على الرغم من حزمة الإصلاحات التي أطلقها رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، منذ ما يزيد على عام كامل في ملفات وقضايا الفساد والمشاريع المتلكئة منذ فترات يصل بعضها إلى أكثر من 10 سنوات، ما زالت البلاد تشهد تعثراً في تنفيذ آلاف المشاريع التي تصل قيمتها إلى عشرات مليارات الدولارات.
ويعزو نواب في البرلمان أسباب ذلك إلى الفساد بالدرجة الأولى، إضافة إلى غياب آليات لمحاسبة الشركات المتلكئة.
ومطلع الأسبوع الماضي، أقرّ رئيس لجنة الخدمات في البرلمان العراقي، وليد السهلاني، في إيجاز قدمه للصحافيين من بغداد باستمرار مشكلة المشاريع المتلكئة التي لم تُنجَز في قطاعات عديدة، منها الصحة والمياه والكهرباء، ومشاريع في البنى التحتية في المدن الرئيسة، ولا سيما العاصمة بغداد.
وأوضح أن "الفساد سبب رئيسي في تلكؤ المشاريع بشكل عام، ويبدأ من إحالة تلك المشاريع لشركات ضعيفة".
وتابع: "الحكومة السابقة أكدت أن نسبة الهدر في المال العام بلغت أكثر من 300 مليار دينار عراقي (نحو 200 مليون دولار) جراء المشاريع المتلكئة التي أحيلت على شركات غير قادرة على إنجازها".
السهلاني: الحكومة السابقة أكدت أن نسبة الهدر في المال العام بلغت نحو 200 مليون دولار جراء المشاريع المتلكئة التي أحيلت على شركات غير قادرة على إنجازها
يُذكَر أنّ الحكومة العراقية السابقة برئاسة عادل عبد المهدي (2018-2019) كانت قد شكلت "المجلس الأعلى لمكافحة الفساد" لمتابعة مختلف القضايا، ومنها الهدر بسبب المشاريع المتلكئة، الا أنه لم ينجز شيئاً في هذا الملف.
ولا تتوافر أرقام رسمية بشأن المشاريع المتلكئة في البلاد، لكنّ مسؤولاً حكومياً في بغداد قال لـ"العربي الجديد" إنها تتجاوز ثمانية آلاف مشروع، أغلبها يتعلق بقطاعات خدمية مثل الصحة والتعليم والمياه والكهرباء والإسكان والجسور، فضلاً عن مشاريع في القطاع الزراعي والصناعي.
وأوضح المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أن بغداد والبصرة وبابل وذي قار وديالى احتلت في السنوات العشر الأخيرة الصدارة في عدد المشاريع المتعثرة أو غير المكتملة التي أحيلت على الشركات العراقية أو شركات إيرانية.
وأشار إلى أنّ قيمة المشاريع تبلغ عشرات مليارات الدولارات، وتتمثل بخسارة العراق أنه دفع مقدمات مالية للشركات بواقع يصل إلى 50 و60 بالمائة من دون أي إنجاز.
وأكد وضع أكثر من 600 شركة محلية في القائمة السوداء خلال الفترة الماضية، لكن هناك الكثير من الشركات تلاشت مع أصحابها، وباتت خارج العراق، معتبراً أن حكومة نوري المالكي أكثر الحكومات إحالة للمشاريع التي لم تنفذ إلا على الورق.
من جانبه، أشار عضو لجنة الخدمات في البرلمان، مضر خزعل، إلى أنّ "البلاد تزدحم بالمشاريع المتلكئة منذ سنوات لأسباب مختلفة، منها الإحالة على شركات غير كفوءة، وغير قادرة على إكمال المشاريع، فضلاً عن الأزمة المالية التي ضربت البلاد ونتج منها توقف كثير من المشاريع".
وأشار خزعل في حديث لـ "العربي الجديد" إلى أن الشركات المنفذة تتحمل المسؤولية الأكبر في التأخير، فضلاً عن مسؤولية المؤسسات الحكومية المعنية التي لا تتابع إنجاز المشاريع، مؤكداً أن لجنة الخدمات في البرلمان عقدت اجتماعات متكررة بشأن المشاريع المعطلة، ونتج من تلك الاجتماعات استئناف عمل بعضها بعد حل المشاكل.
مسؤول يؤكد وضع أكثر من 600 شركة محلية في القائمة السوداء خلال الفترة الماضية، لكن هناك الكثير من الشركات تلاشت مع أصحابها، وباتت خارج العراق
وسبق أن انتقد نواب وسياسيون عدم وجود إجراءات للمحاسبة في ما يتعلق بالتلكؤ عن تنفيذ المشاريع، بسبب الفساد الذي يُعَدّ أحد أخطر الصعوبات التي تنخر مؤسسات الدولة العراقية، وأشاروا إلى أن مشاريع السكن تتصدر المرتبة الأولى بانتشار الفساد فيها من بين قطاعات البلاد الأخرى.
وقال الخبير بالشأن الاقتصادي والمالي العراقي، وليد العبادي، لـ"العربي الجديد" إن أزمة تلك المشاريع أحد أبرز وجوه الفساد في العراق، وقد تكون الأولى من ناحية ضياع مبالغ كبيرة للغاية.
وأضاف العبادي أن غالبية الشركات التي أحيلت عليها المشاريع، كانت تابعة لأحزاب، أو مدعومة من سياسيين نافذين، أو مرتبطة بمسؤولين في الحكومة، لذا لم تخضع للتقييم الفني، ولا حتى القانوني.
واعتبر أن ملاحقة الشركات المحلية المتهربة من إكمال المشاريع وإجبارها على إعادة المبالغ أو إكمال هذه المشاريع يجب أن يكون من خلال حملة وطنية.
بدوره، أكد عضو البرلمان العراقي، جاسم البخاتي، أن تعثر آلاف المشاريع ترتب عنه هدر مالي بعشرات المليارات من الدولارات في مشاريع تتعلق بالبنى التحتية والإسكان والطرق والمشاريع المتعلقة بتوفير المياه.
عضو بالبرلمان العراقي: تعثر آلاف المشاريع ترتب عنه هدر مالي بعشرات المليارات من الدولارات في مشاريع تتعلق بالبنى التحتية والإسكان والطرق والمشاريع المتعلقة بتوفير المياه
وبيّن أن وزارة الإعمار والإسكان تتحمل المسؤولية الأكبر في ذلك، لأن أغلب المشاريع أعطيت من قبلها بناءً على العلاقات الشخصية، مؤكداً وجود مشكلة تتعلق بآليات التعاقد التي تضمنت فترات توقف من قبل الشركات دون أن تكون هناك محاسبة، داعياً إلى اتخاذ إجراءات ضد الشركات المتلكئة، وتحميلها كلفة التأخير.
ولفت إلى أنه يفترض توجيه 3 إنذارات إلى الشركات المعنية، ثم تسحب المشاريع منها، وتتكفل هذه الشركات بالخسائر.
وتابع: "هناك ثغرات قانونية تستغلها الشركات، ومنها التذرع بالأوضاع الأمنية والمناسبات الدينية لتبرير التأخير"، مبيناً أن التلكؤ يندرج تحت عنوان الفساد.