اشتعال معركة الودائع المكتومة

16 ابريل 2020
احتجاجات أمام جمعية مصارف لبنان (حسين بيضون/العربي الجديد)
+ الخط -
أشعلت الحكومة اللبنانية معركة ظلّت مكتومة ومسكوتاً عنها طوال سنوات طويلة، بل كان الحديث عنها أقرب إلى المحرمات في كل دول المنطقة، بسبب مخاطره الشديدة على ثقة المودعين والقطاع المصرفي معاً.

وعندما كان أحد يسأل: ما مصير الودائع في أحد البنوك المفلسة أو التي تواجه حالة تعثر مالي، كان رد السلطات النقدية وأجهزة الدولة جاهزاً: "دعوا الفتنة نائمة"، ولكل حادث حديث.

لكن ما حدث في لبنان خلال الأيام الماضية جعل الملف يسطو على السطح، فحسب خطة مقترحة لحكومة لبنان فإنه ستتم مصادرة 10% من أموال كبار المودعين.

وبررت الحكومة هذه الخطوة بالحصول على سيولة نقدية تمكنها من مساعدة البلاد على اجتياز أزمتها المالية الحادة، وتغطية الخسائر الفادحة في النظام المالي والمصرفي، وحسب تأكيدات رسمية فإن الخطة تأتي ضمن إجراءات أُخرى صعبة لإعادة هيكلة مصرف لبنان المركزي والبنوك التجارية، وتأسيس صندوق خاص لتعويض خسائر المودعين الناجمة عن إعادة الهيكلة.

وما إن تم الكشف عن هذه الخطة حتى انتشر القلق الشديد بين المتعاملين مع البنوك اللبنانية كالنار في الهشيم، ومن هنا تدخّل نبيه برّي رئيس مجلس النواب أكثر من مرة وفي أقل من أسبوع محاولاً تهدئة مخاوف أصحاب المدخرات، قائلاً مرة إن أموال المودعين خط أحمر، وأخرى إنها مصانة، وقبلها أكد برّي لحاكم مصرف لبنان المركزي، رياض سلامة، أن ودائع الناس في المصارف "من المقدّسات" التي يجب عدم المساس بها.
لكن رغم ذلك لا يزال القلق يساور المودعين، خاصة أن حكومة حسان دياب لم تعلن بعد عن التصور النهائي لخطتها، ولم يعرف بعد ما إذا كان سيتم تمرير مقترح مصادرة نسبة من أموال المودعين لصالح الدولة وخزانتها العامة أم لا، وما هو رأي رياض سلامة وقبله ميشال عون والنخبة الحاكمة التي تعد صاحبة النصيب الأكبر من هذه الودائع.

وما إن هدأت قليلاً جبهة لبنان المشتعلة منذ أكثر من أسبوع، انتظاراً لإعلان الشكل النهائي للخطة الحكومية، حتى اشتعل قلق بعض المودعين في مناطق أخرى، منها مصر وتونس وليبيا والجزائر والسودان وسورية والعراق والأردن وغيرها من دول المنطقة، خاصة تلك التي تعاني من مشاكل مالية واقتصادية.

وبات سؤال هؤلاء: هل يمكن أن يتكرر السيناريو اللبناني، إن تم تمريره، في دول عربية أخرى، كما سبق أن تم تطبيقه في دول أوروبية مثل قبرص التي صادرت 47.5% من أموال المودعين في عام 2013 عقب تعثر البلاد وعجزها عن سداد ديونها الخارجية.

وزاد قلق هؤلاء المودعين مع زيادة المخاطر التي تواجه الاقتصاديات المحلية والعالمية على السواء جراء تفشي فيروس كورونا، وما صاحبه من تداعيات خطيرة وخسائر فادحة مست كل القطاعات بما فيها القطاع المالي، إضافة إلى تهاوي أسعار النفط، وما له من تأثيرات سلبية خطيرة سواء على الدول النفطية سواء الخليج أو ليبيا والجزائر والعراق، أو الدول العربية المصدرة للعمالة والمستقبلة للاستثمارات الخارجية والتحويلات والتي يمكن أن تتأثر سلبا بهذا التهاوي.
في مصر مثلاً، يوفر قانون البنوك والائتمان ضمانة وتغطية كاملة لأموال المودعين في البنوك في حال تعرضها لأية مخاطر مالية مثل التعثر والافلاس وعجز في السيولة النقدية وغيرها.
 
وقد برهن البنك المركزي المصري على ذلك بشكل عملي طوال السنوات الماضية، فقد ضمن أموال المودعين في نحو 10 بنوك متعثرة، بعضها أغلقت أبوابها بسبب الافلاس وتآكل رؤوس أموالها، وأخرى تم دمجها في بنوك أخرى لعجزها عن حماية مدخرات العملاء وقبلها الأصول الرأسمالية.

ومن بين هذه البنوك: النيل والدقهلية التجاري والاعتماد والتجارة ومصر اكستريور والأهرام والمصري المتحد والمهندس والمصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية والعمال المصري، فكل هذه البنوك وغيرها انهارت وأفلست بسبب سوء الإدارة وفساد القائمين عليها، ورغم ذلك لم يفقد مودع بها جنيهاً واحداً من مدخراته.

لكن ماذا عن الدول التي لا تنص قوانينها صراحة على حماية أموال المودعين في حال تعثر البنوك أو تمنع مصادرتها في حال تعثر الدولة، وماذا عن حقوق المودعين في الدول التي ليس فيها صناديق للتأمين على هذه الودائع أو أنظمة لتعويض أصحاب المدخرات في البنوك المتعثرة؟
المساهمون