استأنف الجنيه الإسترليني هبوطه اليوم الأربعاء، بعدما وجه صندوق النقد الدولي ووكالة التصنيف موديز توبيخاً لبريطانيا بشأن خطط الإنفاق الجديدة.
وانخفض الجنيه بنسبة 0.56% إلى 1.068 دولار مع تجدد إلقاء قوة الدولار بثقله أيضاً على العملة. وارتفع اليورو بنسبة 0.13% مقابل الجنيه إلى 0.895، وذلك وسط تحذيرات من دخول الاقتصاد في "حلقة الهلاك"، بالتزامن مع توبيخ صندوق النقد الدولي للحكومة البريطانية.
وسجل الجنيه الإسترليني أدنى مستوى له على الإطلاق مقابل الدولار عند 1.0327 دولار يوم الإثنين، مع تخلي المستثمرين عن الأصول البريطانية بعدما كشف وزير المالية كواسي كوارتنغ عن خطط لخفض الضرائب وزيادة الاقتراض.
وكان كواسي كوارتينغ، وزير الخزانة، أعلن في وقت سابق، خطط الخفض الضريبي الأكبر في البلاد منذ خمسين عاما، بقيمة تقترب من 45 مليار جنيه إسترليني، سيتم توفيرها عن طريق الاقتراض الحكومي. ومن المقرر أن ينشر كوارتينغ خططه الاقتصادية بالتفصيل للربع المالي الثالث من السنة المالية في الثالث والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، ويمكن أن يتضمن إعلانه إيضاح تراجع معدلات الدين.
وأصدر صندوق النقد الدولي يوم الثلاثاء بيانا قال فيه: "نحن لا نوصي بالحزم المالية الكبيرة وغير المستهدفة في وقت ارتفاع التضخم". واقترح على حكومة المملكة المتحدة "إعادة تقييم" خططها. وقالت وكالة التصنيف موديز إن التخفيضات الضريبية غير الممولة "سلبية الائتمان"، ومن المرجح أن تؤثر على النمو.
انتقادات لاذعة
وانتقد صندوق النقد الدولي ووكالة التصنيف موديز الاستراتيجية الاقتصادية الجديدة لبريطانيا، بالوقت الذي يستعد فيه المستثمرون لمزيد من الفوضى في الأسواق التي أجبرت بنك إنكلترا بالفعل على التعهد بعمل "مهم".
وأدى التدخل النادر من المقرض العالمي الذي يمثل الملاذ الأخير إلى زيادة الضغط على وزير المالية الجديد كواسي كوارتنغ لإعادة تقييم السياسة التي أدت إلى انهيار قيمة الأصول البريطانية، وتسبب في ارتفاع تكاليف الاقتراض في المملكة المتحدة وأوروبا. كما أدى إلى حدوث اضطرابات في سوق الرهن العقاري، مما أدى إلى تحذيرات من انخفاض حاد في أسعار المساكن.
واندلعت الأزمة الأخيرة التي ضربت بريطانيا يوم الجمعة، عندما وضع كوارتنغ ورئيسة الوزراء ليز تراس رؤيتهما للعودة إلى تخفيضات ضريبية عميقة وإلغاء الضوابط لإخراج الاقتصاد من سنوات تباطؤ النمو.
وقال صندوق النقد الدولي إن المقترحات، التي دفعت الجنيه إلى أدنى مستوى له على الإطلاق عند 1.0327 دولار يوم الإثنين، من المرجح أن تزيد من عدم المساواة. وشرح: "بالنظر إلى ضغوط التضخم المرتفعة في العديد من البلدان، بما في ذلك المملكة المتحدة، فإننا لا نوصي بالحزم المالية الكبيرة وغير المستهدفة في هذه المرحلة، حيث من المهم ألا تعمل السياسة المالية في أغراض تتعارض مع السياسة النقدية". ووصف جيم ريد، استراتيجي الأبحاث في دويتشه بنك، "التوبيخ" بأنه "لاذع للغاية".
وفي بيان صريح، قالت وكالة موديز إن التخفيضات الضريبية الكبيرة غير الممولة كانت "سلبية للائتمان" بالنسبة لبريطانيا. وشرحت "موديز" أن "صدمة الثقة المستمرة الناشئة عن مخاوف السوق بشأن مصداقية الاستراتيجية المالية للحكومة التي أدت إلى ارتفاع تكاليف التمويل هيكلياً، يمكن أن تضعف بشكل دائم قدرة المملكة المتحدة على تحمل الديون".
ويحتل صندوق النقد الدولي أهمية رمزية في السياسة البريطانية. فقد أدى إنقاذ بريطانيا في عام 1976 في أعقاب أزمة ميزان المدفوعات إلى إجراء تخفيضات هائلة في الإنفاق، وكان يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه نقطة منخفضة مذلة في التاريخ الاقتصادي الحديث للبلاد.
واعتبر صندوق النقد الدولي أن الميزانية المستحقة من كوارتنغ في 23 نوفمبر ستوفر "فرصة مبكرة لحكومة المملكة المتحدة للنظر في طرق تقديم الدعم الأكثر استهدافاً، وإعادة تقييم الإجراءات الضريبية، خاصة تلك التي تفيد أصحاب الدخل المرتفع".
ويوم الثلاثاء، قال كبير الاقتصاديين في بنك إنكلترا، هوو بيل، إن البنك المركزي من المرجح أن يقدم زيادة "كبيرة" في أسعار الفائدة عندما يجتمع في نوفمبر المقبل، مضيفاً أن اضطرابات الأسواق المالية سيكون لها تأثير كبير على الاقتصاد.
تحذير شديد الخطورة
وحذر الخبير الاقتصادي جوليان جيسوب، اليوم الأربعاء، من أن الاقتصاد البريطاني قد ينتهي به الأمر في "حلقة هالكة" من انخفاض العملة وارتفاع أسعار الفائدة، لكنه شدد على أنه يعتقد أن تحركات السوق الأخيرة كانت رد فعل مبالغا فيه.
وأضاف: "أعتقد أنه من الصحيح القلق بشأن انخفاض الجنيه وارتفاع أسعار الفائدة طويلة الأجل، وهناك خطر أن ينتهي بنا المطاف في حلقة هالكة من انخفاض العملة، وارتفاع أسعار الفائدة وضعف النمو". وشرح في حديث لراديو "4": "من الواضح أن ذلك سيقوض جدول أعمال الحكومة الجديدة. لكنني أعتقد أيضاً أن الناس بالغوا في رد فعلهم في خضم الأيام القليلة الماضية".
وقال جورج سارافيلوس، الرئيس العالمي لاستراتيجية العملات الأجنبية في دويتشه بنك، إن المستثمرين يريدون الآن المزيد لتمويل عجز البلاد، بما في ذلك رفع سعر الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس بحلول نوفمبر/ تشرين الثاني، ورفع سعر الفائدة النهائي بنسبة 6%.
وتابع سارافيلوس: "هذا هو مستوى علاوة المخاطرة الذي تطلبه السوق الآن لتحقيق الاستقرار في العملة. إذا لم يتحقق هذا، فهناك مخاطر بمزيد من ضعف العملة، ومزيد من التضخم المستورد، والمزيد من التشديد، وصولاً للدخول إلى حلقة مفرغة".
ومع ذلك، قال جيمس مالكولم، رئيس استراتيجية الصرف الأجنبي في UBS، لـ"رويترز"، إن انخفاض الجنيه يوم الأربعاء كان بسبب قوة الدولار أيضاً. وشرح: "أعتقد أننا بحاجة إلى وضع الموضوع في سياقه. أعتقد أنه من المرجح أن يتعافى الجنيه إلى حد ما، حيث إن سعره معقول بعدما هبط بأكثر من 20% خلال العام الماضي".
وسجل مؤشر الدولار أعلى مستوى له في 20 عاماً عند 114.78، وارتفع في آخر مرة بنسبة 0.42%، حيث سعى المستثمرون إلى التلطي بأمان العملة الأميركية. وارتفعت عائدات السندات الحكومية البريطانية في الأسبوع الماضي، مما يعكس مخاوف المستثمرين بشأن المصداقية المالية للمملكة المتحدة. وارتفعت الفائدة لأجل 10 سنوات إلى 4.582% يوم الأربعاء، وهو أعلى مستوى منذ انهيار بنك الاستثمار الأميركي الفاشل ليمان برزرس في أواخر عام 2008.