بتأثير من تقلبات أسعار صرف العملات وخفض الإنتاج النفطي إثر انقطاع التصدير عبر خط أنابيب نفط كركوك – جيهان التركي، تشير التقديرات إلى حدوث انكماش في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي غير النفطي في العراق بنسبة عالية تصل إلى 9% على أساس سنوي في الربع الأخير من العام الجاري مقارنة بنظيره سنة 2022، بما يعني تقويض مفاعيل النمو المحقق في الأرباع الثلاثة الأول من هذا العام، وفقاً لتقديرات البنك الدولي الذي يعتقد أن اقتصاد البلاد أصبح "هشّاً".
في هذا الصدد، يرى الخبير الاقتصادي والمالي عبد الرحمن الشيخلي في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن تقديرات البنك الدولي "صادمة" لاحتوائها على معلومات صادقة وأكيدة، وهي تدق ناقوس الخطر لمستقبل العراق الاقتصادي، لكنه يرى، في الوقت ذاته، أنها تنطوي على بعض "المبالغة".
ومن ذلك، مثلاً، أن الأرقام المعلنة في أحدث تقارير البنك تشير إلى أن إجمالي الدين العام يعادل 76 مليار دولار موزعة على 55 ملياراً ديناً داخلياً و21 ملياراً ديناً خارجياً، في حين أن الديون يستطيع العراق تسديدها بسهولة، لأنه يمتلك ناتجاً محلياً مرتفعاً، خاصةً أن الدين يشكل ما بين 30% و35% من إيرادات الإنتاج النفطي فقط.
كما أكد الشيخلي لـ"العربي الجديد" أن الاقتصاد العراقي "هشّ" مثلما وصفه تقرير البنك الدولي، بسبب الاعتماد على موارد النفط وتفاقم الحالة الريعية، مع تدنّي مصادر الموارد الأُخرى في الموازنة العامة، مما جعل الاقتصاد ريعياً بامتياز، مضيفاً إلى ذلك انعدام العلاقة الاقتصادية المنطقية بين حجم النفقات من المخصصات المالية وكمية ونوعية المنجزات المحققة من المشاريع الحكومية في ظل التهام الفساد مبالغ ضخمة، مع تدني مستوى المنجزات الخدمية والتنموية المحققة في إطار الموازنات السنوية للدولة، مع زيادة نسبة الفقر والبطالة وارتفاع حجم الديون التي يتحملها الاقتصاد الوطني، وكل هذه، برأيه، أسباب جعلت الاقتصاد ضعيفاً.
وتعقيباً على أسباب هشاشة، يرى المحلل السياسي حيدر الموسوي لـ"العربي الجديد" أن أبرزها تفشّي الفساد المالي في جميع قطاعات الحياة، وتوجّه الدولة للاعتماد الكلي على قطاع النفط الذي يُغذي 98% من الناتج المحلي ويُعتبر أساس استمرار الحياة الاقتصادية"، عازياً التدهور الاقتصادي إلى سوء الإدارة وعدم وجود برامج تنموية وإصلاحية وخطط اقتصادية فعالة وغياب النظرة الحقيقية إلى الارتقاء بالمستوى العام للبلاد، وعدم وجود أدوات رصينة تُسهم في التخفيف عن كاهل المواطنين والاقتصاد، في حين أن "الحكومات لم تتخذ أي إجراءات فعالة لتنشيط القطاعين الصناعي والزراعي ليكونا رديفين لقطاع الطاقة، بما يجنّب البلد كارثة اقتصادية مستقبلاً".
وكان عدد من خبراء الصندوق الدولي قد اجتمعوا مع مسؤولين عراقيين في الأردن بين 24 و31 مايو/ أيار الماضي، وتباحثوا بشأن التطورات الاقتصادية وخطط السياسة العامة لاقتصاد البلاد في الفترة المقبلة، مؤكدين في ختام الاجتماع، في بيان مفصّل، أن "زخم نمو الاقتصاد العراقي شهد تباطؤاً في الأشهر الأخيرة، بعد تعافي البلد في العام الماضي إلى وضع ما قبل جائحة كورونا".
وأتبع البنك الدولي تلك المناسبة بتأكيد أن "الاقتصاد العراقي هشّ" مشيراً إلى أن مزاد البنك المركزي تسبب في إعادة توجيه العملة الصعبة إلى السوق الموازية، ما أدّى إلى خفض قيمة الدينار مقابل الدولار، وأدى بالتالي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل ملحوظ.
وبحسب تقرير البنك الدولي الصادر بعنوان "تعافي العراق في خطر" بتاريخ 20 أغسطس/ آب الماضي، ثمة ضغوط متجددة"، إذ إنه يعاني من ركود الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، والصناعات والأنشطة الزراعية، مصحوباً بارتفاع معدلات التضخم، بينما يفتقر العراق في ظل حكومته الحالية إلى إصلاحات هيكلية واسعة النطاق تعزز اقتصاده وتنوّع إيرادات خزينته العامة بدلاً من اعتمادها على النفط حصراً.
وفي السياق جاء إبداء البنك الدولي تحفّظه على الموازنة العامة الأخيرة، حيث انتقد الزيادة الكبيرة في حجم النفقات العامة بنسبة بلغت 59% قياساً بالعام 2022، لتمثل 74.3% من إجمالي الإنفاق، مما سيؤدي إلى عجز مالي كبير قدره 39.7 مليار دولار ويمثل 14.3% من حجم الواردات العامة، أي أكثر من نصف الاحتياطات القياسية الأخيرة التي تراكمت في أعقاب طفرة أسعار النفط.
وبحسب تقرير صادر عن "المركز العالمي للدراسات التنموية" في لندن يوم الأربعاء الماضي، يخسر العراق سنوياً ما لا يقل عن 5 مليارات دولار جراء استيراده المشتقات النفطية رغم امتلاكه ثاني أكبر احتياطي للنفط في منظمة "أوبك"، مشيراً إلى أن العراق يمتلك قدرات لتكرير 1116 مليون برميل يومياً، في حين أن إنتاجه الحالي لا يتجاوز الـ950 ألف برميل، في حين أن عودة مصفاة بيجي للعمل من شأنها رفع القدرات التكريرية إلى 1260 مليون برميل، بما يسد حاجة البلاد الاستهلاكية من المنتجات النفطية.