الأسر التركية تحت نيران الغلاء... التضخم يلتهم المداخيل

18 يناير 2022
متجر خضر وفاكهة في إسطنبول (Getty)
+ الخط -

تختصر السيدة التركية عائشة بوستان، ارتفاع الأسعار في الأسواق التركية بمعدلات قياسية بـ"الكارثة التي حلت على الأتراك منذ عامين"، فمضاعفة الأسعار حولت أعداداً كبيرة من الأسر إلى طبقة الفقراء، بعد زيادة الإنفاق الشهري عن المداخيل، واستمرار ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية والطاقة التي تبدّل معها كل شيء، حتى النمط الغذائي، إذ زاد انتشار الشراء بالحبة، وتراجعت عادات كثيرة حافظ عليها الأتراك منذ عقود، كالأكل في المطاعم والاحتفالات بالمناسبات.

وتشير بوستان إلى أن أسعار الخضر والفواكه ارتفعت بنحو 150% خلال عامين "لم تعرف تركيا سعراً للبندورة يصل إلى 15 ليرة، والباذنجان إلى 20 ليرة، واللحوم بأنواعها بين 70 و100%، بعد أن تعدى كيلو اللحوم الحمراء "من دون دهنة" 200 ليرة، ووصل سعر السمكة الواحدة 35 ليرة تركية"، كما لم تسلم المنتجات الغذائية الأخرى من "لهيب الأسعار"، فتعدى كيلو السكر 9 ليرات والأرز 15 ليرة، ووصل سعر كيلو الحمص والعدس 40 ليرة، وليتر زيت عباد الشمس 25 ليرة.

واعتبرت خلال حديثها لـ"العربي الجديد"، أنّ الوضع يزداد صعوبة بواقع استمرار تراجع سعر صرف الليرة و"تذرّع" الجميع بارتفاع سعر الدولار، حتى بالنسبة للإنتاج المحلي والسلع اليومية: "سعر قطعة الخبز وصل إلى 3 ليرات تركية".

تراجع قيمة الليرة

وشهدت تركيا مع بداية العام الجديد، ارتفاعاً في نسبة التضخم ومؤشر أسعار المنتجين، فقفز مؤشر الأسعار بحسب هيئة الإحصاء بنسبة 19.8% خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021 مقارنة بديسمبر/كانون الأول 2020، لتستمر الأسعار في الارتفاع، بعد تراجع قيمة الليرة بأكثر من 44% خلال العام الماضي، ولتشهد تركيا مطلع العام الجاري 2022، أعلى نسبة تضخم منذ 19 عاماً، بعدما سجل التضخم على أساس سنوي 36%، بعد ارتفاع أسعار الغذاء وتكلفة النقل والطاقة.

ويرى الاقتصادي التركي مسلم أويصال أن التضخم ومعيشة الأتراك "هي التحدي الأكبر أمام الحكومة"، معتبراً أنّ وصول معدلات البطالة والفقر إلى "آحاد وعشرات" مخالف لتوجهات ووعود الحكومة، وخطر على بنية المجتمع "وسيكون لذلك الأثر الأكبر بملامح انتخابات العام المقبل".

ويضيف أويصال لـ"العربي الجديد" أن زيادة الأجور والرواتب هذا العام، بما يوازي تراجع قيمة الليرة "أمر إيجابي ومهم"، لكنّ الأهم برأيه، ضبط الأسعار وتثبيت سعر صرف العملة، لأنّ استمرار التذبذب والتراجع يؤثر على الاستثمارات ونمو الاقتصاد، وليس على مستوى معيشة الأتراك فقط.

ويلفت الاقتصادي التركي إلى ضرورة إيلاء السوق الداخلية أهمية على التصدير، بعد بلوغ بلاده أعلى قيمة تصدير بتاريخها العام الماضي بنحو 225 مليار دولار، بزيادة بأكثر من 31% عن عام 2020 "لكنّ ذلك أثّر على الأسعار ومستوى العرض بالسوق"، مذكراً أنّ صادرات بلاده من الخضر والفواكه، على سبيل المثال، زادت عن 3 مليارات دولار عام 2021، ولكن المستهلك يدفع ضريبة غلاء الأسعار.

وكانت تركيا قد رفعت الحد الأدنى للرواتب والأجور لعام 2022 بنسبة 50% ليصل إلى 4250 ليرة، بعد غلاء الأسعار وتراجع سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار، من 7.4 ليرات مطلع عام 2021 إلى نحو 13.5 ليرة اليوم.

وكان وزير المالية التركي نور الدين النبطي قد وعد بتخفيض معدل التضخم السنوي، إلى خانة الآحاد، بحلول موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها في منتصف عام 2023، مضيفاً خلال حديثه قبل أيام إلى رؤساء المنظمات غير الحكومية في إسطنبول، أن مشكلة تركيا الوحيدة الآن هي التضخم المرتفع، ولكن سيبدأ التغيير بعد الربع الأول من العام الجاري "جراء سياساتنا المالية والخطوات التي سنتخذها، سندخل الانتخابات العام المقبل بتضخم من رقم واحد".

سلسلة من الإجراءات

ويتساءل الاقتصادي التركي مسلم أويصال عن آلية تخفيض التضخم التي يشير إليها الوزير، إن استمر سعر صرف الليرة بالتراجع ولم تجد السياسات المالية نجاحاً "أو استمر المصرف المركزي بتخفيض سعر الفائدة"، وقتها ستكون معيشة الأتراك هي خطة المعارضة بمواجهة حزب العدالة والتنمية، وقد ينجحون بذلك.

ووفق مصادر، فإنّ الحكومة التركية تستعد لاتخاذ سلسلة من الإجراءات خلال عام 2022 للحد من التضخم وغلاء المعيشة، موضحة أنّها بدأتها برفع الحد الأدنى للأجور وتستمر عبر إجراءات هذا العام، لعودة التضخم إلى أقل من 10%.

وقالت المصادر إنّ الحكومة التركية تتبع استراتيجية من شقين في اتجاه خفض التضخم، الأول كان رفع الأجور من أجل زيادة دخل الأشخاص محدودي الدخل والدخل الثابت، الأكثر تضرراً من ارتفاع الأسعار، بالإضافة لزيادة في رواتب موظفي الخدمة المدنية والمتقاعدين.

أما الخطوة الثانية فتكمن في عملية مكافحة غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، مشيرة إلى أن عمليات التفتيش للمتاجر بدأت مع زيادات في نسبة العقوبات على المحتكرين، في الوقت الذي بدأت فيه لجنة استقرار الأسعار عملها من ناحية أخرى.

وبحسب مقال نشرته صحيفة "حرييت" للمحلل التركي عبد القادر سيلفي، فإن لجنة استقرار الأسعار اتخذت إجراءات بشأن مسألة غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار.

بدوره، يؤكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنّ أرقام التضخم في بلاده لا تعكس الواقع الاقتصادي، وأن حكومته ستنجح في خفض نسبة التضخم خلال مدة وجيزة. مبيناً خلال كلمة أمام أعضاء بالبرلمان من حزب العدالة والتنمية الحاكم أنه يأمل أن تتحقق فوائد السياسة الاقتصادية خلال الصيف المقبل.

واعترف الرئيس التركي أنّ حكومته تعاني من مشكلتي التضخم وتقلبات أسعار الصرف، لكن رغم ذلك "ظلت الزيادة في التضخم في بلدنا أقل نسبياً من مثيلتها في البلدان الأخرى".

مع ذلك، فإنّ حكومته مصممة على جعل تركيا في "دوري الأبطال اقتصادياً" وبلوغ هدفها المنشود، وهو دخول قائمة أكبر 10 اقتصادات في العالم بعد القضاء على فقاعة سعر صرف العملات الأجنبية بحزمة التدابير الاقتصادية التي اتخذتها أخيراً، كما أنّها عازمة أيضاً على إزالة فقاعة التضخم، مشيراً إلى أنّ بلاده تجاوزت المرحلة الأصعب. وقال: "الوقت حان لجني ثمار جهودنا وتحقيق أهدافنا".

المساهمون