اضطرابات كوريا الجنوبية تربك خطط أميركا لمواجهة الصين

12 ديسمبر 2024
كوريون يتظاهرون في سيول ضد رئيس البلاد بعد إعلانه الأحكام العرفية، 4 ديسمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت كوريا الجنوبية اضطرابات سياسية بعد محاولة الرئيس يون سوك يول الفاشلة لفرض الأحكام العرفية، مما يعقد العلاقات مع الولايات المتحدة وسط مخاوف من سياسات ترامب الحمائية.
- المعارضة اليسارية بقيادة لي جاي ميونغ تسعى لعزل يون سوك يول وتنتقد تقاربه مع اليابان، مفضلة تحسين العلاقات مع الصين، مما قد يغير السياسة الخارجية لكوريا الجنوبية.
- تواجه كوريا الجنوبية تحديات اقتصادية بسبب سياسات ترامب الحمائية، مما قد يقلص صادراتها ويزيد الضغوط التضخمية، في ظل فائض تجاري قياسي مع الولايات المتحدة.

جاءت الاضطرابات السياسية في كوريا الجنوبية، التي أثارتها المحاولة الفاشلة لفرض الأحكام العرفية من جانب الرئيس يون سوك يول، الأسبوع الماضي، لتزيد من غموض المشهد فيما يتعلق بالتقارب الاقتصادي والسياسي مع الولايات المتحدة الأميركية، والتي خيّم عليها الارتياب في الأساس، بسبب مخاوف الكوريين من سياسات "الحمائية" التي يتبناها الرئيس المنتخب دونالد ترامب، والتي لا تفرّق بين حليف وعدو.

ولطالما تفاخر الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي تشرف ولايته على الانتهاء، بأن الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان "صنعوا التاريخ" عندما عقد زعماء الدول الثلاث أول قمة ثلاثية لهم على الإطلاق في كامب ديفيد العام الماضي. ولم يكن الاجتماع ليحدث لولا يون سوك يول، وهو مؤيد قوي للولايات المتحدة، وقاد التقارب مع اليابان، بينما اتخذ موقفاً أكثر تشدداً حيال الصين وكوريا الشمالية.

ومع مواجهة "يون" الآن المساءلة بعد محاولته الفاشلة فرض الأحكام العرفية، تثار تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة الجديدة في سيول من المحتمل أن تكون من المعارضة، وهو ما قد يُعقّد جهود واشنطن في عهد ترامب الذي يتولى المسؤولية في العشرين من يناير المقبل، لمواجهة صعود الصين كقوة عظمى اقتصادياً وعسكرياً أيضاً، وفقاً لدبلوماسيين ومسؤولين ومحللين.

ومن المقرر أن يقدم الحزب الديمقراطي اليساري المعارض الرئيسي في البلاد، اقتراحا جديداً إلى الجمعية الوطنية، اليوم الخميس، لعزل الرئيس "يون"، وفق ما نقلت وكالة "يونهاب" الكورية، أمس، وذلك بعد أيام من إفلاته من العزل بسبب مقاطعة معظم نواب الحزب الحاكم للتصويت، يوم السبت الماضي، ما أدى إلى عدم اكتمال النصاب القانوني للتصويت.

مقترح ثانٍ لعزل الرئيس الكوري

وأشارت الوكالة إلى أن الحزب الديمقراطي يخطط لطرح مقترحه للتصويت في جلسة عامة، يوم السبت المقبل. وبموجب القانون، يجب أن يُطرح اقتراح العزل للتصويت بين 24 و72 ساعة بعد تقديمه للجلسة العامة. ومن المتوقع أن يتضمن الاقتراح الثاني مزاعم قيام "يون" بتوجيه أوامر مباشرة لقوات الأحكام العرفية بإغلاق الجمعية الوطنية واعتقال النواب، وهو ما يرقى إلى عمل من أعمال التمرد.

ومع التغيرات السياسية المرتقبة في كوريا الجنوبية، يرجح دانييل شنايدر، المحاضر في دراسات شرق آسيا في جامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا الأميركية، أن تتبنّى الحكومة اليسارية المقبلة في كوريا الجنوبية مواقف معاكسة لسياسة "يون"، الذي تعرضت مواقفه في السياسة الخارجية بالأساس لانتقادات شديدة من قبل الحزب الديمقراطي المعارض وزعيمه "لي جاي ميونغ"، المرشح الأوفر حظًا لاستبدال "يون" في حالة رحيل الرئيس مبكراً، وفق تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية أمس.

انتقد "لي" بشدة التقارب الدبلوماسي لكوريا الجنوبية مع اليابان، في إطار القمة الثلاثية التي رعتها واشنطن في 2023. ووصف هذا التقارب مع طوكيو تحت قيادة يون بأنه "اللحظة الأكثر خزياً وكارثية في تاريخ بلادنا الدبلوماسي". كما أثار زعيم المعارضة الجدل العام الماضي بظهوره العلني المشترك مع السفير الصيني آنذاك لدى كوريا الجنوبية، عندما كانت العلاقات بين البلدين في أزمة، بعدما اتهم "يون" بكين بأنها مسؤولة عن التوترات في مضيق تايوان.

ولطالما كانت ميول زعيم المعارضة نحو التقارب أكثر مع الصين محط انتقاد له من قبل حزب سلطة الشعب الحاكم. وفي مارس/آذار الماضي، اتهم الحزب الحاكم زعيم المعارضة باتخاذ موقف "خاضع" تجاه الصين عندما قال في تجمع انتخابي إن كوريا الجنوبية يجب أن تقول "شكرا" باللغة الصينية للصين، بدلاً من إثارة غضب المستهلكين الصينيين بالدبلوماسية العدائية. وقال جايوو تشو، رئيس مركز الصين في معهد أبحاث كوريا للأمن القومي في سيول، وفق تقرير الصحيفة البريطانية، أمس: "يمكن وصف لي والحزب الديمقراطي بأنهما مؤيدان للصين، لأنهما يعتبران تحسين العلاقات مع بكين شرطاً أساسياً لتحسين العلاقات مع الشمال".

علاقات دافئة مع الصين في حال رحيل "يون"

في السياق، قال زاك كوبر، الخبير في شؤون الأمن في آسيا في معهد "أميركان إنتربرايز" البحثي في واشنطن: "بصفته زعيماً محافظا لدولة بالغة الأهمية، كان يون في وضع مثالي لبناء علاقة مثمرة مع دونالد ترامب". وأضاف كوبر: "رحيله المحتمل، أو ضعفه المحلي إذا بقي، سيترك سيول الآن في موقف صعب". في المقابل، قال شين دينجلي، الأكاديمي المقيم في شنغهاي والخبير في العلاقات الصينية الكورية، إن الصين لن تتوقع بالضرورة علاقات أكثر دفئاً بشكل كبير تحت قيادة زعيم مختلف، بما في ذلك زعيم الحزب الديمقراطي المعارض "لي".

لكن مستشارا سابقا للجيش الأميركي في كوريا الجنوبية رأى أن "إعادة تشكيل" سلاسل الإمداد الاقتصادية والدفاعية والتكنولوجية في المنطقة بقيادة الولايات المتحدة بعيداً عن الصين سوف تستمر، بغضّ النظر عمن سيأتي بعد ذلك في السلطة في سيول. وقال: "الواقع أن البيئة الجيو استراتيجية التي نعيش فيها اليوم سوف تقيد الميول التاريخية لليسار السياسي في كوريا الجنوبية للابتعاد كثيراً عن الولايات المتحدة والتحالف بشكل أوثق مع الصين".

وبينما تزداد حدة الترقب في الولايات المتحدة لتداعيات الاضطرابات السياسية في كوريا الجنوبية واحتمال عزل "يون"، فإن هناك قلقا آخر مبعثه ترامب نفسه، إذ يتوقع أن تتسبب سياسته "الحمائية" وقراراته الصادمة المتعلقة بفرض الرسوم الجمركية على الحلفاء والأعداء في ابتعاد الكوريين عن واشنطن والتقارب أكثر مع بكين، ما يُعقّد المشهد أكثر بالنسبة للولايات المتحدة.

وأظهر استطلاع أجراه اتحاد الشركات الكورية، ونُشرت نتائجه مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، أن 82% من شركات كورية جنوبية تتوقع أن يتأثر الاقتصاد الكوري سلباً بالسياسات الحمائية لإدارة ترامب القادمة، نظرا لاعتماد البلاد الكبير على الصادرات. ووسط الشكوك التي تحيط بالاقتصاد، قالت 49.7% من الشركات إنها تخطط للانتقال إلى وضع "شد الحزام" في العام المقبل. وقال اتحاد الشركات الكورية، إن معدل الشركات التي تتجه إلى التقشف في الإدارة هو الأعلى منذ عام 2019. وضمن تدابير للتقشف، كان خفض التكاليف هو الأكثر ذكراً وفق الاستطلاع بنسبة 66.7%، يليه الاستخدام الفعال للقوى العاملة بنسبة 52.6%، وتخفيض الاستثمارات الجديدة بنسبة 25.6%.

وتعهّد ترامب بفرض رسوم جمركية على السلع الواردة من مختلف أنحاء العالم بنسبة تتراوح بين 10% و20%، بينما لوّح برسوم أكبر تصل إلى 60% على السلع الواردة من الصين. ونهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أطلق الرئيس الأميركي المنتخب "قذائف ترهيبية" مبكرة على ثلاثة من أكبر شركاء الولايات المتحدة التجاريين، إذ تعهد فيما يشبه العرض الافتتاحي بفرض رسوم جمركية كبيرة على الصين والمكسيك وكندا، في أول يوم له في منصبه في العشرين من يناير/كانون الثاني المقبل. فقد قال إنه سيفرض رسوماً جمركية بنسبة 25% على المنتجات القادمة من المكسيك وكندا، لحين اتخاذهما إجراءات صارمة ضد تجارة المخدرات وعبور المهاجرين الحدود بشكل غير قانوني، كما تعهد بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على السلع القادمة من الصين.

وأثارت هذه التهديدات انزعاج كوريا الجنوبية التي ترتبط بمصالح تجارية كبيرة مع الصين وكندا والمكسيك. ونهاية الشهر الماضي، عبّر المكتب الرئاسي في كوريا الجنوبية عن مخاوفه حول التأثير المحتمل للرسوم الجمركية التي اقترحها ترامب، على الشركات الكورية في المكسيك وكندا. وعقد كبير المساعدين الرئاسيين للسياسات "سونغ تيه يون" حينها اجتماعا طارئا لتقييم التأثيرات المحتملة للرسوم التي تعهد ترامب بفرضها على جميع الواردات من المكسيك وكندا، إلى جانب الرسوم الجمركية الإضافية التي لوح بتطبيقها على السلع الصينية.

وقال وزير المالية الكوري الجنوبي "تشوي سانغ موك"، خلال اجتماع الشهر الماضي، مع الوزراء المعنيين لتقييم نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية: "إذا تحققت السياسات التي أكد عليها ترامب، فمن المتوقع أن يؤثر ذلك على اقتصادنا بدرجة كبيرة. ونظرا لسمات اقتصادنا ذات التبعية الخارجية العالية، فإن التقلبات في بيئتنا الصناعية ستزداد بصورة أكبر".

وأظهرت البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة التجارة والصناعة والطاقة الكورية الجنوبية، في وقت سابق من الشهر الجاري، أن صادرات الدولة خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي نمت على أساس سنوي للشهر الرابع عشر على التوالي، لتصل إلى 56.3 مليار دولار، بفضل الأداء القوي لقطاع الرقائق، حيث قفزت صادرات القطاع بنسبة 30.8% إلى 12.5 مليار دولار. وبحسب الوجهة، تصدرت الصين القائمة بصادرات 11.28 مليار دولار.

وكان إجمالي قيمة الصادرات الكورية قد بلغ 632.7 مليار دولار العام الماضي 2023، وفقاً لبيانات وزارة التجارة والصناعة والطاقة. ووفق البيانات، انخفضت الصادرات إلى الصين، وهي أكبر شريك تجاري لكوريا الجنوبية ومصدر مهم لفائضها التجاري، بنسبة 20% في ذلك العام إلى 124.8 مليار دولار، وهو ما أقلق الكوريين الذين يخشون من تأثير الحرب التجارية بين واشنطن وبكين عليهم.

رسوم ترامب على الصين ستقلص صادرات كوريا الجنوبية

ووفقا لتقرير صادر عن المعهد الكوري للسياسات الاقتصادية الدولية، فإن سياسة "الرسوم الجمركية الأساسية الشاملة" البالغة 10%، إذا ما تم فرضها، يمكن أن تؤدي إلى خفض صادرات كوريا الجنوبية بمقدار 44.8 مليار دولار سنوياً. وقد تؤدي إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة تصل إلى 0.67%. وقال "جو وون"، وهو باحث في معهد "هيونداي" للأبحاث إن "مثل هذا الاستخدام واسع النطاق للرسوم الجمركية من شأنه أن يخفض حجم التجارة العالمية ويقلص الاستثمار". وأضاف: "من شأن ضعف الطلب العالمي أن يؤثر بصورة خطيرة على الاقتصاد الكوري الجنوبي، المعتمد على التصدير، في حين أنه من المتوقع بالفعل أن تتباطأ الصادرات خلال النصف الأول من العام المقبل، تماشيا مع دورة أشباه الموصلات".

وقد توقعت وزارة المالية في وقت سابق نمو اقتصاد كوريا الجنوبية بنسبة 2.2% في العام المقبل، متباطئا عن النمو المتوقع لهذا العام والبالغ 2.6%. وقد تؤدي زيادة الرسوم الجمركية إلى تصاعد الضغوط التضخمية وضعف الطلب المحلي في الولايات المتحدة، الأمر الذي قد يؤثر سلبا أيضا على الصادرات الكورية الجنوبية، وفقا للمحللين. كما تصاعدت المخاوف بشأن زيادة الضغط التجاري من قبل الولايات المتحدة على كوريا الجنوبية، بالنظر إلى العجز التجاري الأميركي المتزايد معها. وفي عام 2023، سجلت الولايات المتحدة عجزاً تجارياً قدره 44.5 مليار دولار في التجارة مع كوريا الجنوبية، بارتفاع حاد من العجز البالغ 13.2 مليار دولار في عام 2018.

ويمثل مبلغ 44.5 مليار دولار أعلى فائض تجاري على الإطلاق تسجله كوريا الجنوبية في تجارتها الثنائية مع الولايات المتحدة. وقد بلغ الفائض للأشهر التسعة الأولى من العام الجاري 39.9 مليار دولار، وفقا للبيانات الحكومية.

المساهمون