ارتفاع الطلب على عقارات تونس: الأموال الخائفة تحرك السوق

31 اغسطس 2023
الطلب على العقارات يدفع الأسعار إلى الصعود في العاصمة (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

أحيت المدخرات الخائفة من التآكل في تونس، قطاع العقارات الذي سيطر عليه الركود لفترات طويلة بفعل التدهور الاقتصادي الذي تشهده البلاد وارتفاع معدلات الفائدة المصرفية التي دفعت الكثيرين إلى العزوف عن الشراء عبر الاقتراض، حيث قادت أموال المغتربين إلى إنعاش السوق، ولا سيما في العاصمة تونس والمدن الساحلية، ما أدى إلى صعود لافت في الأسعار.

وأظهرت بيانات متخصصة أن مؤشر العرض والطلب على الوحدات السكنية الجديدة في تونس ارتفع بنسبة 12% على أساس سنوي في الربع الثاني من العام الجاري 2023.

وأشارت البيانات الصادرة عن منصة "مبوّب" الإلكترونية المهتمة برصد السوق العقارية في دول المغرب العربي، إلى أن الطلب المتزايد على الشراء تزامن مع ارتفاع متوسط الأسعار بنسبة وصلت إلى 5.6% خلال النصف الأول من العام.

ويرجع المطور العقاري كريم بن سليمان، الحركة التي تشهدها السوق العقارية بعد معاناة طويلة من الركود، إلى تحول العقارات إلى ملاذ استثماري للمغتربين بعد فترة إحجام طويلة عن الشراء.

التونسيين في المهجر يحركون الأسواق

ويقول بن سليمان لـ"العربي الجديد" إن جزءاً من التونسيين في المهجر أقبلوا أخيراً على شراء شقق في مناطق العاصمة الكبرى والمدن الساحلية، وهي مناطق يتحول فيها الاستثمار العقاري المعد للإيجار أو السكن العائلي إلى مشروع مربح لمن تسمح له الإمكانات باقتناء الشقق.

ويشير إلى أن ارتفاع سعر صرف العملة الأوروبية الموحدة اليورو أمام الدينار التونسي يحفز الكثير من المغتربين في دول الاتحاد الأوروبي إلى تحويل مدخراتهم نحو العقار، نظراً لضعف المردودية المالية لإيداع الأموال في البنوك مع ارتفاع الضغوط التضخمية.

ووفق البيانات المنشورة على موقع البنك المركزي التونسي، سجل سعر صرف الدينار انخفاضاً أمام اليورو بنسبة 6% على أساس سنوي خلال يوليو/تموز تموز الماضي، حيث وصل سعر اليورو إلى 3.4 دنانير، مقابل 3.21 دنانير قبل عام.

ويجد المغتربون في العقارات، بحسب المطور العقاري كريم بن سليمان، ملاذاً آمناً لادخار الأموال، على عكس المواطنين المقيمين في تونس الذين فقدوا القدرة على تملك المساكن مع انهيار القدرة الشرائية للطبقة الوسطى التي شكلت العمود الفقري للمجتمع التونسي لسنوات طويلة.

ويلفت بن سليمان إلى أن المغتربين يقبلون على شراء الشقق والمساكن من الصنف الفاخر أو الاقتصادي المتطور، وهي أصناف تتسم بارتفاع أسعارها مقارنة بالقدرة الإنفاقية لعموم التونسيين.

إقبال على العاصمة والمدن الساحلية

وتفيد الأرقام الصادرة عن منصة "مبوّب" بأن أحياء تونس العاصمة ومدينة الحمامات (شمال شرقيّ البلاد) تهيمن على قائمة المناطق الأكثر طلباً حسب نتائج البحث التي جُمعَت.

وتقول سماح البوغانمي، وهي تونسية مغتربة في النمسا، إن ضعف المردودية المالية للمدخرات التي تحولها نحو البنوك دفعتها إلى البحث عن خيارات أخرى للحفاظ على قيمة أموالها، ومن أهمها شراء العقارات، مؤكدة لـ"العربي الجديد" أن العقارات ملاذ آمن في زمن الأزمات.

وتضيف: "قبل 13 عاماً اشتريت شقة في منطقة عين زغوان في العاصمة تبلغ مساحتها 90 متراً مربعاً بنحو 85 ألف دينار (حوالى 28 ألف دولار)، بينما تعرض مثيلاتها للبيع حالياً بأكثر من 180 ألف دينار (نحو 60 ألف دولار)، مشيرة إلى أن المردود المالي على مدخرات المغتربين في البنوك مقارنة بهذه الزيادة ضعيف جداً".

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وبحسب البيانات الرسمية المنشورة على موقع البنك المركزي التونسي، بلغت نسبة العائد على الادخار 7% خلال أغسطس/آب الجاري، وهي النسبة المعتمدة منذ بداية العام.

في المقابل، تعاني تونس من ارتفاع التضخم الذي بلغ هذه السنة مستويات قياسية لم تعرفها البلاد منذ ما يزيد على ثلاثة عقود. ووفق أحدث البيانات التي نشرها معهد الإحصاء الحكومي أخيراً، بلغ معدل التضخم 9.1% خلال يوليو/تموز الماضي.

ويرى رئيس الجمعية التونسية للتهيئة العمرانية نور الدين شيحة، أنه رغم ارتفاع الطلب على العقارات في الربع الثاني من العام، إلا أن ذلك لا يشير إلى انتهاء الأزمة الهيكلية التي يعاني منها قطاع التطوير العقاري، حيث لا يزال القطاع مهدداً بالركود في ظل تدهور الوضع الاقتصادي عموماً.

وقال شيحة لـ"العربي الجديد" إن المبيعات في القطاع لا تزال ضعيفة جداً بسبب صعوبة الوضع الاقتصادي وتراجع قدرة التونسيين على شراء مساكن نتيجة التضخم والكلفة العالية للقروض البنكية.

رصيد كبير من الوحدات غير المباعة

ولفت إلى أن تحسن المبيعات يبقى ظرفياً، نظراً لمحدودية عدد المشترين من التونسيين في المهجر مقارنة بعملاء السوق من المحليين الذين باتوا محرومين حق الحصول على سكن في ظل هذه الظروف.

ووفق رئيس الغرفة الوطنية للباعثين (المطورين) العقاريين فهمي شعبان، فإن قيمة الرصيد العقاري من الشقق والمساكن غير المبيعة يفوق المليار دينار (نحو 330 مليون دولار).

وصدّق برلمان تونس ضمن قانون الموازنة لسنة 2021 على بند يمنح العمال الذين يرغبون في اقتناء مساكن من طريق تمويل بنكي أو عقد بيع مرابحة، حق الانتفاع بتخفيض في ضريبة الدخل المستحقة عليهم في ذلك العام في حدود 100 دينار شهرياً (نحو 33 دولاراً)، وذلك شرط إبرام عقدي اقتناء المسكن والقرض أو بيع المرابحة خلال السنة نفسها.

المساهمون