مثل ما يحتاج البشر إلى المغذيات من أجل النمو والصحة، كذلك تحتاج المحاصيل حول العالم إلى الأسمدة من أجل النمو وزيادة الإنتاجية. فترتبط الإنتاجية الزراعية وإنتاج الغذاء حول العالم ارتباطًا وثيقًا بإنتاج الأسمدة.
وعادة ما يتم التقليل من دور الأسمدة في إنتاج الغذاء. ولكن من دون إضافة الأسمدة، ستنخفض غلة المحاصيل والإنتاجية الزراعية بشكل كبير. هذا هو السبب في استخدام الأسمدة الكيماوية والمخصبات الزراعية لتعويض مخزون التربة من العناصر المغذية، والتي يمكن للمحاصيل امتصاصها بسرعة واستخدامها.
لم يكن العالم المأزوم بحاجة لأزمة جديدة، ولكن يصعب التقليل من أهمية الأسمدة في توفير غذاء العالم. تقريبًا كل طبق طعام تلمسه الأيدي ويأكله البشر يأتي بمساعدة الأسمدة.
حتى الأطعمة العضوية تستخدم المغذيات والمخصبات من روث الحيوانات ومصادر عضوية طبيعية. ويُنسب الفضل في كيفية إطعام الكم الهائل من البشر حول العالم إلى استخدام الأسمدة الاصطناعية على نطاق واسع.
ورغم أن تكلفة الأسمدة الزراعية تمثل نسبة 15% تقريبا من تكلفة إنتاج المحاصيل، فإن استخدام الأسمدة بالمعدلات المقررة لكل محصول يرفع الإنتاجية الزراعية بمعدل 35%.
خلال الاثني عشر شهرًا الماضية، ارتفعت أسعار المواد الغذائية العالمية بأكثر من 33%، لتصل إلى أعلى مستوى لها خلال عقد من الزمن، حيث يدمر تغير المناخ المحاصيل ويؤدي الوباء إلى إعاقة الإنتاج.
في غضون ذلك، حوالي عُشر سكان العالم، 800 مليون، ليس لديهم ما يكفي من الطعام.
أزمة الأسمدة تعني أن المحاصيل الرئيسية، القمح والذرة والأرز، معرضة لخطر أكبر، وأدى ذلك إلى ارتفاع مؤشر منظمة الأغذية والزراعة للحبوب بنحو 4.3% عن الشهر الماضي.
منذ أن بدأ العالم تصنيع الأسمدة قبل أكثر من قرن بقليل، زاد تعداد الكوكب من 1.7 مليار شخص إلى حوالي 7.7 مليارات، ويرجع الفضل في ذلك، إلى حد كبير، إلى النمو الهائل في غلات المحاصيل.
حتى إن بعض الخبراء قدروا أن عدد سكان العالم كان يمكن ألا يزيد عن نصف ما هو عليه اليوم في غياب الأسمدة النيتروجينية. يتم تصنيع الأسمدة الأزوتية، القائمة على النيتروجين وتمثل أهم مغذيات المحاصيل، من خلال تكنولوجيا معقدة تعتمد على الغاز الطبيعي.
الغاز الطبيعي يمثل نحو 60 في المائة من تكلفة إنتاج الأسمدة الأزوتية، وهي اليوريا والأمونيا، وتزيد النسبة إلى 80% بسبب إهمال الصيانة وتقادم خطوط الإنتاج.
يستهلك إنتاج كل طن من اليوريا والأمونيا حوالي 28 مليون وحدة حرارية. وهو في حالة نقص شديد، ما اضطر مصانع الأسمدة في أوروبا إلى تقليص الإنتاج أو الإغلاق في بعض الحالات.
هذا العام، ارتفع مؤشر أسعار الأسمدة ومغذيات المحاصيل حول العالم ثلاث مرات، ليصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق مع تأثير ضغط الطاقة العالمي على الإنتاج.
ترتبط أسعار الأسمدة في العالم ارتباطًا وثيقًا بالصادرات من الصين، التي تعد موردا رئيسيا لليوريا والكبريتات والفوسفات، وتشارك وحدها بحوالي 30% من تجارة الأسمدة العالمية.
فرضت الصين حواجز جمركية على المصدرين لحماية الإمدادات المحلية وتلبية احتياجات المزارعين هناك. ومنذ ذلك الحين، والسوق الدولية للأسمدة تعاني. نظرًا لأن أسواق الأسمدة تشهد الآن صدمات غير مسبوقة في العرض وأسعارًا قياسية، فهذا يعني زيادة تضخم أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم.
العقود الآجلة للسلع العالمية زادت بالفعل. ارتفعت أسعار القمح اللازم لصناعة الخبز والمعكرونة إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2012، واقتربت أسعار حبوب البن، مادة مشروب القهوة المفضلة حول العالم، من أعلى مستوياتها في عدة سنوات.
وقفزت أسعار الذرة الصفراء، اللازمة لأعلاف الدواجن وماشية الحليب واللحم، أيضًا. ارتفع مؤشر أسعار الأسمدة القياسي في أميركا الشمالية إلى 1017 دولارًا للطن.
وارتفع مقياس أسعار الأمونيا في أوروبا الغربية، المستخدم في صناعة الأسمدة النيتروجينية، بنسبة 12%، الأسبوع الماضي، إلى أعلى مستوى في 13 عامًا، ليصل إلى 910 دولارات للطن المتري.
القهوة في أميركا اللاتينية
كتب موقع بلومبيرغ مقالا مطولا يفسر كيف أدى ضغط الأسمدة بالفعل إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية. في جميع أنحاء البرازيل، لا يمتلك حوالي ثلث مزارعي البن في البلاد ما يكفي من الأسمدة.
في ولاية ميناس جيرايس البرازيلية، معقل القهوة لأكبر مصدر في العالم، لا يزال المزارعون ينتظرون استلام نصف مقررات الأسمدة.
يقول أحدهم لمراسل بلومبيرغ "هذا طعام للقهوة، كل شيء يسير بشكل خاطئ عند عدم استخدام الأسمدة. المزارع فقد حوالي 40% من محصوله العام الماضي بسبب الجفاف والصقيع.
وهو قلق من أن الإنتاج في الموسم القادم سيكون أسوأ من الموسم الماضي إذا لم يحصل على الأسمدة التي يحتاجها. وقال إن هذا قد يؤدي إلى خسائر خلال العامين المقبلين، لأن التربة قد لا تحصل على ما يكفي من العناصر الغذائية لدعم نمو النباتات التي ستنتج حبوب القهوة في محصول 2023.
وفي الوقت نفسه، في بيرو، تأخرت شحنات اليوريا مدة تصل إلى ثلاثة أشهر، وارتفع سعرها ثلاث مرات، من 20 دولارًا لكل كيس بوزن 50 كيلوغرامًا إلى 60 دولارًا، كما قال المدير العام لمجلس القهوة الوطني في البلاد.
وقال إن ذلك سيضر بالعائدات في العام المقبل، لأن المزارعين لن يكونوا قادرين على تحمل نفس المبلغ الذي يستخدمونه عادة.
بالنسبة للعديد من مزارعي البن في أميركا اللاتينية، تأتي التكاليف المرتفعة في وقت تجعل العملات المحلية الضعيفة استيراد المدخلات أكثر تكلفة. الذرة في الولايات المتحدة في الولايات المتحدة، يعني ارتفاع أسعار الأسمدة انخفاض إنتاج محصول الذرة التي تستخدم المزيد من الأسمدة النيتروجينية، لذلك يمكن لبعض المزارعين أن يتحولوا إلى زراعة فول الصويا سعيا لخفض التكاليف.
قفزت العقود الآجلة للذرة في شيكاغو بأكثر من 10% منذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول، مدفوعة بمخاوف من تقلص المساحات المزروعة.
أسعار الأسمدة يمكن أن ترفع تكلفة إنتاج الذرة بنسبة 16% إضافية. عاقبة ذلك أن أسعار الأعلاف ولحوم الدواجن واللحوم الحمراء والحليب بمشتقاته سوف ترتفع في العالم كله، لأن الولايات المتحدة هي أكبر منتج ومصدر للذرة الصفراء في العالم.
المنطقة العربية هي أكبر مستورد للذرة في العالم، تستورد مصر وحدها 10 ملايين طن، والجزائر 2.5 مليون طن. من الطرائف، يحكي أحد المزارعين أنه استفسر عن سعر اليوريا في منتصف أكتوبر الماضي، فوجد السعر عند 880 دولارًا للطن، فقرر تأجيل الشراء لأنه أعلى بنسبة 75% من 504 دولارات للطن التي دفعها العام الماضي.
وبعد أسبوعين فقط استفسر عن السعر مرة أخرى، فوجد أنه ارتفع إلى 1320 دولارًا! فقال "لقد أضعت الأرخص ثمناً".
المحزن في الحكاية أنه قد ينتهي به الأمر إلى تغيير خططه الزراعية المعتادة بتقليل مساحة الذرة إلى النصف، أو التبديل كليا إلى الصويا الأقل استهلاكا لليوريا، رغم العائد المنخفض.
أحد مزارعي الذرة من الجيل الرابع في وسط إلينوي، يعمل في الزراعة منذ عام 1987، قال إنه لم يرَ أسعار الأسمدة بهذا الارتفاع من قبل.
القمح في أوروبا
كانت أوروبا من بين المناطق الأكثر تضررًا من أزمة الطاقة، لأنها مستورد صاف للغاز، خاصة من روسيا التي افتعلت أزمة في التصدير على خلفية التوتر السياسي في أوكرانيا، وهذا يترجم إلى الأسمدة. دفع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي عددًا من مصانع الأسمدة النيتروجينية إلى وقف الإنتاج أو تقليصه، بما في ذلك شركة "يارا إنترناشيونال" النرويجية، وشركة المواد الكيميائية الأوروبية "باسف". ويشكل الغاز حوالي 80% من تكلفة إنتاج الأسمدة هناك.
أسعار الغاز أعلى من أربعة إلى خمسة أضعاف المعتاد، وفقًا لمجموعة "يوروب فرتيليزرز".
يمكن لندرة الأسمدة أن تحد من إنتاجية الحبوب وجودتها في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يضر بإمدادات القمح في المنطقة العربية بأسرها، باعتبار أنها أكبر مستورد للقمح في العالم، والذي يأتي معظمه من روسيا وأوكرانيا وفرنسا ورومانيا.
تستورد مصر 13 مليون طن، وهي أكبر مستورد في العالم، وتستورد نصف احتياجاتها من روسيا.
والجزائر تستورد 7.5 ملايين طن، معظمها تأتي من فرنسا، قبل أن تتساهل في مواصفات الجودة وتبدأ الشراء، في الشهر الماضي، من روسيا الأقل في الجودة والسعر.
وقالت جماعات زراعية أوروبية في بيان مشترك "إن مخاطر النقص في الأسمدة تتضح يوما بعد يوم".
وقدرت أن ارتفاع نفقات الأسمدة يمكن أن يضيف 4 مليارات يورو (4.6 مليارات دولار) إلى تكاليف قطاع الزراعة العام القادم.
الأرز في تايلاند
سيؤدي الارتفاع الشديد في أسعار الأسمدة إلى رفع التكاليف بالنسبة للعديد من مزارعي الأرز في آسيا، ويهدد برفع الأسعار في منطقة يتم فيها إنتاج واستهلاك الغالبية العظمى من إمدادات العالم.
قال رئيس جمعية الزراعة التايلاندية، وهو من مزارعي الأرز، إن أسعار الأسمدة للإمدادات المباعة في تايلاند في طريقها إلى الضعف. وقال "طن من الأسمدة أغلى الآن من طن من الأرز".
وطالب الحكومة بالتدخل لخفض السعر. وهو غذاء أساسي لأكثر من نصف سكان العالم. وبعد الذرة والقمح، يعتبر الأرز ثالث أكبر مستخدم للأسمدة، حيث يمثل ما يقدر بـ14% من استخدامات الأسمدة بين جميع المحاصيل.
حتى الآن، كانت الزيادات في أسعار الأرز ضعيفة مقارنة بالسلع الأخرى. ارتفعت أسعار العقود الآجلة للأرز بنسبة 6.3% خلال العام الماضي، مقارنة بزيادة بلغت 35% لكل من القمح والذرة.
الحبوب في كندا
قال رئيس اتحاد المنتجين الزراعيين في ساسكاتشوان إن توقيت ارتفاع أسعار الأسمدة رغم تداعياته "لا يمكن أن يكون أسوأ" بالنسبة للمزارعين الكنديين، الذين تراجعت أرباح الكثير منهم في موسم الزراعة الماضي بعد الجفاف الشديد الذي أدى إلى ذبول المحاصيل.
وقال إن البعض قد يختار زراعة المحاصيل التي تتطلب كميات أقل من الأسمدة، مثل العدس، أو الاقتراض بضمان أرضهم الزراعية لتغطية نفقاتهم في عام 2022. أدى ارتفاع أسعار الأسمدة إلى إضافة 50 دولارًا كنديًا (40 دولارًا أميركيا) لكل أكر، أو ما يعادل 120 دولارا للهكتار، كتكاليف إضافية على المزارعين.
أحد المزارعين أكد انخفاض محصول القمح والبازلاء والكتان بمقدار النصف تقريبًا في مزرعته في ساسكاتشوان هذا العام.
المزارع الكندي قرر أن يأخذ عينة تربة من أرضه لفحصها في معامل التربة لمعرفة ما إذا كان بإمكانه استخدام كميات أقل من الأسمدة.
وقال إن بعض المزارعين يتخذون نهجًا أكثر خطورة، حيث لا يفحصون التربة، بل يقولون: سأضع نصف السماد فقط. هذا يشبه، من وجهة نظره، القفز في الشاحنة للذهاب إلى المدينة من دون فحص مقياس الوقود.
الملايين من أصحاب الحيازات الصغيرة حول العالم، والذين ينتجون ثلثي غذاء العالم، لن يكون لديهم خيار سوى تقليل استخدام الأسمدة في عام 2022، ما يقلل إنتاج الأغذية ويزيد الأسعار المشتعلة اشتعالا.