الأسر التونسية غارقة في الديون وغلاء المعيشة يضغط

28 سبتمبر 2024
محل خضار بالسوق المركزي وسط تونس، 6 مارس 2024 (فتحي بليد/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تفاقم أزمة الديون الأسرية في تونس: الأسر التونسية تعاني من ديون متزايدة، حيث تشكل القروض الاستهلاكية 72% من إجمالي القروض، مما يعكس اعتمادها على هذه القروض لتغطية النفقات الطارئة.

- تراجع الاقتراض وزيادة الأعباء المالية: حصل التونسيون على قروض بقيمة 203 ملايين دينار في النصف الأول من العام الجاري، مقارنة بـ483 مليون دينار في نفس الفترة من العام الماضي، مما يمثل تراجعاً بنسبة 58%.

- استقرار سعر الفائدة وتباطؤ النمو الاقتصادي: أبقى البنك المركزي التونسي سعر الفائدة الرئيسي عند 8%، ورغم تحقيق الاقتصاد نمواً بطيئاً بنسبة 1% في الربع الثاني من 2024، تظل الأسر مخصصة حوالي 43% من مداخيلها لدفع ديونها.

كشفت بيانات رسمية للبنك المركزي التونسي، الجمعة، أنّ الأسر التونسية غارقة في الديون، حيث لم تعد لديها القدرة على طلب المزيد من القروض بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وعدم قدرة شريحة واسعة منها على الإيفاء بالتزاماتها المالية. وأبرزت البيانات التي أفصح عنها المركزي، أنّ التونسيين أصبحوا يكتفون بطلب القروض الاستهلاكية التي توجه نحو تغطية النفقات الطارئة، حيث يتقدم هذا الصنف من القروض على باقي الأصناف سواء الموجهة للسكن أو اقتناء عربات.

وبحسب إحصائيات البنك المركزي التونسي حصل التونسيون خلال النصف الأول من العام الجاري على قروض بقيمة تزيد عن 203 ملايين دينار؛ أي نحو 67.6 مليون دولار مقابل 483 مليون دينار؛ أي ما يعادل 161 مليون دولار خلال الفترة ذاتها من العام الماضي. وتبيّن الأرقام تراجع اقتراض الأسر خلال عام واحد بنسب 58%.

واستأثرت القروض الاستهلاكية بـ72% من إجمالي القروض التي حصلت عليها الأسر التونسية بما قيمته 147 مليون دينار، بينما جاءت القروض المخصصة لتحسين المسكن في المرتبة الثانية بقيمة 54 مليون دينار تليها قروض اقتناء المساكن واقتناء العربات. وتعكس تركيبة القروض الأسرية، بحسب رئيس الجمعية التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي، سيطرة القروض الاستهلاكية على باقي أصناف التمويلات البنكية الموجهة للأفراد التي تستخدم لتغطية النفقات العاجلة وغير المتوقعة أو الاستثمارات الشخصية الصغيرة. 

وقال الرياحي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ القروض الاستهلاكية أصبحت تحل محل المدخرات التي لم تتشكل بسبب تآكل القوة الشرائية. وأشار في سياق متصل إلى أن الأسر التونسية لم تعد قادرة على الاقتراض من أجل الاستثمار سواء لشراء عقارات أو عربات. ولفت إلى أنّ الأرقام المفصح عنها من قبل البنك المركزي التونسي تكشف استيفاء الأسر التونسية لقدرتها في الحصول على قروض جديدة نتيجة للدين المفرط وضعف الإيرادات المالية، ما يؤدي إلى أزمة سيولة.

وأفاد الرياحي بأنّ أغلب القروض التي يحصل التونسيون خلال الفترة الأخيرة تخصص لسداد ديون قديمة، حيث تعمد البنوك إلى بحث حلول مع عملائها المتعثرين عبر جدولة الديون وتمديد فترة السداد مقابل فوائد جديدة. وتابع: "مرتبات التونسيين لم تعد تتحمل ديوناً جديدة، وهو ما يفسر تباطؤ نسق الاقتراض مع استمرار الضغوط التضخمية وارتفاع نسبة الفائدة على القروض".

وتتباطأ قدرة التونسيين على الاقتراض، رغم ارتفاع حاجيات الأسر إلى السيولة للاستجابة للمصاريف الحياتية، حيث لم تتجاوز نسبة الزيادة في القروض البنكية التي حصل عليها التونسيون خلال عام واحد 3% بحسب بيانات رسمية للبنك المركزي التونسي.

وتعيش الأسر التونسية وضعاً مالياً صعباً نتيجة زيادة الأسعار وارتفاع كلفة المعيشة، مقابل تراجع قدرتها على الاقتراض نتيجة ارتفاع نسب الفائدة على القروض وتآكل الدخول. وبلغ معدل نسبة الفائدة البنكية الفعلية خلال النصف الأول من العام الحالي 11,99%.

وأبقى البنك المركزي التونسي، الخميس، سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير عند 8%، وذلك للمرة الخامسة على التوالي منذ نهاية عام 2022، معللاً قراره باستمرار المخاطر المحيطة باقتصاد البلاد. وأكد المركزي التونسي، في بيان له، أنّ "قرار تثبيت سعر الفائدة جاء بعد استعراض التطورات الاقتصادية والمالية الأخيرة على الصعيدين العالمي والمحلي بالإضافة لتوقعات معدلات التضخم". كما أشار المركزي التونسي إلى تحقيق الاقتصاد المحلي معدل نمو، لكنه بطيء، بنسبة 1% على أساس سنوي، في الربع الثاني من العام الجاري 2024، مقابل نمو 0.3% في الربع السابق.

وقال الخبير المالي وأستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية آرام بالحاج، لـ"العربي الجديد"، إنّ البنك المركزي التونسي كان قادراً على خفض نسبة الفائدة بـ100 نقطة أساس والنزول بها إلى 7% غير أن قراره كان تحفظياً بمواصلة تثبيت السعر الجاري به العمل منذ نحو عامين. وأكد بالحاج أن العديد من البنوك المركزية تأخذ بعين الاعتبار عوامل أخرى عدا ضغوط التضخم في تحديد نسبة الفائدة، من بينها تحسن النمو الاقتصادي.

وأشار في سياق متصل إلى أنّ خفض الفائدة كان بإمكانه تحسين قدرة الأسر على النفاذ إلى القروض الاستثمارية. وفي آخر تقرير نشره المعهد التونسي للاستهلاك، فإن مصادر ديون الأسر التونسية متأتية أساسا من البنوك بنسبة 57% كما تخصص الأسر الحاصلة على قروض مصرفية حوالي 43% من مداخيلها لدفع ديونها، وترتفع هذه النسبة إلى 60% في بعض الأحيان للعديد من العائلات.

وتسببت المصاعب الاقتصادية التي يعيش التونسيون على وقعها طيلة السنوات الأخيرة في لجوء الكثيرين إلى الاستدانة من البنوك، عبر الحصول على قروض استهلاك متفاوتة القيمة لتسديد مصاريفهم اليومية وإيجاد سيولة مالية للعديد من النفقات. وبحسب بيانات رسمية لمعهد الإحصاء الحكومي، يبلغ متوسط الرواتب الشهرية لنحو 670 ألف تونسي يعملون في القطاع الحكومي 1387 ديناراً (نحو 450 دولاراً) شهرياً، بينما يحتاج تحقيق العيش الكريم لأسرة تتكون من أربعة أفراد وفق دراسة أجرتها منظمة "إنترناسيونال ألارت تونس" في مارس/ آذار 2021 إلى ما لا يقل عن 2400 دينار.

المساهمون