تواجه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في تونس تحدي الصمود أمام ارتفاع كلف الشحن البحري والتأمين على السلع، التي تسجل قفزات عالمية مع استمرار اضطرابات البحر الأحمر.
وتعاني هذه المؤسسات، التي تشكل ما يزيد عن 80% من الاقتصاد التونسي، صعوبات مركبة، نتيجة ضعف قدرتها التنافسية وعدم تمكنها من النفاذ إلى التمويلات المصرفية التي تستأثر بها الشركات الكبرى.
ورغم أن تونس بعيدة عن المحيط المباشر لمسارات السفن المستهدفة في البحر الأحمر، إلا أن شظايا ارتفاع كلف الشحن البحري والتأمين على السفن يصيب مؤسساتها ويفاقم تعثر صغار المستثمرين.
يقول بسام العبيدي، وهو وكيل مؤسسة تنشط في قطاع النسيج، إن توسيع شركات الشحن العالمية نطاق التأمين على أساطيلها ضاعف كلفة توريد المواد الأولية، بما في ذلك الموردة من دول الاتحاد الأوروبي التي تعد الشريك الاستراتيجي لتونس.
يؤكد العبيدي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن هذه الضغوط تمثل عقبات جديدة أمام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ما قد يدفع العديد منها إلى دائرة التعثر المالي وتسريح الموظفين، مشيرا إلى أن هذه المؤسسات شديدة الهشاشة وسريعة التأثر بالعوامل الخارجية الناجمة عن الحروب أو الأزمات الصحية العالمية.
ويلفت إلى أن العديد من الشركات تحاول تجاوز الأزمة عبر آلية الشراءات المجمعة للمواد الأولية الموردة بهدف خفض الكلفة وتقاسم الأعباء، مشددا على ضرورة دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عبر توفير موارد تمويل لتيسير معالجة النفقات الطارئة التي تسببها زيادة كلفة توريد المواد الأولية المنقولة عبر الشحن البحري.
وتأتي اضطرابات سلاسل التوريد وارتفاع كلف الشحن والتأمين على السلع، بينما كانت الشركات الصغيرة والمتوسطة في تونس قد تنفست الصعداء من تداعيات الإغلاق الشامل الذي تسببت فيه جائحة كورونا قبل نحو أربع سنوات.
وكشفت بيانات صادرة مؤخراً عن الجمعية الوطنية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة أن معدل استدامة هذا الصنف من المؤسسات أصبح لا يتجاوز 18 شهرا، نتيجة فقدان قدرتها على مجابهة الصدمات الاقتصادية المتتالية وتداعيات الحروب والتغيُّرات المناخية. ويُقَدر عدد المؤسسات الصغرى والمتوسطة في تونس بحوالي 960 ألف مؤسسة.
ويقول رئيس الجمعية التونسية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة عبد الرزاق حواص إن المؤسسات التي لا تملك الموارد المالية اللازمة لتغطية كلفة الواردات ستجبر على الإغلاق، مع تواصل النسق التصاعدي لارتفاع أسعار الشحن ونقل السلع الناتج عن زيادات رسوم التأمين بنسبة تتجاوز 200%.
ويؤكد حواص في تصريح لـ"العربي الجديد" بروز عقبات جديدة أمام صغار المستثمرين في تونس، تعزز هيمنة كبار الشركات على السوق نتيجة تحوّل الشركات الصغرى والمتوسطة من موردين مباشرين إلى حرفاء (عاملين) لدى المجمعات الكبرى القادرة على الصمود أمام الواقع الاقتصادي العالمي الذي فرضته الحروب، ما يكرس "هيمنة الحيتان الكبرى على السوق في مجمل القطاعات الحيوية".
وكشف تقرير صادر عن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي أن 5 مؤسسات صناعية كبرى سيطرت، خلال 2019، على أكثر من 60% من إيرادات المؤسسات الخاصة الأكثر أهمية في تونس، وأن هذه المؤسسات المهيمنة باتت تمتلك علاقات مباشرة مع البنوك، ما قد يقلص حصول المؤسسات الأخرى على التمويلات، داعياً إلى تحسين المنافسة في القطاع بما يُحسّن النفاذ للتمويل، لا سيما بالنسبة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة.