هناك أكثر من ترجمة للمقدمة القصيرة التي استهل بها المؤلف والقصاص الإيطالي جوسيبي دي لامبيدوزا روايته الموسومة "الفهد" أو "Il Gattopardo" بالإيطالية، والتي نشرت بعد سنوات من وفاته عام 1958. وقد أخرجها لوكينو فسكونتي، عام 1963. تقول تلك المقدمة "إذا أردت للأشياء أن تبقى على حالها، فعليك أن تغير أشياء". وترجمة أخرى لها تقول: "إذا أردت للأشياء ألا تتغير، فعلى أشياء أن تتغير"، وأياً كانت الترجمة فالمعنى لهذه الجملة الديناميكية يبقى واحداً إلى حد كبير.
الأسبوع الماضي سرت إشاعة اجتاحت اهتمام قطاع عريض من الأردنيين أن حكومة الدكتور بشر الخصاونة سوف يجري عليها تعديل سادس أو سابع، وأن هذا التعديل سيشهد تغييراً واسعاً على المناصب الاقتصادية خاصة، وعدداً من الوزراء الآخرين. وقالت الإشاعات المختلفة إن الخصاونة طلب من اثنين من أعضاء مجلس النواب معروفين بتأييدهما للحكومة، وببراعتهما الكلامية، ليكونا وزراء معه.
وبخروج هذه الإشاعة من قمقمها، ثار هرج ومرج من بعض أعضاء مجلس النواب عن سبب تغيير السياسة في عدم توزير النواب، علماً أنه لا توجد موانع دستورية أو قانونية تحول دون ذلك، ولكنه عُرْف اتفق على الأخذ به منذ أن تولى الملك عبد الله الثاني مقاليد الحكم في شهر فبراير/ شباط عام 1999. وقال بعض هؤلاء النواب إنه حتى وإن قبلنا بتغيير هذه السياسة يبقى السؤال: لماذا وقع الاختيار على النائبين عمر العياصرة و د. خير أبو الصعيليك؟ واتهمت الحكومة بأن اختيارها لهما كان بسبب ولائمها وليس بسبب كفاءتهما، وهو أمر أشكك شخصياً في صحته، فهما نائبان مجتهدان ويتمتعان بحضور قوي.
وأخيراً أثار النائب صالح العرموطي نقطة مهمة، وهي أن النائبين اللذين لن يتمكنا من الجمع بين النيابة والوزارة يجب أن يستقيلا من مجلس النواب، ولكن استقالتهما يجب أن تقبل من المجلس نفسه (كما ينص على ذلك نظام المجلس)، وحيث إن المجلس في حالة عدم انعقاد، فإن الخروج من هذا المأزق يكون إما بصدور إرادة ملكية، ليتمكن المجلس من الموافقة على استقالة العضوين، وهو أمر لا أظن أن الملك يميل إليه، أو أن يتأخر التعديل حتى يعود المجلس للانعقاد في دورته الحالية الشهر القادم (أكتوبر 2023) إذا قرر الملك ذلك.
وهكذا دبت الفوضى في سوق الإشاعات، وسافر الملك إلى الولايات المتحدة لحضور جلسات الأمم المتحدة، ولكن هذا لا يعني أن نائب الملك لا يستطيع أن ينوب عن الملك في إصدار قرار بذلك. وبموجب الدستور، فإن الملك يستطيع تفويض نائبه بذلك، وهي ليست ضمن الصلاحيات الملكية التي يجب أن يصدر تفويض خاص بها من الملك لنائبه، مثل إعلان الحرب، أو تغيير الحكومة، والموافقة على استقالتها، وتعيين رئيس بدل المستقيل.
وقد حصل مثل هذا التفويض عام (1998) حين غادر الملك الراحل الحسين بن طلال للعلاج في مايو كلينيك (Mayo Clinic) في ولاية مينيسوتا بالولايات المتحدة، لأن مدة الغياب كانت ستزيد عن ثلاثة أشهر، ولأن المرض كان خطيراً ما يستدعي، استدراكاً لأي احتمال، أن يفوض الملك صلاحياته كاملة لنائبه، وكان الأمير الحسن بن طلال نائب الملك حينها.
وقد قام الأمير الحسن بتغيير حكومة الدكتور عبد السلام المجالي، وتوشيح مرسوم تشكيل حكومة الدكتور فايز الطراونة لتحلّ مكانها. ولكن الأمر الآن مختلف جداً؛ فالملك عبد الله في مهمة رسمية قصيرة، ونائب الملك يتمتع بالصلاحيات العادية، وليست الصلاحيات الاستثنائية. ولذلك، فإن تعديل الحكومة يبقى قائماً، وقد يحدث حتى قبل نشر هذا المقال بعد ثلاثة أيام، أو تبقى الأمور على حالها إلى حين عودة الملك سالماً من رحلته الخارجية.
السؤال الذي أود طرحه على بساط البحث هو ما يلي: أيهما أفضل أن تتغير الحكومة، وقد قارب عمرها على ثلاث سنوات؟ أو منح الرئيس الخصاونة فرصة من أجل التعديل الذي يراه؟
جمهرة الناس لو سألتهم لقالوا إن التغيير أفضل دون إبداء الأسباب، وآخرون قد يرون أن رئيس الوزراء قد عدل تشكيل وزارته مرات كثيرة، لدرجة أن عدد الوزراء الذين عملوا معه حتى الآن قد فاق الخمسين، ولربما قارب الستين، إذا حسبنا مواقع الوزراء التي تغيرت في الحكومة. وفي رأي هذه الفئة أن رئيس الوزراء قد استنفد فُرصه كلها، وأن منحه المزيد منها يقلل من فاعلية أدائها.
ويبني هؤلاء استنتاجهم على حرصهم ألا يطاول مؤسسة العرش أي نقد، بسبب أفعال الحكومة واجتهاداتها. فالملك يأخذ قراراته باستثناء تعيين رئيس الحكومة أو تغييره، أو إعلان الحرب، بناء على توصية مجلس الوزراء كاملاً، أو إحدى هيئاته، مثل حل مجلس النواب.
أما البعض الآخر فيرى في السماح لرئيس الوزراء بالتعديل استقرار للحكومة، حتى يقرر الملك إعفاء رئيس الوزراء ومن ثم الوزراء من مسؤولياتهم.
صحيح أن حكمة جوسيبي دي لامبيدوزا القائلة إن الإرادة لإبقاء الأشياء على حالها تتطلب تغيير أشياء، وأن استقرار الحكم أهم من استقرار الحكومة، إلا أن الملك -وأنا معه- لا يرى أن هناك تهديداً داخلياً أو خارجياً لاستقرار الأردن حكماً وسيادة وولاية، بل إن الأردن مستقر وقوي، وأن كل ما يجري في العالم لا يهز أمنه. ولذلك، فإن للملك دوافع أخرى للتغيير لم يئن أوانها ولا حان حينها.
والمطلوب فعلاً أن يحصل تعديل على الفريق الاقتصادي، ليس لأن أي واحد منهم ليس كفؤاً، ولكن لأن الفريق لا يحقق الطاقة المطلوبة لإنجاز المطلوب اقتصادياً لدفع عجلة النمو، وإنجاز مشروع التحديث الاقتصادي والإصلاحين الإداري والسياسي، وعلى السياسة المالية في الأردن أن تشهد تغيراً جذرياً، لأن استمرارها على حالها في التركيز على التحصيل قد أساء جداً لمعدلات النمو، وقدرة الشركات على الاستمرار، وتدارك النمو السالب في معدلات دخول الأردنيين. ويجب أن يدرك البنك المركزي أن نجاح سياسته في الحفاظ على سعر صرف الدينار مقابل الدولار صارت محافظة جداً، وأن رفع الفوائد قد تجاوز الحدود.
وهناك قطاعان في الأردن بحاجة ماسة إلى الاهتمام بهما كأولوية حتى لا يتفاقما أكثر وأكثر. وهما قطاعا الطاقة والنقل، وكلاهما بحاجة ماسة إلى إعادة الهيكلة، واستمرار الحال على حاله فيهما يؤثر في مستوى الأسعار، وبقاء الشركات الإنتاجية، وفي توزيع الائتمان.
هناك نقطة لا بد من التأكيد عليها، وهي أننا يجب أن نتوقف في العالم العربي، والأردن خاصة، عن القول إن هناك قطاعات اقتصادية وأخرى اجتماعية وثالثة لوجستية. كل الوزارات والقطاعات هي قطاعات اقتصادية، ويجب أن تعامل على هذا الأساس. فالتعليم والصحة والتنمية الاجتماعية، بما في ذلك الحماية الاجتماعية، يجب أن ينظر إليها على أنها قطاعات اقتصادية كبرى خاصة في الأردن. وقطاع الإسكان والأشغال والنقل والكهرباء والطاقة والمياه هي قطاعات اقتصادية حتى النخاع. وكذلك وزارات الاتصالات والزراعة والصناعة، وحتى الوزارات المسماة بالسيادية، مثل الداخلية والدفاع والعدل والخارجية هي قطاعات اقتصادية مهمة.
المطلوب وزراء قادة، قادرون على العمل الجماعي من أجل البركة (synergy). ومن أجل تحقيق أفضل النتائج. وفوضى أسلوب الصوامع في الإدارة يناقضه في النجاح والفاعلية أسلوب تعدد التخصصات في إدارة الملفات الاقتصادية.
هذا هو المطلوب، والباقي تفاصيل.