الأولوية للإنفاق على قطاع الصحة

15 يناير 2021
باص في القاهرة ... الحكومة مهتمة بالصرف على الأمن أكثر من الصحة
+ الخط -

يُشكِّل قطاع الرعاية الصحية وصمة عارٍ على الحكومات العربية التي لا تولي اهتماماً لصحة مواطنيها وتجعلهم بذلك عرضة لكل الكوارث المحتملة كجائحة كورونا التي قدَّمت دليلاً لا يدحض على سوء إدارة المال العام وترتيب أولويات الإنفاق العام.  وكشفت الوجه الحقيقي لصناع القرار العرب الذين يسترخصون قيمة حياة المواطنين ويهدِّدون الأجيال القادمة. يكمن فشل أغلب الدول العربية في التصدّي للجائحة في هشاشة أنظمتها الصحية وعدم استعدادها لمواجهة مثل هذه الاختبارات المصيرية التي كشفت للوهلة الأولى عن العجز الفادح في الطاقة الاستيعابية للمستشفيات الحكومية والنقص غير المُبرَّر في المستلزمات الطبية وقلّة الكوادر الطبية المستعدّة والمُدرَّبة على التعامل مع مثل هذه الأوبئة الفتَّاكة التي تتسلَّل وتجتاح من دون استئذان ولا سابق إنذار. 

قدَّمت جائحة كورونا صورة حقيقية لا تستجيب لإنكارات المغالطات الحكومية ولا لحملات التضليل الإعلامية وعكست واقعاً مريراً يُصوِّر الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة العربي وكأنّه مُتوقِّف ومُجمّد منذ بداية الألفية الثالثة، فلم يجد المصابون بالفيروس الذين لم يحظوا بأسِرَّة في المستشفيات سوى أسِرَّة بيوتهم وما في جيوبهم ليُغطّي مصاريف علاجهم، وهنا تثور علامات الاستفهام العديدة حول مصير العائدات الضريبية والأموال العمومية، وتكمن الإجابة الوحيدة في أنّ أغلب الحكومات العربية حاضرة عندما يتعلَّق الأمر باستنزاف جيوب المواطنين وشبه غائبة عندما يتعلق الأمر بتزويدهم بخدمات صحية ذات جودة عالية ومجانية لاسيَّما لفائدة الفئات الاجتماعية الهشّة والفقيرة ومحدودة الدخل.
لقد جاءت هذه الجائحة لتُدمِّر ما تبقَّى من العقد الاجتماعي الذي ربط المواطنين العرب بحكوماتهم لسنوات عديدة، فقد كشفت استطلاعات الجزء الأول من الدورة السادسة للباروميتر العربي، التي تمَّ إجراؤها خلال الفترة الممتدة من يوليو/تموز إلى أكتوبر/تشرين الأول 2020، عن انكماش ثقة المواطنين في حكوماتهم التي فشلت في التعامل مع الجائحة، حيث بلغت نسب الذين لا يثقون بحكومتهم من ناحية تقديم الدعم الصحي 94 بالمائة في لبنان، 83 بالمائة في تونس، 54 بالمائة في الجزائر، 48 بالمائة في المغرب، و37 بالمائة في الأردن، فقد تسبَّب تعامل الحكومات العربية الهزيل مع الجائحة، التي لم تُفرِّق بين غني وفقير، بتأليب الرأي العام ضدّها.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

كما بيَّنت تلك الاستطلاعات مدى استياء وتذمُّر المواطنين من المستوى المتردّي للرعاية الصحية ببلادهم، فقد بلغت نسب الأشخاص غير الراضين عن أداء النظام الصحي الذي عجز عن مجابهة الجائحة 87 بالمائة في لبنان، 62 بالمائة في تونس و53 بالمائة في الجزائر. كما بلغت نسب الأشخاص الذين عبَّروا عن خيبة أملهم الكبيرة نتيجة إخفاق حكومتهم في الاستجابة لتفشّي فيروس كورونا 62 بالمائة في لبنان، 42 بالمائة في تونس، 35 بالمائة في الجزائر، 26 بالمائة في المغرب، و25 بالمائة في الأردن، وجدير بالذكر أنّ تلك الاستطلاعات أُجريت عبر الهاتف، لذلك من المرجّح أن ترتفع نسب الآراء السلبية حول أداء الحكومات العربية في التصدّي للجائحة إذا تمّ استطلاع آراء المزيد من الفئات المستضعفة والفقيرة خصوصاً تلك التي تعيش في المناطق المهمّشة حكومياً.
لا تدرك الحكومات العربية بعد أهمية الاستثمار في صحة المواطن الذي كان ولا يزال اللبنة الأساسية لانتقال العديد من الدول إلى مصاف الدول المتقدمة، حيث تشير بيانات البنك الدولي إلى أنّ الإنفاق الحكومي على الصحة، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، قُدِّر سنة 2018 بـ 8.35 بالمائة في لبنان، 7.79 بالمائة في الأردن، 7.29 بالمائة في تونس، 6.22 بالمائة في الجزائر، 6.05 بالمائة في ليبيا، 5.31 بالمائة في المغرب، 4.95 بالمائة في مصر، 4.88 بالمائة في اليمن، 4.11 بالمائة في العراق، و5.23 بالمائة في العالم العربي عموماً مقارنة بـ 16.42 بالمائة في أميركا الشمالية و12.46 بالمائة في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والمحزن في الأمر أنّ مبالغ الإنفاق العسكري في بعض الدول العربية تفوق بكثير مبالغ الإنفاق على الصحة. كما تشير بيانات البنك الدولي إلى نصيب الفرد العربي القليل من إنفاق بلاده على الصحة والذي بلغ سنة 2018، 60.17 دولارا في السودان، 73.18 دولارا في اليمن، 125.55 دولارا في مصر، 174.78 دولارا في المغرب، 239.41 دولارا في العراق، 251.55 دولارا في تونس، 255.87 دولارا في الجزائر، 309.88 دولارات في ليبيا، 678.23 دولارا في سلطنة عمان، 686.47 دولارا في لبنان، 994.18 دولارا في البحرين، 1484.59 دولارا في السعودية، 1711.22 دولارا في الكويت، 1716.27 دولارا في قطر، و1817.35 دولارا في الإمارات، مقارنة بـ9870.66 دولارا في سويسرا، 8239.10 دولارا في النرويج، 4994.90 دولارا في كندا، و3323.65 دولارا في إسرائيل. 

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وكطريقة حتمية لسدّ العجز الذي تُخلِّفه الحكومات العربية في تقديم الرعاية الصحية اللازمة، يلجأ المواطنون إلى الإنفاق من مالهم الخاص على تلقّيهم للخدمات الصحية وبلغ مقدار إنفاقهم، كنسبة من إجمالي الإنفاق الحكومي على الصحة، سنة 2018 وفقاً للبنك الدولي، 80.96 بالمائة في اليمن، 66.22 بالمائة في السودان، 62.26 بالمائة في مصر، 53.69 بالمائة في سورية، 51.35 بالمائة في العراق، 46.99 بالمائة في المغرب، 38.89 بالمائة في تونس، 36.67 بالمائة في ليبيا، 32.65 بالمائة في الجزائر، 30 بالمائة في البحرين، 14.37 بالمائة في السعودية، 12.7 بالمائة في الإمارات، 10.82 بالمائة في الكويت، 9.54 بالمائة في قطر، و5.99 بالمائة في سلطنة عمان، وينمّ ارتفاع هذه النسب عن تعمُّد الحكومات التنصُّل من مسؤوليتها وإفقار مواطنيها من خلال السماح للقطاع الخاص بأخذ ما في جيوبهم لحرمانهم من استثمارها في مجالات أخرى على رأسها التعليم. 
خلاصة القول إن الواقع المرير، الذي يفرضه كل من شحّ إنفاق الحكومات العربية على قطاع الصحة وقلة الاستثمارات الموجهة لتقديم خدمات صحية أفضل وتلبية الطلب المحلي، يؤجِّج شعور المواطن العربي بأنّه رخيص في بلده وأحياناً بلا ثمن. وبين الحكومة التي لا تنفق والقطاع الخاص الذي لا يرحم يبقى المواطن العربي البسيط ضحية الكوارث الصحية وفرصة سانحة لأثرياء ولصوص الأزمات.

المساهمون