بدأ النظام السوري أواخر عام 2021 بالسماح للفلسطينيين المهجّرين من مخيم اليرموك، الواقع جنوبي العاصمة دمشق، بالعودة إلى منازلهم المدمرة، بعد أكثر من ثلاثة أعوام من إحكام سيطرته على المخيم، ومنذ ذلك الحين نشطت حركة يقودها سماسرة يعملون لصالح مكاتب عقارية في شراء ممتلكات السكان هناك بأسعار زهيدة، مستغلين وضع هذه المنازل التي لا تصلح للسكن، وحاجة العائدين الجدد الماسّة للمال.
ونقلت "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية" تحذيرات من بيع أو شراء منازل ومحال تجارية في مخيم اليرموك، دون وجود محام مختص بالشؤون العقارية، تلافياً لعمليات النصب والاحتيال.
وأشارت إلى أن بعض معقبي المعاملات والمكاتب العقارية يقومون ببيع العقار لأكثر من مالك مستغلين جهل الأهالي بطبيعة سير عمليات البيع والشراء وحاجة الناس الماسة للمال. وبحسب ما أوردته المجموعة على موقعها الرسمي، فإن هناك تحذيرات من عمليات البيع والشراء، لأن أسعار العقارات في سورية تشهد ازدياداً مستمراً، وتوقّعت أن تزيد الأسعار ثلاثة أضعاف السعر الحالي خلال الأشهر المقبلة، خاصة مع بدء عودة الحياة إلى المخيم.
كما أشارت إلى أن قلة الموارد المالية أحد الأسباب الرئيسية لبيع بعض الأهالي ممتلكاتهم، وذلك لعدم قدرتهم على تحمل تكاليف ترميم منازلهم التي دُمرت بسبب العمليات العسكرية التي شنتها قوات النظام السوري مدعومة بالطيران الروسي للسيطرة على المخيم ومحيطه عام 2018.
يقول أحد النازحين إلى مدينة أعزاز بريف حلب لـ"العربي الجديد" إن أحد أقاربه الذي عاد إلى المخيم أخيراً عُرض عليه بيع منزله من قبل عدة أشخاص معروفين بضلوعهم في أعمال عسكرية في صفوف قوات النظام، وأخبروه بأنهم قادرون على استخراج الأوراق اللازمة كالموافقة الأمنية وغيرها من أجل تسهيل عملية البيع، لافتاً إلى أنه حاول استخراجها بنفسه لكنه واجه عدة عقبات.
ويشير المصدر الذي فضّل عدم ذكر اسمه، حفاظاً على سرية أسماء أقاربه الذين عادوا إلى المخيم، إلى أن الكثيرين من السكان رفضوا عروض السماسرة، الذين كانوا بدورهم يعرضون أثماناً مرتفعة بالرغم من حاجتهم الشديدة، ويؤكّد أن عمليات إزالة الأنقاض التي اعتبرت مقدّمة لعودة الحياة للمخيم هي عملية سياسية بحتة، يراد بها خدمة المناطق التي يقطنها موالون للنظام وعائلات كانت تقف إلى جانبه إبّان سيطرة المعارضة عليه.
ويقول المسؤول الإعلامي لمجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية فايز أبو عيد لـ"العربي الجديد" إن معظم عمليات البيع والشراء التي تتم في المخيم هي من قبل سماسرة يعملون في الخفاء، وتدعمهم قوات الأمن التابعة للنظام، مستغلين حاجة الناس للمال، إذ يحاول هؤلاء المدنيون بدء حياتهم من جديد بعد أن تم تهجيرهم وسرقة ممتلكاتهم وتدمير ما بقي منها نتيجة القصف.
ويضيف أن أصابع الاتهام تشير إلى وقوف شخصيات مما تسمى "حركة فلسطين الحرة" الموالية للنظام السوري خلف عملية تجارة العقارات في المخيم، لافتاً إلى أن المنازل تباع والمحلات التجارية تباع بأقل من نصف ثمنها، ويؤكد أن هذه العمليات ليست شرعية بسبب وجود السكان تحت الضغط العسكري من القوات العسكرية المسيطرة على المخيم.
وبحسب "أبو عيد" فإن هناك هجمة كبيرة في مخيم اليرموك على شراء العقارات عن طريق بعض المحامين الذين يدعون الاستقلالية، والدافع الأبرز هو استغلال حاجة الناس، خاصة أن كثيرين يرغبون بمغادرة سورية بعد تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية، وبخاصة أصحاب البيوت المدمرة والآيلة للسقوط.
ويشرح أن هؤلاء يحتاجون إلى مبالغ للهدم وأخرى للبناء إذا ما استطاعوا الحصول على الموافقة الأمنية، التي جعلت كثيرين منهم يبقون خارج المخيم لكبر حجم الفارق بين تكلفة الإيجار وإعادة الإعمار.
ويلفت إلى أن من خلال متابعته الصفحات المعنية بنقل أخبار مخيم اليرموك هناك إعلانات عديدة من قبل سكان المخيم لبيع بيوتهم، وقد يصل العدد إلى 10 أو 12 شخصاً يعلنون عن رغبتهم في البيع بشكل يومي، ما يترك مجالاً للسماسرة باستغلال الحاجة، والاتفاق على دفع أثمان بخسة.
يقول الباحث القانوني أيمن أبو هاشم، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه كان واضحاً منذ سيطرة النظام على المخيم عام 2018 أنه يسعى لتغير ديمغرافي في المخيم، الذي طاول الدمار قسماً كبيراً منه، ما جعل الأهالي يفقدون إمكانية العودة واستغل سماسرة محسوبون على النظام وإيران هذا الأمر وعدم قدرة كثيرين على الحصول على الموافقة الأمنية فاشتروا حتى الآن مئات البيوت بأسعار زهيدة، التي لم يعد أصحابها قادرين على ترميمها أو إعادة إعمارها.
ويؤكّد أن حركة البيع طاولت أيضاً مناطق أخرى يسكنها الفلسطينيون كبلدتي يلدا وببيلا القريبتين، وتتم عملية "إحلال عائلات من طوائف معينة من جنسيات متعددة لم تكن موجودة سابقاً في المنطقة"، وهذا مؤشر خطير، وفقاً للباحث، الذي اعتبر ذلك محاولة من النظام لإجراء تغيير ديمغرافي في المناطق التي يسكنها الفلسطينيون، لافتاً إلى أن جميع عمليات البيع تأتي في غياب أي إطار قانوني يضمن حقوق الملكية.
وحذّر "أبو هاشم" في سياق حديثه من انتشار عمليات تزوير العقود، إذ تم رصد عدة عمليات بيع بعقود مزورة من قبل متسلطين مقربين من النظام في المخيم، وخاصة للمنازل التي هاجر جميع أصحابها، حيث تقوم قوات من الفرقة الرابعة التي يقودها شقيق رئيس النظام ماهر الأسد بالإشراف على حركة البيع والشراء، التي باتت مصدر تمويل لها بعد تراجع العمليات العسكرية، بحسب تعبيره.