الأعشاب الجبلية على موائد رمضان في سورية

06 ابريل 2023
ارتفاع الأسعار يحرم السوريين من اللحوم (Getty)
+ الخط -

بلغت أسعار اللحوم مستويات قياسية في الأسواق السورية حتى بات الحصول عليها أقرب إلى الحلم لدى الشريحة الكبرى من السوريين في مناطق سيطرة النظام.

ووصل سعر الفروج 2 كغ إلى 50 ألف ليرة سورية، ليعادل نصف راتب موظف في دوائر ومؤسسات النظام، فيما بلغ لحم العجل 55 ألف ليرة لكل 1 كغ، ولحم الغنم يزيد عن 65 ألفا (الدولار = نحو 7500 ليرة). نزحت أم موفق منذ سنوات مع ابنتيها من ريف إدلب إلى منطقة المقوس، شرقي مدينة السويداء، جنوب سورية، وتحدثت لـ"العربي الجديد"، عن معيشتها وكيف تقضي أيامها مع قدوم شهر رمضان، وأشارت إلى أنها تقطن في المنطقة المحاذية لحقول "ظهر الجبل"، حيث أشجار التفاح والكرمة، واصفة الأرض بالغنية بالحشائش والأعشاب الموسمية، مثل الهندباء والخبيزة، والخس البرّي، والرشاد، والكزبرة، والكرّاث، والزعتر البري، والحميض، وغيرها. وتلك أعشاب تبدأ عملية جنيها في شهر فبراير/ شباط من كل عام، وما أن يتم الانتهاء من موسمها حتى يبدأ موسم نبتتي الفطر والعكوب (السلبين)، وهما نبتتان تظهران في المناطق الحراجية غالباً.

تقول إم موفق: "نحن مع الكثير من العائلات نجد في هذا الموسم موردا معيشيا، حيث تراوح أسعار مبيع الحشائش بين 5000 ليرة سورية للكيلوغرام الواحد في بداية الموسم، و2000 ليرة سورية عند نهايته، بينما يحافظ الفطر والعكوب على سعر يراوح بين 15 و20 ألف ليرة وصولاً إلى 30 ألفا للكيلوغرام الواحد، حسب المنطقة والنوع نتيجة قلة وجوده وقصر موسمه.
وباتت الحشائش مادة رئيسية على الموائد نظراً لانخفاض ثمنها بالمقارنة مع الخضار، فيما بات العكوب والفطر بديلاً للحم نظراً لاحتوائهما على البروتين والدهون النباتية كمعوض عن اللحوم. وتختلف أنواع الخضار البرية بين المناطق السورية بحسب طبيعة التربة والمناخ، وباتت شريحة كبيرة تعتمد في جزء من معيشتها على إنتاج الطبيعة في هذا الموسم، فقبل سنوات الحرب لم تكن تأخذ هذه الأهمية التي تدفع المواطن للمغامرة والخطر من أجل الحصول على هذه النباتات، أما اليوم فتُزهق الأرواح في مناطق الشمال الشرقي السوري في سبيل جمع "الكماء"، ويضطر بعض العاملين في جمع هذه النباتات لحمل السلاح في رحلات عملهم اليومية في مناطق جبل الشيخ والقنيطرة وحوران.

يُذكر أن مجازر مروعة ارتكبت بحق جامعي الكمأة هذا الموسم من قبل جهات مجهولة حتى الآن.

أم مصعب، سيدة خمسينية من بلدة "عاسم" التابعة لمحافظة درعا، تقول لـ"العربي الجديد": "قبل سنوات الحرب كنّا نخرج باكراً وفوداً من النساء باتجاه الأراضي الوعرة المحاذية لبلدات داما وجرين ولبين، التي تتبع لمحافظة السويداء، حيث كنا نلتقي ونتعارف ونجلس مع نساء تلك القرى في السهول، وكانت غايتنا جمع بعض الفطر البري والعكوب بما يعادل وجبة غداء للعائلة ليوم واحد ليس أكثر، وكان ذلك على سبيل التسلية أكثر من كونه للحصول على وجبة غداء".

وأضافت: كان جلَّ خوفنا من لدغة حشرة أو عقرب، وفيما ندر كنا نشاهد الرجال في البراري، أما اليوم فعُدنا إلى هذه الأراضي بعد سنوات من الخوف وأصبحت غايتنا جميعاً التجارة والتنافس على جني المحصول وبيعه، فلم يعد "التسليق"، أي جمع الحشائش والعشبيات الجبلية، نوع من الرحلات الترفيهية والمتعة، بل هو عمل يومي شاق وخطر أحياناً على الرغم من عدم تعرّض أي منّا لأي مضايقات.
يطلق على جامعي النباتات البرية في معظم المناطق السورية لقب "السلّيقة أو السلّاقة"، وتعتبر المناطق الجبلية والوعرة، مثل جبال الزاوية والعلويين والعرب والمجاورة لهضبة الجولان وجبل الشيخ من أكثر الأماكن الغنية بالنباتات البرية القابلة للأكل نيئة أو مطبوخة، وباتت هذه النباتات تشكل موردا معيشيا موسميا للعديد من الأسر الريفية وتنتشر بشكل واسع على عربات الباعة المتجولين وفي أسواق الخضار.
محمد صوان، الذي يعمل في صيانة الأجهزة الإلكترونية في مدينة درعا، يقول لـ"العربي الجديد"، إن عددا من بائعي الخضر البرية يمرون يومياً من أمام محله، في ظاهرة لم يعهدها قبل سنوات الحرب، وغالباً ما يتسوق معظم أصحاب المحلات التجارية كميات من هذه الخضار وخاصة في شهر رمضان، ويضيف: لقد استبدلنا على سفرة الإفطار الكثير من المقبلات كالفتوش والتبولة والمقالي والمتبلات بأطعمة وأسماء تداولتها الأجيال عن الأهل والأجداد، مثل العصورة بالخبيزة أو الدردار وسلطة الخس البري أو الهندباء أو فطائر العكوب، وغيرها.

مجازر مروعة ارتكبت بحق جامعي الكمأة هذا الموسم من قبل جهات مجهولة حتى الآن

 

وبات الفطر البري والعكوب مادة منافسة للحوم على موائد رمضان لأنها تشكل معوضا غذائيا مقبولا، بعدما كانت موائدنا لا تخلو من اللحوم.
عموماً، باتت النباتات الموسمية مصدر رزق لبعض الأسر الريفية ومصدر توفير لأهالي المدينة، وفي الوقت نفسه تخلق سوقا موسميا منافسا للزراعات الفصلية، كما أشار الشاب خالد أبو مرة، البائع المتجول في أحياء مدينة السويداء، وأضاف أنه في هذا الموسم تزداد المبيعات من الخضار البرية على حساب الأنواع الغالية نسبياً من الخضار الزراعية، كالخس العربي والإفرنجي والملفوف والسبانخ والسلق وحتى الخيار والبندورة، وتجد الناس فرصة للتوفير في هذه الظروف الصعبة وتزداد الأرباح نسبياً بالأخص في شهر رمضان.

ويقول لـ"العربي الجديد"، إنه مع زملائه ينتظرون في الصباح الباكر سيارات الخضار القادمة من الأرياف، ويتسابقون على انتقاء بعضها، وغالبا ما يختلف سعر الكيلوغرام حسب الجودة، ويضيف: "نشتري كيلوغرام الفطر بما بين عشرين و30 ألف ليرة سورية، والعكوب بما بين 15 و20 ألفا، وأرباحنا حوالي 5 آلاف بالكيلوغرام الواحد". إحدى البائعات، التي طلبت عدم الكشف عن اسمها، قالت: "في الموسمين السابقين كنت أبيع محصولي للتجار وأعود إلى منزلي لليوم التالي. أما هذا الموسم فقد قررت أن أبيعه بنفسي فوجدت الأرباح مضاعفة ولا أخجل بجلوسي على الرصيف لساعات طالما أنني أُنتج من تعبي ولا أمد يدي للغير".

المساهمون