متجاوزاً أشد التوقعات تفاؤلاً، ومتجاهلاً متحورات الفيروس التي ارتفعت بحالات الإصابة في بعض الأيام لمستويات قياسية لم يشهدها عام الجائحة، ثم تَوَجُّه بنك الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي) لرفع معدلات الفائدة الأميركية، أنهى مؤشر إس آند بي 500 عام 2021 على ارتفاع بنسبة 27.23% مقارنةً بقيمته عند بداية العام، ومسجلاً واحداً من أفضل أعوامه منذ إطلاقه لأول مرة في عام 1923 بعدد محدود من الأسهم، قبل أن يتم تطويره ليشمل 500 سهم في عام 1957.
ومع إنهاء عائد سندات الخزانة الأميركية لمدة عشر سنوات العامَ فوق مستوى 1.5%، بعدما كان 0.93% في أول يوم عمل فيه، أضاف المؤشر، الذي تعد المقارنة به المعيار الأهم لأداء أغلب مديري الاستثمار حول العالم، خلال العام أكثرَ من ربع قيمتِه، وصولاً إلى مستوى 4766 نقطة، رغم أن أشد المتفائلين من بين اثنين وعشرين محللاً استطلعت قناة سي أن بي سي الإخبارية آراءهم عند بداية العام توقع وصوله إلى 4400 نقطة فقط، بينما كان متوسط توقعاتهم لا يتجاوز 4074 نقطة.
وفي تعاملات يوم الجمعة الماضي، آخر أيام العام، خسر مؤشر إس آند بي 0.26% من قيمته، وتراجع مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 0.16%، بينما بلغت خسائر مؤشر ناسداك أكثر من 0.60%.
ومع ذلك، حققت المؤشرات الثلاثة أرباحاً في آخر شهور العام، الذي كان خامس شهر على التوالي لمؤشر داو جونز الصناعي، والسادس على التوالي لمؤشر ناسداك، في تحقيق الأرباح.
وأرجع العديد من المحللين ارتفاعات أسعار الأسهم الأميركية إلى تريليونات الدولارات التي ضخها البنك الفيدرالي في الأسواق لمنع وقوع أزمة مالية كبرى، على غرار ما حدث في 2008 - 2009، بعد وصول الفيروس وانتشاره في الأراضي الأميركية خلال الربع الأول من العام الماضي، واعتبروا أن السياسات النقدية والمالية التكيفية التي اتبعها البنك الفيدرالي والإدارة الأميركية بصفة عامة هي التي سببت ارتفاعات أسعار الأسهم لهذه المستويات القياسية، بالإضافة إلى ارتفاع أرباح الشركات خلال الفترة الأخيرة.
وقدر موقع فاكت ست Factset، المتخصص في توفير البيانات المالية المتكاملة وبرامج الحاسب الآلي، معدل نمو أرباح الشركات الأميركية في عام 2021 في المتوسط أكثر من 45%.
الخلاصة أنه في عام 2021، ورغم كل المشكلات، قفزت أرباح الشركات، وخُلقت الوظائف، ونما الاقتصاد بأعلى معدل في عقود، فجاءت أرباح الأسهم فوق خيال المستثمرين، وسجل مؤشر إس آند بي 70 إغلاقاً قياسياً في 252 يوم عمل، بواقع إغلاق قياسي كل 3-4 أيام، ليشهد العام المنتهي ثاني أكبر عدد من الإغلاقات القياسية للمؤشر، حيث لم يتفوق عليه إلا عام 1995 الذي شهد 77 إغلاقاً قياسياً، وارتفع خلاله المؤشر أكثر من 34%.
لكن مع نهاية العام، تراجع مؤشر معنويات المستهلكين بنسبة 13% ليسجل 70.6 نقطة، في أقل مستوى له في نهاية عام منذ عام 2008، الذي شهد ذروة الأزمة المالية الكبرى واستمرت بعده خسائر وانهيارات المؤسسات المالية والشركات، وخسر مؤشر إس آند بي فيه 38% من قيمته.
أرجع العديد من المحللين ارتفاعات أسعار الأسهم الأميركية إلى تريليونات الدولارات التي ضخها البنك الفيدرالي في الأسواق لمنع وقوع أزمة مالية كبرى، على غرار ما حدث في 2008 - 2009
وبعد سنواتٍ ثلاث متتالية من ارتفاع أسعار الأسهم بنسب تتجاوز 10% في كل منها، يدرك المستثمر الأميركي أن دوام الحال من المحال، وأن الواقعية تتطلب توقع تراجع مؤشرات الأسهم الرئيسية بعض الشيء في العام الجديد.
ولم يتسبب في تراجع المعنويات الخوفُ من الموجات التصحيحية بعد ماراثون الانتعاش الطويل فقط، وإنما كان التأثير الأكبر ناتجاً عن استمرار وجود فيروس كورونا، وتسببه في المزيد من الإصابات وحالات الوفاة المرتبطة به، لفترة تجاوزت أغلب التوقعات.
ومع توليفة خاسرة من التردد في الحصول على اللقاح، وظهور تحورات جديدة للفيروس، أنهى الأميركيون العام بمستوى قياسي من الإصابات اليومية، ليصل متوسط الأيام السبعة الأخيرة بنهاية الأسبوع الماضي إلى أكثر من 277 ألفا، وتتراجع احتمالات اختفاء متحور "أوميكرون" قريباً كما كنا نتمنى جميعاً.
ومع وصول التضخم المرتفع إلى كل مواطن أميركي بصورة أو بأخرى، جاء في تقرير صادر عن جامعة ميشيغان أن ربع من تم استطلاع آرائهم أكدوا انخفاض مستوى معيشتهم بشكل واضح بسبب ارتفاع معدل التضخم، إلا أن البنك الفيدرالي في واشنطن ما زال متردداً في مواجهة قفزاته غير المعتادة، ولم يتفق محافظوه إلا على ضرورة تنحية كلمة "مؤقت" من وصفه، في إشارة إلى توجههم نحو الإسراع برفع معدلات الفائدة في المستقبل القريب، وهو ما يمثل تهديداً إضافياً لأسعار أسهم الشركات الأميركية، وتحديداً شركات التكنولوجيا.
ورغم كل تلك التهديدات، تتحصن الأسهم الأميركية بالعديد من نقاط الدفاع. فمن ناحية، ما زالت السوق الأميركية هي الأكثر جذباً للمستثمرين من كافة بقاع الأرض، ومن ناحية أخرى، تتوفر لدى الشركات الأميركية كميات غير مسبوقة من الفوائض النقدية تسمح لأغلبها بالتدخل في الأسواق وشراء أسهمها، في ما يعرف باسم "أسهم الخزينة"، عند انخفاض أسعارها بصورة كبيرة.
وعلى الجانب الآخر، ورغم دفعهم الدائم بعدم الاهتمام بسوق الأسهم، ما زالت في جعبة الديمقراطيين مليارات الدولارات المخصصة لمشروعات البنية التحتية التكنولوجية وللمساعدات الموجهة للأسر الأميركية، ما يسمح باستمرار موجة الانتعاش في أسعار الأسهم، ويوفر لها الحماية من الانتكاسات، ويرجع الفضل بالتأكيد إلى طابعة النقود الموجودة لدى البنك الفيدرالي.
لن يكون عام 2022 برداً وسلاماً على الأسهم الأميركية، وستبقى قرارات البنك الفيدرالي محركاً رئيسياً لتوقعات المستثمرين، إلا أن أحداً لم يتوقع، حتى الآن، أن يحلق البنك المركزي بمعدلات الفائدة بعيداً عن مستوياتها الحالية، واستبعد الكثيرون أن يزيد إجمالي الرفع عن 1%.
ومع استمرار تجاوز معدل النمو الاقتصادي ومعدل التضخم لمعدل الفائدة على السندات الأميركية، لا تبدو الأمور مهيأة لبديل أفضل من الاستثمار في الأسهم الأميركية في عام 2022، حتى لو بدت الصورة قاتمة لدى البعض خلال النصف الأول من العام.