الأسواق العربية قلقة من تداعيات الضربة الإيرانية

15 ابريل 2024
إحدى أسواق العراق في نوفمبر 2022 (محمد أحمد/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- التوتر الجيوسياسي في المنطقة العربية تصاعد بسبب الضربة الإيرانية لإسرائيل، مما أثر على قطاع الطيران والبورصات الخليجية بسبب إغلاق الأجواء وتحويل مسار الرحلات الجوية.
- مصر شكلت "خلية أزمة" ونجت الأسواق المصرية من تداعيات الضربات بفضل الإجازات الطويلة، مما ساعد على استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية.
- العراق، تونس، والجزائر تأثرت بشكل مختلف بالتوترات؛ العراق يخشى من تشديد العقوبات الأمريكية، تونس تواجه ضغوطًا بسبب ارتفاع أسعار النفط، والجزائر تترقب ارتفاع أسعار النفط وفاتورة واردات الغذاء.

عادت المخاطر وحالة القلق لتحدق بالأسواق العربية مع تصاعد التوتر الجيوسياسي في المنطقة العربية بسبب الضربة الإيرانية لإسرائيل وتداعياتها على بعض القطاعات الاقتصادية، واحتمال توسيع رقعة المواجهة وتحولها إلى حرب إقليمية.

وكان قطاع الطيران الأسرع تأثراً بالصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية التي أطلقت على إسرائيل مساء أول من أمس السبت، إذ جرى إغلاق أجواء عدد من الدول، فضلاً عن وقف عشرات الرحلات. كما تأثرت البورصات العربية، ولا سيما الخليجية وسط مخاوف من أن تطاول شظايا تصعيد الصراع الإيراني الإسرائيلي قطاعات اقتصادية أخرى.

وأبدت مصادر عربية مخاوف من أن تمتد تأثيرات المخاطر الجيوسياسية الحالية إلى قناة السويس، أهم ممر ملاحي في العالم، وكذا إلى حركة السياحة في مصر والأردن ولبنان. 

ارتباك حركة الطيران 

عقب إطلاق طهران طائراتها المسيّرة وصواريخها صوب الاحتلال الإسرائيلي مساء أول من أمس حتى ساعات مبكرة من صباح أمس الأحد، أعلنت شركات طيران كبرى في أنحاء الشرق الأوسط إلغاء بعض رحلاتها، في حين اضطرت إلى تغيير مسار بعض الرحلات بعد إطلاق إيران. وأغلقت إيران مطاراتها الرئيسية تحسباً لأي مخاطر.

وفي المقابل، أعاد الأردن والعراق ولبنان فتح المجالات الجوية أمام حركة الطيران بعد إغلاقه مدة قبيل الضربة الإيرانية لإسرائيل رداً على قصف قنصليتها في العاصمة السورية دمشق أوائل شهر إبريل/نيسان الجاري. وفي أعقاب الهجوم الإيراني، أغلقت دول عربية عدة، المجالات الجوية مؤقتاً.

وعقب توجيه الضربة الإيرانية عملت العديد من شركات الطيران على إلغاء رحلات وتحويل مسار أخرى بعد الهجوم الذي شنّته إيران بعشرات الطائرات المسيّرة والصواريخ على إسرائيل الليلة الماضية، والإغلاق المؤقت لعدد من المجالات الجوية في المنطقة، وفق رويترز. وألغت طيران الإمارات بعض رحلاتها، في حين ألغت الاتحاد للطيران رحلاتها إلى تل أبيب وعمّان، أمس الأحد.

وقال التلفزيون الأردني، أمس، نقلاً عن سلطات الطيران، إنّ الأردن أعاد فتح مجاله الجوي بعد إغلاقه في وقت متأخر من مساء أمس السبت، قبيل إطلاق إيران هجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ على إسرائيل. كما أعاد العراق ولبنان فتح مجاليهما الجويين أمام حركة الطيران بعد إغلاقهما ساعات على خلفية الرد الإيراني. 

وفي الدوحة أعلنت الخطوط الجوية القطرية الأحد استئناف رحلاتها إلى ثلاث دول عربية في أعقاب فتح الأجواء بعد الإغلاق المؤقت بسبب تصاعد المخاطر الجيوسياسية في المنطقة. وقالت القطرية، إنه تم استئناف الرحلات إلى عمان وبيروت وبغداد، وفق تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي "إكس"، الأحد.

وفي إيران، ذكرت وكالة مهر شبه الرسمية للأنباء، أمس الأحد، أن مطار مهر أباد في طهران ومطارات أخرى في عدة مدن إيرانية ألغت الرحلات الداخلية حتى صباح اليوم الاثنين بسبب التوتر في الشرق الأوسط. 

وقالت الخطوط الجوية النمساوية، أمس الأحد، إنها علقت كل رحلاتها المتجهة إلى تل أبيب وأربيل وعمّان بأثر فوري، بسبب تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل. وأضافت أن تعليق الرحلات مستمر حتى يوم 15 إبريل/ نيسان. وأعلنت الخطوط النمساوية بالفعل أنها علقت كل الرحلات إلى طهران حتى 18 إبريل/نيسان.

ويأتي الهجوم الإيراني رداً على تعرض القسم القنصلي في السفارة الإيرانية في دمشق، مطلع إبريل/نيسان الجاري، لهجوم صاروخي إسرائيلي أسفر عن مقتل سبعة من الحرس الثوري الإيراني، بينهم الجنرال البارز محمد رضا زاهدي. 

تأثر البورصات الخليجية 

طاولت شظايا الضربة الإيرانية البورصات الخليجية التي شهدت تراجعاً جماعياً صباح أمس الأحد قبل أن ترتد المؤشرات إلى التحسن عند إغلاقها. وتراجع المؤشر الرئيسي للبورصة السعودية صباح أمس بنحو 1.8%، كما انخفض مؤشر بورصة قطر بنحو 1.3% بداية تعاملات أمس، بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل. وانخفض مؤشر بورصة الكويت الرئيسي بنحو 0.92% بداية تعاملات أمس، وتراجعت بورصة مسقط بنحو 0.14%.، وفي مصر تغلق البورصة المصرية أبوابها بسبب موسم الأعياد. 

خلية أزمة في مصر 

في مصر أذاع التلفزيون الحكومي بياناً أعلن فيه تشكيل "خلية أزمة" تضم جميع الأجهزة والمؤسسات المعنية بالدولة لتتابع من كثب تطورات الأوضاع في المنطقة، ورفع تقاريرها على مدار الساعة للرئاسة، التي تكثف اتصالاتها بين كل الأطراف لتوقف التصعيد العسكري والسعي نحو التهدئة.

ونجت الأسواق المصرية من أثر الضربات الجوية الإيرانية على إسرائيل، إلّا قليلاً من الخسائر المحدودة على حركة الطيران الدولية بسبب موسم الإجازات الطويلة لعيد الفطر وشم النسيم التي تزيد على الأسبوع.

جاءت الضربات الإيرانية بالصواريخ والطائرات المسيّرة، على الأراضي المحتلة، في وقت إجازة طويلة حصلت عليها المؤسسات المالية والحكومية في مصر، وعلى رأسها البورصة والبنوك، استمرت ستة أيام تنتهي صباح اليوم الاثنين، يعقبها إجازة أخرى بمناسبة شم النسيم، لتبعد أسواق المال عن أية تداعيات تذكر جراء التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، ولتظل أسعار العملات والأسهم على الأوضاع السائدة، منذ أسبوع.

وقال نائب رئيس غرفة شركات السياحة، مجدي صادق لـ"العربي الجديد" إن أثر الضربات الإيرانية على صناعة الطيران والسياحة، جاء محدوداً جداً، إذ جاء الرد الانتقامي من إيران تجاه إسرائيل وفق سيناريو متوقع، سبَّب قلقاً في حركة الطيران الدولية المتجهة إلى بعض دول المنطقة، إلى أن انتهت عمليات القصف الإيراني. وأشار إلى عودة حركة الطيران والسفر إلى معدلاتها الطبيعة من فور انتهاء الضربات، مع تأكيد ممثل إيران في الأمم المتحدة، أن الرد الانتقامي لقصف إسرائيل مقر السفارة الإيرانية بدمشق، قد انتهى، ما أعاد الثقة في انتهاء أجواء حرب إقليمية في المنطقة.

أوضح صادق أن الضربات لم تتعدَّ استعراض قوة بين الطرفين، وجاءت بعد انتهاء فترة الرواج السياحي في ما يتعلق بمصر المواكبة باحتفالات المسيحيين الكاثوليك بأعياد "شم النسيم"، والتي تشهد عادة زيادة في حركة السفر إلى مصر.
واكتفى مجلس الوزراء بإصدار بيان أعلن نفيه إغلاق المجال الجوي المصري إغلاقاً طارئاً، عقب إطلاق الصواريخ الإيرانية التي سقط بها على صحراء النقب القريبة من شبه جزيرة سيناء، مساء أمس الأول. 

العقوبات وأسواق العراق 

وفي العراق سجلت الأسواق ركوداً بسيطاً، عموماً إثر الهجوم الإيراني على إسرائيل، وسط توقعات بأن تترتب على ذلك إجراءات مشددة من البنك الفيدرالي الأميركي على النظام المصرفي للبلاد. وقال عضو غرفة التجارة العراقية، عبد الله اللامي، إن "السوق العراقية شهدت ركوداً واضحاً، وسط مخاوف من تأثيرات الهجوم على العراق اقتصادياً"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "هناك مخاوف من تشديد العقوبات الأميركية على إيران، وما لذلك من تأثير على البضاعة التي يستوردها العراق منها".

وبحسب اللامي فإنّ "العراق يعتمد كثيراً على إيران في استيراد أنواع البضائع، وأن أي منع أو تحجيم جديد من خلال العقوبات أو بسبب التوتر عموماً بين إيران والغرب ستكون له آثار كبيرة على العراق، ولا شك أن ذلك سينعكس على السوق العراقية وعلى الأسعار".

وتغزو البضائع الإيرانية السوق العراقية في عموم محافظات العراق، ويحتل العراق صدارة الدول المستوردة للبضائع من إيران، فقد كشفت تقارير صحافية إيرانية في العام الماضي 2023 أن جهات التصدير الرئيسية للسلع الإيرانية غير النفطية سنوياً، تتمثل في العراق بـ 8.9 مليارات دولار.

ومن جانبه حذر الباحث في الشأن السياسي، زياد الهاشمي، من إجراءات مشددة للفيدرالي الأميركي ضد النظام المصرفي العراقي بسبب الهجوم الإيراني، وقال في بيان "بعد مسيّرات إيران وصواريخها باتجاه الكيان والتي تزامنت مع زيارته إلى واشنطن، هل لا يزال رئيس وزراء العراق ومحافظ بنكه المركزي يتوقعان أن ترفع الولايات المتحدة عقوباتها عن المصارف العراقية المعاقبة التي كانت تساعد في تمويل الاقتصاد الإيراني" مؤكداً في بيان أن "مسيّرات إيران أحرجت حليفها العراقي وعَقّدَت من مهامه في واشنطن ولم تحقق النتائج الميدانية المنتظرة والتي كان يتوقع الكثير أنّها ستشكل رداً حقيقياً وحاسماً على اعتداءات الكيان!". 

أسعار الطاقة في تونس 

وفي تونس تعاود المخاطر المحيطة بموازنة البلاد الصعود مجدداً مع تصاعد التوتر الجيوسياسي في المنطقة العربية وتأثيراته المرتقبة على سوق النفط في العالم بعد أن شهدت أسعار الطاقة استقراراً خلال الأشهر الماضية. وتونس، البلد الذي لا تتعدى استقلاليته الطاقية 42 في المائة، شديدة التأثر بارتفاع أسعار النفط العالمية التي تنعكس مباشرة على موازنة البلاد واحتياطي النقد الأجنبي وسعر الدينار.

ويقول أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا الشكندالي إن تواصل الصدام المباشر بين إيران وإسرائيل قد يجر المنطقة إلى حرب، وهو ما ستكون له ارتدادات واسعة النطاق على اقتصاديات الدول خارج منطقة الشرق الأوسط لتشمل تونس التي ستتأثر بالقفزات المتوقعة حينها في أسعار الطاقة والغذاء. وأكد الشكندالي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن مجرّد توقع الرد الإيراني على إسرائيل خلال المدة الماضية أدى إلى ارتفاع سعر النفط عالمياً، الأمر الذي فاقم العجز الطاقي لتونس بنسبة 4 في المائة وفق أحدث المؤشرات.

وتابع: "التهديدات الإيرانية تتجسم في شكل ارتدادات قاسية على الدول الموردة للنفط ومن بينها تونس التي قد تواجه ضغوطاً جديدة على المالية العمومية وتوسعاً في العجز التجاري إلى جانب مخاطر تراجع قيمة الدينار". وعانت تونس ارتفاع معدلات التضخم لمدة عامين (10 في المائة في المتوسط سنوياً)، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية في بعض الأحيان 3 أضعاف، مما أدى إلى تراجع أوضاع الطبقات العاملة والوسطى. 

عين الجزائر على الحبوب 

وفي الجزائر تتابع الحكومة الارتدادات على اقتصادها جراء الرد الإيراني على إسرائيل، وسط ترقب ارتفاع أسعار النفط وتخوف من ارتفاع فاتورة واردات الغذاء بالأخص الحبوب.

حذر الباحث في الشأن السياسي، زياد الهاشمي، من إجراءات مشددة للفيدرالي الأميركي ضد النظام المصرفي العراقي بسبب الهجوم الإيراني

وفي السياق أكد المستشار الحكومي والخبير المالي عبد الرحمان مبتول أن "دخول إيران على خط الأزمة في الشرق الأوسط، سيؤثر على أسعار النفط كون أن طهران تعد من الدول المنتجة للغاز والنفط بمعدل 3.5 ملايين برميل يومياً، إذ سبق لتهديدات إيران أن قفزت بأسعار النفط فوق عتبة 90 دولاراً قبل أيام، والجزائر كونها دولية "ريعية – نفطية" تترقب ارتدادات هذه الخطوة على أسعار النفط والغاز التي تشكل 93 في المائة من عائدات البلاد".

وفي المقابل، تتزايد المخاوف في الجزائر أن يتكرر مجدداً سيناريو الحرب الروسية - الأوكرانية وما صاحبها وتبعها من ارتفاع لأسعار الحبوب، وتضاعف الضغط على الأسواق العالمية، خاصة أن الجزائر عاشت منذ صيف 2023، ندرة في الحبوب ولا سيما البقوليات، ما دفع بالحكومة إلى مسابقة الزمن لتوفير الحبوب، وطرح مناقصات، رفعت فاتورة الحبوب.

وفي السياق، أكد مصدر في وزارة الفلاحة الجزائرية لـ "العربي الجديد" أن "الحكومة وضعت منذ بداية الأزمة في الشرق الأوسط، برنامجاً لتوفير الحبوب لمواجهة ارتفاع الطلب الداخلي، وتفادي أي ضغطٍ في الأسواق الدولية، في حال تعقد المشهد الجيوسياسي في المنطقة، وذلك بطرح مناقصات جديدة، تسليم السداسي الأول من السنة الحالية، تُضاف إلى الإنتاج المحلي، الذي ينتظر أن يتحسن هذه السنة بسبب مستويات الأمطار المتساقطة طيلة موسم الحرث والزرع". 

وأضاف المصدر لـ "العربي الجديد" أنّ "الأسواق العالمية للحبوب تتأثر بالتطورات الإقليمية، نحن نراقب الأسواق، وطلبنا من ديوان الحبوب اتخاذ التدابير اللازمة لشراء الحبوب بأقل الأسعار عبر تنويع الممونين". وتعتبر الجزائر من أكبر الدول استيراداً للقمح في العالم، وتعد فرنسا ممونها الأول بمعدل مليارين إلى ثلاثة مليارات دولار سنوياً، تليها أوكرانيا وروسيا، فضلاً عن الأرجنتين وكندا.

المساهمون