأنه كان عليها "أن تعدّ بشكل أفضل" لها، أدت الى تدهور الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوى له، ما أثار مخاوف على الاستقرار المالي للبلاد.

وتراجع الجنيه الإسترليني مرة أخرى من أعلى مستوى في أسبوعين هذا الصباح فوق 1.14 دولار، حيث يصرّ كواسي كوارتينغ على أنه سيقدم خطته لخفض الديون متوسطة الأجل في 23 من الشهر المقبل، كما هو مخطط له وفقاً لصحيفة ذا غارديان، ولن يتم تقديم الموعد، حسبما لمح الوزير، يوم أمس الإثنين.

وتراجع الجنيه الإسترليني الآن عائداً إلى حوالي 1.134 دولار، بعد ارتفاع طفيف خلال اليوم، مع خيبة أمل المستثمرين لأنهم قد ينتظرون أسابيع لسماع خطة خفض الديون.

وأعطى كوارتينغ الإذن لـبنك إنكلترا (المصرف المركزي) بتدخل أكبر في سوق السندات من مبلغ 65 مليار جنيه إسترليني الذي تم إطلاقه الأسبوع الماضي، حيث وقّع على شراء سندات بقيمة 100 مليار جنيه إسترليني من قبل بنك إنكلترا مع دخول السوق في حالة اضطراب الأسبوع الماضي، وفقاً لرسالة أرسلت إلى رئيس لجنة الخزانة ميل سترايد. 

ويحوم العائد (سعر الفائدة) على السندات البريطانية لأجل 30 عاماً حول 3.9% اليوم، وهو قريب من مستوياته قبل الميزانية المصغرة، بفعل التدخلات.

ومن شأن التحرّك قبيل اجتماع بنك إنكلترا المقبل لتحديد معدل الفائدة والمرتقب في 3 نوفمبر/تشرين الثاني أن يخفض الضغط من أجل رفع معدلات الفائدة.

تهرب من الأسئلة

ولدى سؤالها بشأن إن كانت تستعد للتراجع عن أمور أخرى، تهرّبت تراس من الإجابة في مقابلة أجرتها معها إذاعة "إل بي سي" بُثّت اليوم الثلاثاء رغم أنه تم تسجيلها الاثنين.

وقالت "أنا عازمة على المضي قدماً بحزمة النمو هذه"، مشددة على بند آخر ضمن الخطة ينص على وضع حد لفواتير الطاقة المرتفعة.

وأضافت "هذا هو المهم، لكن من المهم أيضاً بأن ننصت إلى الناس وأن ندفع البلد (كاملاً) للوقوف إلى جانبنا".

ورفضت تراس استبعاد خفض الميّزات في وقت يعاني البريطانيون الأفقر من أسوأ أزمة تكاليف معيشة تعصف بالمملكة منذ أجيال. وقالت لإذاعة "بي بي سي" في مقابلة أخرى كانت مسجّلة مسبقاً وبُثّت الثلاثاء "أنا ملتزمة للغاية بدعم الأكثر ضعفاً". لكنها أضافت "علينا النظر إلى هذه القضايا من كافة جوانبها. علينا أن نتحلى بالمسؤولية المالية".

يشكّل الخفض المحتمل في ميزانية الرعاية الاجتماعية ملامح المعركة المقبلة مع نواب حزب المحافظين المنشقين بعد إلغاء خفض الضرائب، في إطار حزمة تعتمد على ديون جديدة بالمليارات. وظهرت انقسامات أيضاً ضمن الحكومة.

وقالت وزيرة الدولة لشؤون الدفاع بيني موردونت، وهي من المرشحين الذين هزمتهم تراس في سباق زعامة الحزب المحافظ، إنه أمر "منطقي" بأن تواصل الرعاية الاجتماعية بالتطور بشكل متناسب مع الارتفاع الكبير في معدلات التضخم.

وقالت لـ"تايمز راديو" "لطالما أيدت مواكبة التضخم، سواء كان عن طريق المعاشات التقاعدية أو نظامنا للرعاية الاجتماعية". وتابعت "هذا ما صوّتُ من أجله في السابق كما فعل العديد من زملائي".

وكانت التغطية الإعلامية لقرار التراجع منددة، إذ أشار العديد من المعلّقين إلى أنّ مصداقية تراس انهارت بعد أقل من شهر على خلافتها بوريس جونسون. وعنونت صحيفة "دايلي ميل" التي تعد عادة صوتاً مؤيداً لأجندة رئيسة الوزراء الجديدة اليمينية على صفحتها الأولى "سيطري على نفسك!".

نبرة كوارتينغ

ولم يسلم كوارتينغ من تنديدات الصحافة بعدما قدّم خطاباً باهتاً أمام مؤتمر المحافظين الاثنين أعيدت كتابته على عجل في أعقاب التراجع عن الخطة الضريبية. ووجّهت معظم الانتقادات لنبرته الساخرة التي تبناها في مناسبة أقامها مركز أبحاث "بوليسي إكستشينج".

واعتبر أنّ رد فعل الأسواق في ظل تراجع الجنيه الإسترليني إلى أقل مستوى له أمام الدولار الأسبوع الماضي مجرّد "جعجعة".

وواصل زعيم المنشقين مايكل غوف انتقاداته لتراس، اليوم الثلاثاء، مشدداً على أنّ جميع النواب المحافظين انتُخبوا بفضل برنامج جونسون الانتخابي عام 2019.

وشمل البرنامج تعهّداً بوضع حد لعمليات الإخلاء التعسفية للسكان من قبل أصحاب العقارات، بحسب ما أشار خلال مؤتمر أقامته جمعية "شيلتر" الخيرية المعنية بالسكن.

وقال غوف بعدما تراجعت تراس عن تعهّد جونسون حظر استخدام تقنية التصديع المائي "علينا المحافظة على ما أراده بوريس، علينا التأكد من الوفاء بالالتزامات الواردة في برنامجه".

لكن لدى سؤاله من قبل الصحافيين بشأن إن كانت تراس ستتمكن من الاستمرار إلى ما بعد نهاية العام، قال الوزير السابق "نعم".

ونشرت "شيلتر" نتائج استطلاع أشار إلى أنّ مستأجري المساكن الخاصة الذين صوتوا لصالح المحافظين عام 2019، يهجرون الحزب بأعداد كبيرة مفضّلين العمال، وغيره من أحزاب المعارضة.

وتشمل مقاعد المحافظين التي تواجه خطراً، بحسب الاستطلاع، دائرة جونسون الانتخابية في غرب لندن.

وأظهرت استطلاعات أوسع للرأي في الأيام الأخيرة بأنّ العمال تجاوز 50% بينما تتراجع نسب التأييد للمحافظين في عهد تراس، ما يزيد المخاطر في وقت تستعد لاختتام مؤتمر برمنغهام، الأربعاء.

(العربي الجديد، فرانس برس)

المساهمون