احتدام الخلافات حول تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان

26 يوليو 2023
لا توافق حول خليفة الحاكم رياض سلامة الذي تنتهي ولايته في 31 يوليو الجاري (جوزيف عيد/AFP)
+ الخط -

نشبت خلافات حادة بين مختلف الأطراف اللبنانية حول تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان المركزي خلفا لرياض سلامة التي ستنتهي ولايته ختام الشهر الجاري.

وتتجه الأنظار في لبنان، غداً الخميس، إلى الجلسة الحكومية التي حُدِّدت لتعيين حاكم جديد لـمصرف لبنان (البنك المركزي) وما إذا كان نصاب انعقادها القانوني سيتأمن في ظلّ إعلان عددٍ من الوزراء المقاطعة، وذلك على وقع الصراع السياسي على الصلاحيات، والانقسام الحادّ في مقاربة الملف من زواياه المتباعدة، وغياب التوافق حول خليفة الحاكم رياض سلامة، الذي تنتهي ولايته في 31 يوليو/ تموز الجاري.

وأعلن رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، أمس الثلاثاء، في حديث صحافي، أنه، خلال لقائه مع رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، اتفقا على عقد جلسة لمجلس الوزراء نهار الخميس، لتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، في موقفٍ مفاجئ، خصوصاً أنّ نتائج الجلسة الوزارية الأخيرة، أفضت إلى تأكيد عدم نضوج المناخ السياسي المؤاتي لإتمام هذه الخطوة، في ظلّ رفض كتل سياسية كبرى، والبطريرك الماروني بشارة الراعي، التعيين بغياب رئيسٍ للبلاد، وعلى يد حكومة محدودة الصلاحيات.

وبدأت المواقف الوزارية تخرج حول جلسة الخميس، في ظلّ مؤشرات تشي بصعوبة تأمين النصاب، مع إعلان عددٍ من الوزراء المقاطعة، خصوصاً المحسوبين على القوى المسيحية، بينما يتوقع حضور وزراء "حركة أمل" بالدرجة الأولى، فيما تبقى الأنظار موجهة أكثر على وزراء "حزب الله"، ولا سيما أنّ الأمين العام للحزب حسن نصر الله كان قد أعلن في مواقف سابقة أن لا تعيين ولا تمديد لحاكم مصرف لبنان، وأن حكومة تصريف الأعمال لا تعيّن شخصاً لهذا المنصب.

وأعلن وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري، في تصريح تلفزيوني، اليوم الأربعاء، أنه لن يحضر من الأساس أي جلسة تهدف إلى تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان.

بدوره، أعلن وزير السياحة وليد نصار، في حديث تلفزيوني، أنه لن يشارك في أي جلسة حكومية تُخصَّص للتمديد لحاكم مصرف لبنان أو تعيين حاكم جديد.

من جهته، قال وزير الاتصالات جوني القرم، لـ"العربي الجديد"، إنّ حضوره الجلسة يتوقف على مسألتين أساسيتين؛ الغطاء المسيحي، وبنود مختلفة، "بمعنى، أنه إذا كانت الجلسة هي لتعيين حاكم مصرف جديد للبنك المركزي من دون غطاء مسيحي، فلن أشارك بها، إما إذا كانت الجلسة غير مخصصة للتعيين، فإن الوضع يتغير عندها".

وحول تلويح نواب حاكم مصرف لبنان بالاستقالة، وموقف الحكومة من مطالبهم، يقول القرم إنه يتفهم أن يطالب نواب الحاكم بنوعٍ من الغطاء للاستمرار بمهامهم، لكن الموضوع لا يزال قيد الدرس، وهناك بحث في نوع الغطاء الذي يمكن للحكومة أو مجلس النواب تأمينه لهم لمواصلة عملهم، لكن بكل الأحوال، فإن الاستقالة ليست بمحلّها اليوم وفي ظلّ الظروف هذه التي تمرّ بها البلاد.

في المقابل، أكد وزير البيئة ناصر ياسين، لـ"العربي الجديد"، أنه سيشارك في الجلسة، معتبراً أنّ الظروف الاستثنائية التي يمرّ بها لبنان في ظلّ الأزمة الاقتصادية، وما يجري من تعطيل غير منطقي لعمل المؤسسات والانهيارات على صعيد مختلف القطاعات، تتطلب مواجهتها بظروف عمل استثنائية، معتبراً أيضاً أن مطالب نواب الحاكم "منطقية".

وقال وزير المهجرين عصام شرف الدين، لـ"العربي الجديد"، إنه سيشارك في الجلسة، و"ذلك نظراً للظروف القاهرة والخطر المحدق بوطننا ومستقبلنا، آخذين بعين الاعتبار السابقتين، تعيين لجنة الإشراف على الانتخابات، وتعيين رئيس لجنة الرقابة على المصارف"، لكنه يعتبر في المقابل أن تأمين نصاب الجلسة سيكون متعذراً برأيه، وبالتالي، لا معنى للحضور.

وأشار شرف الدين إلى "أننا مؤتمنون تجاه الرأي العام بضرورة التعرف على الشخص المرشح لاستلام مركز حاكم مصرف لبنان والاطلاع على مواصفاته وبرنامجه ورؤيته للخطة الإنقاذية للمستقبل"، لكنه اعتبر في المقابل، أن تأمين نصاب الجلسة "سيكون متعذراً".

دستورياً، يوضح الأستاذ الجامعي المتخصّص في القانون الدستوري، وسام اللحام، لـ"العربي الجديد"، أنّ "نصاب انعقاد جلسة الحكومة هو ثلثا أعضاء المجلس الوزاري، المؤلّف من 24 وزيراً، ولا يجوز اتخاذ أي قرار إلا بتوفر هذا النصاب أيضاً، بحيث إن تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، يدخل في إطار وظائف الفئة الأولى أو ما يعادلها، ما يحتّم توفر نصاب الثلثين للتعيين".

من ناحية ثانية، يلفت اللحام إلى أنّ حكومة تصريف الأعمال لا يمكنها أن تعيّن حاكماً جديداً لمصرف لبنان، لكن باعتبار أنّ تصريف الأعمال امتدّ لفترة طويلة جدّاً عبر الزمن، وحسب اجتهاد مجلس شورى الدولة، فإنه بحال "الامتداد" تصبح الأمور غير الجائزة في تصريف الأعمال، جائزة، بما في ذلك التعيين، ولا سيما في ظلّ احتمال حصول فراغ في مرفق مهم بالدولة، هو مصرف لبنان، وخصوصاً إذا استقال نواب الحاكم، وبالتالي، يصبح هناك موجبٌ دستوريٌّ، لتأمين استمرارية المرفق العام، ويمكن بكل الأحوال في حال جرى التعيين، الطعن به أمام مجلس شورى الدولة.

وفي تعليق له على الموضوع، يتساءل المحامي هيثم عزو عن أنه في حال تعيين حاكم جديد، كيف سيتمكن من ممارسة مهامه في ظل عدم وجود رئيس للجمهورية، باعتبار أنّ المادة 18 من القانون الناظم لمصرف لبنان تفرض لِزاماً أن يقسم الحاكم قبل الشروع بمهامه أمام رئيس الجمهورية، على أن يقوم بوظائفه بإخلاص ودقة وباحترام القانون والشرف، وهذا القسم أمام رئيس الدولة هو من الصلاحيات الشكلية اللصيقة به، ولا يمكن للحكومة الحلول محلّه في ذلك.

ويلفت عزو إلى أن "ما يحق للحكومة ممارسته وكالةً في حال شغور الرئاسة الأولى، هي الصلاحيات المرفقية للرئيس وليست الصلاحيات الشكلية اللصيقة بشخصه، بالنظر إلى طبيعتها الدستورية، والتي مُنحت له بصورة حصرية شخصية بصفته رئيساً للدولة، والتي لا تنتقل إلى سواه".

المساهمون