اقتصاد الحرب يشعل منافسة على عمال روسيا... وشركات الطاقة في مأزق

08 مايو 2024
مصنع روسي لإنتاج الأسلحة والمركبات العسكرية في سانت بطرسبرغ، 18 يناير 2023 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- اقتصاد الحرب في روسيا يخلق منافسة شديدة على القوى العاملة، خاصة في قطاع الطاقة الحيوي، مع نقص حاد في الموظفين يؤثر على الشركات في جميع القطاعات.
- صناعة النفط والغاز تواجه نقصًا في العمالة، مع الحاجة إلى 40 ألف موظف جديد، وترفع الأجور لمنافسة الجيش وشركات تصنيع الأسلحة لجذب العمال.
- الأزمة الديموغرافية والعقوبات الدولية تفاقم من مشكلة نقص العمالة، مع تقلص عدد السكان في سن العمل وانخفاض جاذبية روسيا للمهاجرين، مما يتطلب حلول جذرية.

يشعل اقتصاد الحرب في روسيا منافسة على القوى العاملة، في وقت يؤثر نقص الموظفين والعمال على الشركات في جميع القطاعات، لاسيما الطاقة التي تعد شريان الحياة للبلد الذي يخوض صراعاً مكلفاً في أوكرانيا منذ فبراير/ شباط 2022 ويواجه عقوبات واسعة من قبل الغرب.

وبينما ظلت صناعة النفط والغاز تشكل عنصراً حاسماً في تمويل الحرب، فإنها تواجه نقصاً في القوى العاملة، وتجد شركات الطاقة التي تقدم أجوراً مرتفعة نفسها الآن مضطرة لمنافسة الجيش الروسي وشركات تصنيع الأسلحة على العمال، وفقاً لمحللين وقائمين بالتوظيف يعملون في الصناعة. وربما تكون المكافأة المقدمة لجندي يقاتل في أوكرانيا معادلة لأجر عام تقريباً لعامل في حقول النفط والغاز.

وتجلت هذه التطورات في وقت تواجه روسيا انكماشاً في عدد سكانها ممن هم في سن العمل لنحو عقدين. ويؤثر نقص الموظفين الآن على الشركات في جميع قطاعات الاقتصاد، وفقاً لتقارير حديثة صادرة عن البنك المركزي الروسي. وربما يكون تأثير هذا النقص طويل الأمد على الرغم من أن صناعة النفط والغاز تبدو وكأنها تسير بسلاسة.

ويحتاج قطاع النفط والغاز الروسي إلى نحو 40 ألف موظف هذا العام، وفقاً لتقديرات شركة "كاساتكين كونسلتينغ" ومقرها موسكو، والتي كانت سابقاً مركز بحوث تابعاً لـ"ديلويت" وهي واحدة من كبريات شركات الخدمات المهنية في العالم. رفعت الصناعة عدد الوظائف المعلن عنها عبر الإنترنت في الربع الأول بنسبة 24% مقارنة بالعام السابق، بحثاً عن عمالة ماهرة وغير ماهرة أيضاً، حسب بيانات منصة التوظيف الروسية الرئيسية "إتش إتش دوت أر يو".

وقالت آنا أوسيبوفا، رئيسة الاتصالات الخارجية الإقليمية لدى "إتش إتش دوت أر يو"، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية إن "هذه الصناعة لديها شواغر متاحة للكهربائيين والسائقين والميكانيكيين والجزارين والتقنيين والعمالة العامة ومديري المبيعات ومهندسي التصميم والبائعين".

ولطالما كانت صناعة النفط والغاز واحداً من القطاعات الأعلى أجراً في روسيا، فهي تقدم أجوراً تفوق المتوسط الوطني بنسبة تزيد عن الثلثين منذ 2017، وفقاً لحسابات بلومبيرغ المستندة إلى بيانات هيئة الإحصاء الفيدرالية. وفي شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، بلغ متوسط الأجر الشهري في الصناعة، بما فيها للعاملين في إنتاج النفط والغاز والخدمات والتكرير وشحنات خطوط الأنابيب والتخزين، نحو 125.2 ألف روبل (حوالي 1340 دولاراً). بينما لم يعد هذا المبلغ ينافس ما يقدمه الجيش الروسي للتعاقد مع الجنود. فبجانب مكافأة التسجيل الوطنية الموحدة على مستوى البلاد والبالغة 195 ألف روبل، يقدم كل إقليم روسي دفعة خاصة لمرة واحدة للمجند الجديد والتي تصل إلى مليون روبل.

وقال الشريك في "كاساتكين كونسلتينغ" ديمتري كاساتكين إنّ "التنافس مع أجور القوات المسلحة والمجمع الصناعي العسكري أثر بالتأكيد" على توافر القوى العاملة في صناعة النفط والغاز الروسية. وفي السياق، أشار أليكسي زاخاروف، رئيس شركة التوظيف عبر الإنترنت "سوبر جوب دوت آر يو" إلى أن نقص العمالة أثر حتى على الصناعات الغنية، مضيفاً أنه يمكن لقطاع النفط والغاز جذب موظفين بأجور أعلى، لكن الدولة تنافس من خلال تقديم عقود عسكرية.

وإذا لم يرغب العامل في المشاركة في حرب أوكرانيا، فهناك أيضاً عقود مربحة متاحة مع الشركات المصنعة للمعدات العسكرية. يأتي ذلك وسط ارتفاع الطلب على الدبابات والمركبات المدرعة والأسلحة، وواصلت مصانع الأسلحة البحث عن عمال في سوق العمل الضيقة. وفي العام الماضي، رفعت شركة الدفاع الحكومية الروسية "روستيك" الأجور بمعدل 17.2% في المتوسط.

وتعود أزمة السواعد الشابة الحالية إلى تسعينيات القرن الماضي، حيث أدى الاضطراب الاقتصادي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي إلى انخفاض معدلات الخصوبة. وبين عامي 2007 ونهاية 2021، تقلص عدد السكان في سن العمل بمقدار 5.8 ملايين شخص، وفقاً للبيانات الإحصائية. وتفاقمت المشكلة بسبب تفشي وباء كورونا، فقد تُوفي نحو 750 ألف شخص في روسيا بين 2020 و2022 بسبب كورونا بشكل رئيسي، بحسب بيانات هيئة الإحصاء الفيدرالية.

وتراجعت نسبة الموظفين دون عمر الـ30 في سوق العمل الروسي إلى 14.9% في 2022، وهو أدنى مستوى منذ أوائل 1990، حسب تقديرات شركة التدقيق والاستشارات "فين إكسبرتيزا". كما تسبب تقييد تدفق العمالة من الخارج في اتضاح أزمة العمالة أخيراً. كذلك أضعفت العقوبات الدولية الروبل الروسي، ورفعت التضخم، وعقدت التحويلات المالية الدولية، مما خفض من جاذبية روسيا بالنسبة للمهاجرين من الدول السوفييتية السابقة. فقد بلغت الهجرة الصافية الرسمية للمهاجرين الأجانب للدولة نحو 110 آلاف شخص خلال العام الماضي، أي ربع مستوى 2021، وهو آخر عام للإحصاءات قبل شن الحرب.

وهذا المستوى من الهجرة ليس سوى قطرة في محيط احتياج روسيا للعمالة، وفق وصف "بلومبيرغ". فقد كانت الدولة بحاجة إلى 1.86 مليون عامل إضافي في نهاية مارس/آذار الماضي، وفقاً لبيانات هيئة الإحصاء الفيدرالية القائمة على طلبات الشركات إلى مراكز العمل.

المساهمون