الأسواق غير واثقة من توجهات البنك المركزي الأميركي

14 يونيو 2024
متداولون في بورصة وول ستريت، نيويورك 12 يونيو 2024 (مايكل سانتياغو/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- قرار البنك المركزي الأميركي بتثبيت أسعار الفائدة أثر على أسواق المال، مما أدى إلى تراجع أسعار الذهب واستمرار ارتفاع مؤشرات الأسهم في وول ستريت، في إطار محاولات مواجهة التضخم.
- التوقعات الاقتصادية المحدثة تنبأت بخفض تكاليف الاقتراض مرة واحدة في 2024، مع توقعات بارتفاع البطالة والتضخم، وتقليص عدد مرات خفض أسعار الفائدة المتوقعة.
- العلاقة العكسية بين الذهب وأسعار الفائدة تظهر بوضوح، مع استمرار الارتباك في الأسواق بسبب التوقعات المتغيرة لخفض أسعار الفائدة والتركيز على مواصلة معركة التضخم مع الحفاظ على النمو الاقتصادي.

سيطر الغموض على تعاملات أسواق المال العالمية أمس الخميس، عقب قرار البنك المركزي الأميركي تثبيت سعر الفائدة على الدولار، حيث تراجع الذهب في مؤشرات بلومبيرغ، بينما واصلت مؤشرات الأسهم في وول ستريت الارتفاع. ويعتبر قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي تثبيت أسعار الفائدة هو الثامن من نوعه منذ بدء دورة التشديد الحالية في مارس 2022، والتي رفعت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة خلالها تكاليف الاقتراض بمقدار 525 نقطة أساس، لمواجهة التضخم.

وكان مسؤولو البنك المركزي الأميركي (مجلس الاحتياطي الفيدرالي) قد تراجعوا عن توقعاتهم لتخفيضات أسعار الفائدة أكثر من مرة هذا العام، وقصروا الخفض على مرة واحدة فقط وفق بيان صادر عن المجلس بعد اجتماع دام يومي الثلاثاء والأربعاء، بدل أن تكون مرتين أو ثلاث مرات. ورغم ذلك، أبقى رئيس البنك الفيدرالي جيروم باول الباب مفتوحًا أمام كل الاحتمالات، وإن كان أغلبها يميل إلى التحفظ. وقال باول إن الاقتصاد الأميركي أحرز تقدمًا نحو تحقيق هدفي البنك المركزي المتمثلين في خفض التضخم إلى 2% وتعظيم فرص العمل.

وتشير تصريحات رئيس البنك المركزي الأميركي باول إلى أن البنك لا يزال يتخوف من التضخم ويأمل تراجع معدله إلى نسبة 2% المستهدفة من دون حدوث نكسة في مؤشرات التضخم أو النمو الاقتصادي. ووفق تقرير لوكالة بلومبيرغ، أظهرت التوقعات الاقتصادية المحدثة لصانعي السياسات، والتي نُشرت بعد اجتماع استمر يومي الثلاثاء والأربعاء في واشنطن، أنهم يتوقعون خفض تكاليف الاقتراض مرة واحدة فقط في عام 2024 بدلاً من التخفيضات الثلاثة المتوقعة سابقًا. وأظهرت الرؤية الاقتصادية المستقبلية التي أصدرها الفيدرالي بعد اجتماع الأربعاء رفع أعضاء البنك المركزي توقعاتهم بشأن البطالة والتضخم، بينما قلصوا عدد مرات خفض أسعار الفائدة المتوقعة.

وأظهر التقرير الفصلي توقع أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة نموًا بنسبة 2.1% في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال العام الجاري، على أن يتراجع ليصل إلى 2% نهاية عامي 2025 و2026، وذلك من دون تغيير عن توقعات شهر مارس. وتتوقع اللجنة حاليًا خمس مرات خفض إجمالية تعادل 125 نقطة أساس حتى نهاية عام 2025، بانخفاض عن ست مرات عقب اجتماع مارس، منها مرة خلال العام الجاري (بدلًا من ثلاث مرات في السابق)، ليصبح متوسط الفائدة 5.1% نهاية العام الجاري، و4.1% عام 2025، وتستقر على المدى الطويل عند 2.8%.

وأدى قرار البنك المركزي الأميركي تثبيت الفائدة الأميركية إلى تراجع أسعار الذهب في السوق الآجلة أمس بنحو 23 دولاراً للأوقية "الأونصة"، إذ تراجعت إلى 2331.8 دولاراً لعقود أغسطس/آب، بينما تراجعت بنحو 11 دولاراً في صفقات السوق الفورية إلى 2313.3 دولاراً. ويستفيد المعدن الأصفر من أسعار الفائدة المنخفضة. وتاريخياً، ارتفع الذهب في فترات تخفيض أسعار الفائدة على مدى العقدين الماضيين، وحقق الذهب باستمرار عوائد إيجابية خلال فترات تخفيض الفائدة. وعادة ما تكون للذهب علاقة عكسية مع الفائدة، إذ إنه لا يدر عائداً، ولكن عادة ما يرتفع سعره عندما تنخفض أسعار الفائدة، وينخفض عندما ترتفع الأسعار.

وكانت أسعار الذهب ارتفعت يوم الأربعاء بعد تقرير التضخم الذي جاء أقل من المتوقع في الولايات المتحدة، ما زاد من احتمالات قيام البنك المركزي الأميركي بخفض سعر الفائدة في وقت لاحق من العام. ومع ذلك، فإن الموقف المتشدد لمجلس الاحتياط وفشل رئيس البنك جيروم باول في تقديم جدول زمني لخفض أسعار الفائدة عزز الدولار. وقال رئيس الفيدرالي، باول، يوم الأربعاء، إنهم أقل ثقة بشأن التضخم مما كانوا عليه في السابق "من أجل خفض الفائدة". وأضاف: "إذا ضعفت الوظائف بشكل غير متوقع، فإن الفيدرالي مستعد للرد". وعندما سُئل عن تقرير التضخم الأميركي لهذا اليوم، ذكر أنه مجرد تقرير واحد وشدد على الحاجة إلى رؤية عملية الانكماش تتطور نحو هدف بنك الاحتياط المقدر بـ2%. ويسعى مصرف الاحتياط الفدرالي إلى إحداث توازن بين النمو الاقتصادي ومعدل الفائدة الأميركية، وهي معادلة صعبة في الوقت الراهن بسبب تعقيد الوضع الاقتصادي العالمي وتعدد العوامل التي تؤثر في مسار التضخم.

ووفق تقرير أمس الخميس في صحيفة مورنينغ ستار الأميركية، لا يزال الارتباك يسيطر على المستثمرين في أسواق المال الأميركية حول تخفيضات أسعار الفائدة التي طال انتظارها، بعد أن فاجأت بيانات سوق الوظائف التي جاءت أكثر من المتوقع، وأدت إلى ارتفاع عوائد سندات الخزانة يوم الجمعة وقلصت أسواق العقود الآجلة للسندات توقعاتها لتخفيف السياسة. وبينما أظهر التقرير تسارعًا في التوظيف، كان القلق هو أن القوة المفرطة في سوق العمل، إلى جانب التضخم العنيد، يمكن أن يبقيا البنك المركزي في حالة تأهب لفترة أطول من دون إحداث تغيير في سعر الفائدة. ويرى متداولو السندات الآن فرصة متساوية تقريبًا لبقاء أسعار الفائدة ثابتة أو أن يخفض الفيدرالي سعر الفائدة على الأموال للمرة الأولى في هذه الدورة في اجتماعه المقبل في سبتمبر/أيلول. وربط المتداولون، قبل قرار الفيدرالي، احتمالات التخفيض في سبتمبر/ أيلول بنسبة 55% مقابل احتمال 33% أن يظل ثابتًا.

ويقول تحليل في صحيفة مورنينغ ستار الأميركية إنه على الرغم من القلق بشأن تأثير ما يسمى بسياسة "الارتفاع لفترة أطول" على الاقتصاد والأسهم، فإن المستثمرين لديهم سبب للتفاؤل، وفي الواقع، قد يؤدي السيناريو الحالي إلى دفع السوق الصاعدة القوية، التي شهدت ارتفاع الأسهم بنسبة 12% تقريبًا منذ بداية العام، إلى المزيد من المكاسب في النصف الثاني من العام الجاري.
ويرى محللون أن التضحية بتراجع ضئيل في النمو الاقتصادي أو ما يسمى بـ"الهبوط الناعم" ليس بالأمر السيئ، في الوقت الذي يواصل فيه الفيدرالي معركة التضخم عبر الإبقاء على الفائدة المرتفعة.

في هذا الصدد، يتوقع أنتوني ساجليمبيني، كبير استراتيجيي السوق في شركة Ameriprise Financial الأميركية، أن يواصل الفيدرالي معركة مكافحة التضخم ما دام الاقتصاد صامداً والغلاء مرتفعاً، ولن يكون مسؤولو المركزي الأميركي مستعدين للبدء في خفض أسعار الفائدة حتى يعود التضخم إلى هدف 2% . لكن وفق خبراء، فإن تباطؤ النمو، على المدى القصير، يمكن أن يضغط على أرباح الشركات ويسبب بعض خيبة الأمل في الأرباح، وربما يسبب ذلك عثرة مؤقته لأسواق الأسهم. وقد توصل إد كليسولد، كبير الاستراتيجيين في مركز نيد ديفيس للأبحاث، إلى نتيجة مماثلة. وكتب في مذكرة أمس الخميس، للعملاء، وفق "مورنينغ ستار": "النمو المعتدل، ولكن الإيجابي، سيكون أفضل سيناريو للأسهم"، مضيفًا أن التباطؤ البسيط من شأنه أن يفضل الشركات الكبيرة بدلاً من الشركات الصغيرة، التي تميل إلى التفوق في الأداء عندما يتسارع النمو. وينبغي أيضاً أن يفضل النمو على القيمة، لأن أسهم النمو لا تعتمد عموماً على اقتصاد قوي.

المساهمون