كان لشبح ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وتباطؤ النمو في الصين، وقوة الدولار الأميركي، تأثير سلبي شديد هذا العام في الأسواق الناشئة التي كانت تعاني بالفعل من تداعيات جائحة فيروس كورونا.
بل إن مديري الاستثمارات، الذين يكمن عملهم في إقناع الزبائن بشراء الأدوات الاستثمارية بالأسواق الناشئة، يسلّمون بأن عام 2022 لن يكون أسهل في ما يبدو.
وقال بول غرير، مدير صناديق الدين في الأسواق الناشئة لدى "فيديليتي للاستثمارات": "العائق أمام إقبال المستثمرين على العودة إلى الأسواق الناشئة أعلى بكثير مما كان"، مشيراً إلى تشديد السياسة النقدية الأميركية وأثر الجائحة على المالية العامة للدول الناشئة.
وثمة عوامل أخرى تتمثل بانخفاض معدلات التطعيم بلقاحات كوفيد-19، وصعوبة التنبؤ بالسياسات والتطورات السياسية، مثلما هو الحال في تركيا التي تدهورت عملتها هذا العام، وفي أميركا اللاتينية، الأمر الذي يُضعف الثقة.
وساهمت التدابير التنظيمية المشددة التي فرضتها الحكومة الصينية في خفض قيمة الأسهم المحلية بنحو تريليون دولار، فيما كان تخلف شركة التطوير العقاري إيفرغراند عن سداد ديونها في أكبر حدث تشهده الصين من نوعه، وراء هبوط السندات الصينية مرتفعة العائد 30 في المئة.
وإجمالاً، فقدت أسهم الأسواق الناشئة سبعة في المئة من قيمتها في 2021. ويتناقض ذلك تناقضاً صارخاً مع صعود مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ومكاسب مؤشر إم.إس.سي.آي العالمي، التي بلغت 13 في المئة، ومع عام الازدهار الذي شهدته كل الفئات الأخرى تقريباً من الأصول الاستثمارية بفعل السيولة الرخيصة التي غذّت ارتفاعاتها.
أما أسهم الأسواق الناشئة، فيجري تداولها بأقل أسعارها، مقارنة بالأسهم في أسواق الدول المتقدمة منذ 17 عاماً.
وساء أيضا مآل السندات بالعملات المحلية، فانخفضت 9.7 في المئة. أما السندات المقومة بالدولار، فكان حالها أفضل بفضل ارتفاع أسعار النفط، لكنها انخفضت قرابة اثنين في المئة في 2021.
وهبط مؤشر جيه.بي. مورجان لعملات الأسواق الناشئة، الذي يُستبعد منه اليوان الصيني، 9.7 في المئة.
وكان من المتوقع أن يكون أداء الأدوات الاستثمارية بالأسواق الناشئة على ما يرام بفضل تعافي الاقتصاد من الجائحة وتحسن أسعار السلع الأولية، وسعي المستثمرين لاقتناص الفرص السانحة خارج أسواق الدول المتقدمة التي تبدو الأسعار فيها مرتفعة والعوائد منخفضة.
ووصف ديفيد هونر، خبير استراتيجيات الأسواق الناشئة لدى بنك أوف أميركا عام 2021، بأنه "كارثة"، وقال: "الآن أصبح من المستحيل العثور على أحد يشعر بالتفاؤل بالأسواق الناشئة، وهو وضع مناقض جداً لما كان عليه الحال قبل عام عندما لم يكن باستطاعتك العثور على فرد واحد يشعر بالتشاؤم".
وجاء عام 2021 بعد عقد صعب للأدوات الاستثمارية في الأسواق الناشئة التي يفترض أنها شديدة المخاطر، لكنها في الوقت نفسه مرتفعة العائد. ففي كل عام، باستثناء العامين 2010 و2017، انخفض مؤشر إم.إس.سي.آي للأسواق الناشئة عن المؤشر الرئيسي في السوق الأميركية.
وأمام مؤشرات أخرى، كان الأداء أفضل. فمنذ نهاية 2016 ارتفع مؤشر إم.إس.سي.آي العالمي، باستثناء الولايات المتحدة، 34 في المئة، مقارنةً بصعود مؤشر الأسواق الناشئة 40 في المئة. لكن هذا أيضاً معناه أن أسهم العالم النامي ليست رخيصة كما يبدو.
يلوح شبح الصين في الخلفية. فقد تؤذن خطة "الازدهار المشترك"، التي طرحتها بكين سعياً لإعادة توزيع مغانم النمو الاقتصادي، بنهاية أرقام النمو الهائل التي تصدرت العناوين في ما سبق.
فعلى مستوى الاقتصاد الكلي، يعد النمو الصيني عاملاً مهماً للأسواق الناشئة، كذلك فإنه ظل لفترة طويلة عامل إغراء للمستثمرين في هذه الفئة من الأصول الاستثمارية.
واستجابة لذلك، عمدت صناديق الاستثمار لاستكشاف منتجات استبعدت منها الصين لإقناع عملائها بأن أفضل الفرص تكمن في أسواق أخرى.
غير أن الثقة تقوضت بفعل أزمة الديون العقارية الصينية والتدابير التنظيمية المشددة، وكذلك المخاوف من أسعار الفائدة المتجهة للارتفاع عالمياً.
وقالت ماري تريز بارتون، رئيسة قسم ديون الأسواق الناشئة لدى "بيكتت أسيت مانجمنت": "القائمون على توزيع حصص الفئات الاستثمارية عالمياً ما زالوا يعاملون الأسواق الناشئة كأداة تداول تكتيكية، وليست استراتيجية. ما نرجوه، أن يلقى ثراء عالم الأسواق الناشئة التقدير. وهذا صعب في الوقت الحالي الذي نعجز فيه عن إدراك الصورة".
(رويترز)