تعيش الأسواق الأردنية حالة من الترقب والحذر، بسبب ارتفاع الأسعار عالمياً بشكل غير مسبوق، خاصة المواد التموينية، بينما يستورد الأردن غالبية احتياجاته من الغذاء لعدم كفاية الإنتاج المحلي باستثناء عدد محدود من السلع.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة عن تشديد إجراءات الرقابة على التجار لضبط الأسعار، طالب القطاع الخاص بسرعة اتخاذ إجراءات من شأنها تعزيز المخزون الاستراتيجي من المواد الغذائية عبر تحفيز المستوردين على شراء المزيد من الكميات خلال الفترة المقبلة لتغطية الاحتياجات.
وشهدت الأسعار في المملكة ارتفاعاً كبيراً خلال الأشهر القليلة الماضية، ما انعكس على القدرات الشرائية للكثير من الأسر، ليتراجع الطلب وتتزايد مخاوف التجار من تعمق الأضرار.
يقول نائل الكباريتي، رئيس غرفة تجارة الأردن " نبهنا عدة مرات كقطاع تجاري، إلى خطورة ما يجري في الأسواق العالمية وارتداداته على الأردن من حيث ارتفاع الأسعار وتدني المخزون من السلع، ما يتطلب اتخاذ إجراءات حقيقية وفاعلة للحد من الغلاء محليا وتعزيز المخزون من السلع الغذائية الأساسية".
يضيف الكباريتي لـ"العربي الجديد" أن القطاع التجاري الأردني بحاجة اليوم إلى إجراءات تحفيزية كتوفير التسهيلات الائتمانية بسقوف أعلى من التي حددها البنك المركزي مؤخراً لغايات تمويل استيراد المواد الغذائية بكلف فائدة أقل من المعدلات الحالية".
وقرر البنك المركزي، في وقت سابق من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، رفع سقف التسهيلات الائتمانية المقدمة من البنوك بأسعار فائدة مخفضة لتجار الجملة لتصبح 600 ألف دينار (846 ألف دولار) بدلاً من 350 ألف دينار ولتجار التجزئة من 175 ألف دينار إلى 200 ألف دينار.
ووفق رئيس غرفة تجارة الأردن، فإن هذه الزيادة جيدة لكنها غير محفزة للتجار لتوريد كميات أكبر من المواد التموينية خلال الفترة المقبلة والمحافظة على المخزون ضمن المستويات المقبولة لكل سلعة في ضوء ارتفاع الأسعار وزيادة الطلب على الغذاء على مستوى العالم، لافتا إلى أنه تمت المطالبة برفع سقف التمويل إلى 1.41 مليون دولار لتجار الجملة.
ويشير إلى ضرورة تبسيط إجراءات دخول المواد الغذائية من كافة المعابر الحدودية وميناء العقبة، بالإضافة إلى إزالة المعوقات التي تحول دون انسياب السلع بين الأردن وسورية في الاتجاهين.
ومقابل ما يبديه التجار من مخاوف حيال مخزون السلع، يقول سليمان السعود، مدير مديرية مراقبة الأسواق في وزارة الصناعة والتجارة والتموين لـ"العربي الجديد " إن "وضع المخزون من المواد التموينية مريح وتعمل الوزارة على تحفيز التجار للاستمرار في الاستيراد وزيادة الكميات خاصة من السلع الأساسية، إضافة إلى تعزيز عمل الصناعات الغذائية المحلية.
ويضيف السعود: "الوزارة ترصد يومياً أسعار السلع التموينية في السوق وتتابع الكميات من خلال نظام الإنذار المبكر الذي يرصد الكميات الداخلة من المواد الغذائية للدولة من كافة المعابر الحدودية".
ويتابع أنه بهدف ضمان استقرار الأسعار تقوم فرق رقابة متخصصة بجولات صباحية ومسائية على الأسواق لمراقبة الأسعار وفي حال كانت هنالك مغالاة في أي منها يتم تحديد سقوف سعرية وفقا للصلاحيات التي يتيحها قانون الصناعة والتجارة وتعليمات المغالاة في الأسعار.
ويشير إلى أنه تم سابقا تحديد سقوف سعرية للعديد من السلع مثل الدجاج والزيوت النباتية والألبان وبعض أصناف الخضار بسبب ارتفاع أسعارها بشكل غير مبرر.
وبالنسبة لمخزون الأردن من القمح يقول السعود، إنه يكفي الاستهلاك المحلي لمدة 15 شهراً، لافتا إلى أنه يشمل الكميات الموجودة في الصوامع والمستوعبات والكميات المتعاقد عليها التي يتم توريدها حسب الفترات الزمنية المتفق عليها من مناشئ مختلفة.
وتطرح وزارة الصناعة والتجارة والتموين بشكل مستمرة مناقصات في الأسواق العالمية لشراء القمح، حيث لا يكفي الإنتاج المحلي أكثر من 5% من الاحتياجات الفعلية للأردن، الذي يستهلك شهرياً حوالي 80 ألف طن قمح.
بدوره، يطالب خليل الحاج توفيق، رئيس نقابة تجار المواد الغذائية بإجراءات أكبر تحد من ارتفاع الأسعار في السوق المحلية بشكل مباشر، موضحا لـ"العربي الجديد" أن "من هذه الإجراءات إعفاء كافة المواد الغذائية المستوردة من الرسوم والضرائب المفروضة عليها ولو لفترة مؤقتة إلى حين معاودة الأسعار الانخفاض".
ويضيف أن "هناك سلعاً غذائية أساسية تخضع للرسوم الجمركية، وبالتالي ترتفع أسعارها، بينما هناك انخفاض في القدرات الشرائية للمواطنين إلى مستويات غير مسبوقة بسبب ارتفاع الفقر والبطالة وتآكل الدخول وزيادة الإنفاق على مجالات أخرى كالصحة والتعليم وغيرها".
ويتابع "تجار المواد الغذائية تحملوا أعباءً كبيرة، حيث اضطروا لتخفيض هوامش الربح وأحيانا البيع بأقل من الكلفة لغايات الحد من تأثير ارتفاع الأسعار عالمياً على السوق المحلية"، مشيرا إلى أهمية استجابة الحكومة لمطالب التجار بتوحيد المرجعيات التي تتولى معاينة السلع لدى وصولها المنافذ الحدودية، حيث توجد عدة جهات تقوم بهذه المهمة، ولابد كذلك من تخفيض رسوم المعاينة والفحص وتسهيل وتسريع إجراءات تخليص البضائع والاستمرار بآلية وضع سقوف لأسعار الشحن.
في السياق، يلفت محمد عبيدات رئيس جمعية حماية المستهلك، إلى أن الرسوم الجمركية والضرائب المفروضة على السلع الغذائية تصل إلى 16%، مؤكدا أن مواجهة ارتفاع الأسعار خفض هذه النسبة.
ويدعو عبيدات إلى ضرورة اتباع أنماط استهلاكية جديدة من قبل المواطنين تقوم على ترشيد الاستهلاك وإنتاج بعض السلع داخل المنازل مثل الألبان وغيرها، ما يخفض الكلف على العائلات ويدفع باتجاه انخفاض واستقرار الأسعار محلياً.
وتتشابك تداعيات ارتفاع أسعار السلع العالمية مع أزمة الجفاف التي تعصف بالأردن، إذ يحذر عبد الحليم خدام، رئيس اتحاد مزارعي الأردنيين، من ارتفاعات كبيرة لأسعار المنتجات الزراعية خلال الفترة المقبلة، نتيجة قلة كميات المياه المخصصة للزراعة في ظل جفاف العديد من السدود التي يعتمد عليها المزارعون لري محاصيلهم.