استمع إلى الملخص
- تفاصيل التخفيف والإعفاءات: شملت السماح بالمعاملات مع المؤسسات الحكومية السورية ودعم الطاقة وتحويل الحوالات الشخصية، مع قيود على إنشاء محطات جديدة للطاقة أو تطوير آبار النفط والغاز.
- التحديات والآمال المستقبلية: تواجه سوريا تحديات مثل عجز الكهرباء والبطالة، مع دعوات لرفع العقوبات بالكامل لدعم إعادة الإعمار والاستقرار الاقتصادي، مما يتطلب تعاوناً دولياً.
استبشرت الأوساط الاقتصادية في سورية بتخفيف واشنطن جزء من العقوبات لمدة ستة أشهر ما يفتح الباب أمام الاقتصاد المحاصر ليلتقط أنفاسه بعد أزمات خانقة وضربات قاصمة تعرض لها منذ اندلاع الثورة عام 2011 وتشديد العقوبات الغربية على البلاد، جراء ممارسات نظام بشار الأسد المخلوع خلال فترة حكمه.
كما يرتقب أن تخفف هذه الخطوة من وطأة الأزمات المعيشية وتدهور الخدمات التي يعانيها الشعب السوري، ورغم ذلك اعتبر مراقبون أن هذه القرارات غير كافية رغم أهميتها وأن السوريين يترقبون إلغاء العقوبات الأميركية والأوروبية بشكل كامل.
وخففت وزارة الخزانة الأميركية، أول من أمس الاثنين، بعض العقوبات المفروضة على سورية، لستة أشهر فقط، بهدف السماح بوصول المساعدات الإنسانية وتوفير الخدمات والسماح بالمعاملات مع المؤسسات الحاكمة في سورية بعد هروب الرئيس المخلوع بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024.
وسمحت وزارة الخزانة الأميركية بالمعاملات مع المؤسسات الحاكمة في البلاد بعد 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 حتى 7 يوليو/تموز المقبل.
كما سمحت بمعاملات دعم بيع أو توريد أو تخزين أو التبرع بالطاقة بما في ذلك البترول ومنتجات البترول والغاز الطبيعي والكهرباء إلى سورية أو داخلها. كذلك سمحت الخزانة الأميركية بمعالجة تحويل الحوالات الشخصية غير التجارية إلى البلاد بما في ذلك من خلال البنك المركزي السوري.
وبحسب المسؤولين، فإن الإعفاء، المتاح مبدئياً لمدة ستة أشهر، سيعفي موردي المساعدات من طلب التصريح في كل حالة على حدة، لكنه يأتي بشروط لضمان عدم إساءة استخدام الحكومة للإمدادات.
استثناءات للسفر وتوقيع العقود
وحول تفاصيل تخفيف العقوبات أو الرخصة الأميركية التي تسمح بإجراء معاملات محددة مع مؤسسات حكومية سورية، يقول الاقتصادي السوري أيمن عبد النور من العاصمة الأميركية واشنطن، إنه "كما ذكرنا قبل نحو شهر، بعد زياراتنا لقيادات في الكونغرس والمسؤولة مباشرة عن رفع/تعديل قوانين العقوبات لأنهم أصحاب السلطة في ذلك، جاءت أول من أمس، مذكرة استثناءات من وزارة الخزانة التي لديها مكتب متخصص بذلك بعد مناقشة تفاصيلها مع وزارة الخارجية واللجان المختصة في الكونغرس".
ويضيف عبد النور لـ"العربي الجديد" أن "الاستثناءات تتيح التعامل مع المؤسسات الحكومية للإدارة السورية الجديدة بدون خوف من المساءلة بعد العودة إلى الولايات المتحدة حيث كان هناك خوف لدى الكثير بعد عودتهم من سورية وإجراء لقاءات علنية مع قائد الإدارة الجديدة، أحمد الشرع، والوزراء من أن تتم مساءلتهم في المطار، لذلك إن الاستثناء يشمل السماح بالسفر واللقاءات وعمل عقود مع الوزارات الجديدة ما عدا الأمن والدفاع ضمن الشروط المسموحة والمراسلات مع الإدارة الجديدة حتى لو لم تفض إلى أي إجراء.
وفي مجال الطاقة، يبيّن عبد النور أنه بموجب الاستثناءات بات مسموحاً النقل، التوزيع، البيع، التوريد، التبرع، إصلاح الشبكات سواء للكهرباء أو النفط /الغاز وإيصالها إلى سورية وداخلها ولا يسمح بإنشاء محطات كهرباء جديدة (التوليد) ولا حفر أو تطوير آبار النفط والغاز.
وما يتعلق بالعقوبات على المصارف وتحويل الأموال، بحسب عبد النور، فقد تم فتح سقف تحويلات مساعدة الأهل والعائلة "ما عدا المشمولين بقوائم العقوبات الأميركية" خصوصاً عبر المصرف المركزي، وهو الأمر الذي ناقشناه مع الكونغرس لتتمكن الحكومة الجديدة من الحصول على تبرعات فردية أو مساعدات ومنح من دول ومنظمات دولية لتستطيع تسديد الرواتب للموظفين المدنيين حصراً وغير المدرجين على قوائم العقوبات المتعددة. وأشار إلى عدم توفر النقد الكافي لدى الحكومة لتسديد تلك المبالغ الكبيرة شهرياً بسبب عدم انتظام واردات الحكومة من تسديد الفواتير والضرائب والرسوم للخزينة المركزية في وزارة المالية.
ويضيف عبد النور خلال اتصال هاتفي أنه لا توجد سيولة بسورية خاصة بعد إعلان الحكومة بدمشق زيادة الأجور 400%، مشيراً إلى البطالة المقنعة وتعيين نظام الأسد موظفين من دون أن يعملوا أو يكونوا في مواقع العمل، لذا يأتي تخفيف العقوبات مهمة لهذا الجانب، إذ يمكن بعد اليوم استقبال التبرعات أو المساعدات. وأوضح أنه تم حل المشكلة لتتمكن الحكومة من دفع الأجور أو استقبال التبرعات قائلاً: "بدأنا فعلاً بجمع التبرعات لإرسالها للمصرف المركزي وقد تأتي دول وتضع تبرعات بالمصرف المركزي لتغطية الأجور والمصاريف الطارئة".
أزمة الكهرباء
وقال عبد النور إن ما أثار نقاشات كثيرة مسألة الكهرباء، فسورية لديها عجز بنحو 8000 ميغاواط، ما يعني ضرورة إقامة 8 محطات مثلاً بقدرة توليد 1000 ميغاواط لتشمل المحطات الجغرافيا السورية، ولكن محطة 1000 ميغا كلفتها مليار دولار، وهو ما لم توافق عليه واشنطن، لأنها تحتاج إلى إجراءات كثيرة منها مكتب محاماة دولي لإقامة عقود لمحطات بقيمة مليار دولار، وهناك كثير من التعقيدات حول الكهرباء، لذا تم الحديث على الربط من الأردن أو عبر سفينة ترسلها قطر. ويأتي تخفيف العقوبات الأميركية، بعد سعي منظمات سورية عدة ومساع دولية وسعي الإدارة الجديدة في دمشق، منذ وصولها إلى السلطة لتعزيز علاقاتها الدولية والإقليمية.
لذا، أكد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال تصريح سابق، أن الولايات المتحدة منفتحة على تخفيف العقوبات عن سورية، ولكن ليس بعد. وأوضح بلينكن أنه في حال مضت العملية الانتقالية قدماً، فـ"سننظر من جانبنا في عقوبات مختلفة وإجراءات أخرى سبق أن اتخذناها، ونرد بالمثل"، مع استمرار تحقيق توازن بين تسريع تقديم المساعدات الإنسانية للسكان المتضررين، وبين الحفاظ على الضغوط الاقتصادية المفروضة على دمشق.
سقوط أسباب العقوبات
يرى المستشار الاقتصادي، أسامة القاضي أن "مسبب العقوبات قد سقط، لذا لا مبرر لاستمرار العقوبات" معتبراً خلال اتصال مع "العربي الجديد" أن الشعب السوري هو من دفع، ولم يزل، ثمن الحصار والعقوبات الأوروبية والأميركية، ولم تنعكس العقوبات "عملياً" على نظام الأسد المخلوع، بل كان حتى يلتف على بعضها خلال تعامله مع إيران "بالنفط وغير النفط". ويشير القاضي إلى ضرورة تلبية الشروط الدولية، وهي في صالح السوريين بطبيعة الحال، خاصة ما يتعلق بمشاركة السوريين بالحكم وتشكيل حكومة تكنوقراط تمثل جميع السوريين، متأملاً أن تنظر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في نهاية الشهر الجاري بالعقوبات وترفعها، وإن على مراحل.
ولا ترتبط العقوبات الأميركية على سورية بعهد جرائم نظام بشار الأسد أو تهريب المخدرات، بل تعود إلى نحو 45 عاماً، مع إدراج سورية على قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ ديسمبر/ كانون الأول 1979، مما أدى إلى حظر الصادرات والمبيعات الدفاعية وفرض قيود مالية وبعض الضوابط على صادرات المواد ذات الاستخدام المزدوج، كالمعادن والنفط والفوسفات.
وزادت العقوبات الأميركية وفق ما يسمى "قانون محاسبة سورية" في مايو/ أيار 2004 حين فرضت واشنطن ضوابط إضافية على الاستيراد والتصدير وفي العام 2006، تم فرض قيود جديدة على صادرات المواد الحساسة، بما يتضمن التقنيات الطبية وعدداً من المنتجات الاستهلاكية. كما استهدفت العقوبات البنك التجاري السوري الحكومي ومنع المصارف الأميركية من التعامل معه، قبل أن تتوسع عام 2008 العقوبات على المصارف السورية بسبب اشتباهها بدعم نشاطات "تمويل الإرهاب".
قانون قيصر
وبعد قمع نظام الأسد ثورة عام 2011، أعلنت الولايات المتحدة حظراً يشمل قطاع النفط السوري، إلى جانب تجميد أصول الدولة السورية وعدد من الشخصيات المرتبطة بالنظام وحظر تصدير السلع والخدمات الأميركية إلى سورية، بما في ذلك المنتجات التي تحتوي على مكونات أميركية بنسبة تتجاوز 10%، لتتبعها عام 2012 بعقوبات جديدة على الكيانات الأجنبية التي تحاول الالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة على سورية وتتبعها عام 2017، بعقوبات على 270 موظفاً حكومياً بعد الهجوم الكيميائي على خان شيخون. وبعد تسريب صور التعذيب حتى الموت في سجون نظام الأسد ومعتقلاته، فرضت الولايات المتحدة عام 2020 عقوبات جديدة عبر ما يعرف بقانون "قيصر" لتشمل هذه المرة قطاعات حيوية كالطاقة والبنوك بشكل غير مسبوق.
وهدف القانون إلى محاسبة النظام السوري وحلفائه عبر فرض عقوبات اقتصادية شديدة على المسؤولين عن جرائم الحرب المرتكبة خلال فترة الحرب السورية. وتضمن القانون تجميد أصول الأفراد والكيانات المرتبطة بالنظام السوري، وفرض قيود على التعاملات المالية، وحظر دعم المشاريع المتعلقة بإعادة الإعمار. وتطاول العقوبات أيضاً الشركات والمؤسسات الدولية التي تتعامل مع النظام السوري.
وبعد استفحال تصنيع المخدرات وتهريبها من سورية وعبرها، أقرّ مجلس النواب الأميركي، في سبتمبر/ أيلول 2020، قانون مكافحة اتجار الأسد بالمخدرات وتخزينها، القانون "كبتاغون 1" والذي نص على أن اتجار النظام السوري بالحبوب المخدرة هو "تهديد أمني عابر للحدود الوطنية" للحكومة الأميركية، لذا استهدف القانون تحديد شبكات إنتاج الكبتاغون والاتجار به المرتبطة مباشرة بالأسد والتصدي لها. وتلا ذلك العام الماضي قانون "كبتاغون 2" الذي يدعو إلى تعطيل وتفكيك شبكات المخدرات المرتبطة بنظام الأسد، ومنح الحكومة الأميركية صلاحيات جديدة وموسعة لمحاسبة نظام الأسد و"حزب الله" وشبكاتهما، وجميع من ينشط أو ينخرط في الاتجار بالمخدرات.
الشعب أبرز ضحايا العقوبات
ومن دمشق يقول الاقتصادي السوري محمد حاج بكري، إن "العقوبات أثرت على السوريين أكثر من نظام الأسد، ولا ننكر أنها أضعفته" ولكن اليوم بعد سقوط النظام وهروب الأسد "لا بد من رفع العقوبات والنظر بوضع السوريين البائس" لأن الاستمرار بها وإن جزئياً، يمكن أن يبعد الرساميل والاستثمارات ويخيف رجال الأعمال.
ويضيف حاج بكري لـ"العربي الجديد" أن سورية بأمس الحاجة اليوم للدعم الدولي والمساعدات، حتى تستطيع الحكومة الانتقالية "تحقيق ما يطلب منها محلياً ودولياً" وتبدأ بتأهيل القطاعات المهدمة ومن ثم إعادة الإعمار، معتبراً أن استمرار "التردد وفرض الشروط" سيعيق عودة انطلاقة الصناعة والزراعة وقطاع الطاقة، الأمر الذي سيؤثر على كفاية الأسواق وإعاقة التصدير وخلق مناخ جاذب للأموال السورية المهاجرة وحتى الاستثمارات الدولية. ويلفت الأكاديمي السوري إلى ضرورة أن تنحو الدول الأوروبية سلوك واشنطن وترفع العقوبات عن سورية، خاصة أن اجتماعاً سيجمع وزير الخارجية الأميركي مع نظرائه الأوروبيين غداً الخميس، مذكراً أن الدول الأوروبية كانت شريكة بلاده الاقتصادي الأول قبل الثورة السورية عام 2011.
وفرضت دول الاتحاد الأوروبي عقوبات عام 2005 على شخصيات سورية بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري ومن ثم عقوبات عقب اندلاع ثورة 2011 طاولت شخصيات وكيانات سورية، قبل فرض، في سبتمبر من العام نفسه، حظر على قطاع النفط السوري، ثم توسعت العقوبات في مطلع العام 2012، لتشمل قطاعات الطاقة والأسلحة والتمويل، فضلاً عن قطاع التعدين.
وفي يونيو/ حزيران عام 2012 انضمت دول أوروبية إلى العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي كحظر تجارة السلع الفاخرة مع سورية، بالإضافة إلى تعزيز القيود على القطاعات الأمنية وتكنولوجيا الاتصالات، إلى جانب تجميد أصول 120 شخصية ومؤسسة سورية، بما في ذلك الرئيس المخلوع بشار الأسد والبنك المركزي السوري، قبل أن يعلن الاتحاد الأوروبي في مارس/آذار 2021 أن العقوبات مستمرة حتى الانتقال السياسي للسلطة والتي لم تزل مستمرة حتى اليوم.
وكانت نتائج تقرير للأمم المتحدة أصدرته في يوليو/تموز العام الماضي، قد أكدت أن العقوبات المفروضة على سورية تعطل توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية والمساعدات الإنسانية، مما يحد بشكل مباشر الوصول إلى الإمدادات الطبية والمياه واستيراد المعدات والمواد التعليمية وغير ذلك من خدمات.