اجتماع عصيب لـ"أوبك+" وسط إحباطات الأسعار وانتزاع الأسواق

05 يونيو 2023
الخفض الطوعي للإنتاج لا يخضع للمراقبة من تحالف النفط (فرانس برس)
+ الخط -

انعقد اجتماع تحالف "أوبك+" أمس الأحد، في فيينا وسط أجواء عصيبة، إذ جاء تحت وطأة خلافات بين كبار المنتجين على رأسهم السعودية وروسيا، ليس فقط على خفض إضافي للإنتاج، وإنما تغيُّر خريطة الأسواق، في ظل التخفيضات السعرية التي تقدمها موسكو للمشترين الآسيويين، ما يضع الرياض في مأزق كبير.

وبرغم تفاؤل منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" بتوقعات الطلب على الخام في عام 2023، والتي رجحت أن يزيد بنحو 2.3 مليون برميل يومياً، فإن الرياح قد تأتي بما لا تشتهي السفن، فالمتغيرات الاقتصادية العالمية المرتبطة بضعف النشاط الصناعي حول العالم، وضغوط الإنفاق التي تتعرض لها الحكومات والأفراد، على السواء، يمكن أن تؤدي لتراجع الطلب، وبالتالي تعرض الأسعار لمزيد من الهبوط، الأمر الذي يزعج دولاً مثل السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم والتي قادت خطوات عدة لـ"أوبك+" لخفض الإنتاج، من أجل دعم الأسعار للحيلولة دون مواجهة عجز مالي، في ظل مشاريعها التنموية الطموحة.

وتشهد أسعار النفط تراجعات منذ بداية إبريل/ نيسان الماضي، حيث انخفضت العقود الآجلة للخام لأربعة أسابيع متتالية، فيما استقرت عند مستوياتها المنخفضة، الأسبوع الماضي، مع تداول الخام الأميركي عند نحو 71 دولاراً للبرميل، ومزيج برنت القياسي العالمي عند مستوى 76 دولاراً للبرميل، وهو رقم أقل مما تريده السعودية لتحقيق التوازن المالي.

حزمة كاملة

وتطرق اجتماع، أمس، إلى مناقشة حزمة كاملة، ليس فقط خفض الإنتاج، وإنما أيضاً وضع خط أساس للإنتاج، الذي يجري على أساسه احتساب الحصص والخفض لعامي 2023 و2024.

وحاولت أكثر الدول نفوذاً في "أوبك" وأكبر الدول المنتجة للنفط في الخليج، بقيادة السعودية، إقناع الدول التي لا تفي بالإنتاج من أفريقيا مثل نيجيريا وأنجولا بأن يكون لديها إنتاج مستهدف أكثر واقعية، وفق ما نقلت وكالة رويترز عن مصادر في "أوبك+". ولطالما عجزت نيجيريا وأنجولا عن تحقيق أهداف الإنتاج، لكن الدولتين تعارضان خفض خطوط الأساس، لأن الأهداف الجديدة قد تجبرها على إجراء تخفيضات حقيقية. في المقابل، أصرت الإمارات على رفع خطوط الأساس، بما يتماشى مع تزايد قدرتها الإنتاجية، لكن هذا يعني أن حصتها في التخفيضات الإجمالية قد تتقلص. وغادر وزير النفط الأنغولي الاجتماع.

وتضخ "أوبك+" نحو 40% من إنتاج الخام العالمي، مما يعني أن قراراتها يمكن أن يكون لها تأثير كبير على أسعار النفط. وفي الأسبوع الماضي، قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، إن على المستثمرين الذين يراهنون على انخفاض أسعار النفط أن "يحذروا"، وهو ما فسره العديد من مراقبي السوق آنذاك بأنه مؤشر على تخفيضات إضافية للإمدادات.

وساعد قرار "أوبك+" في إبريل/ نيسان الماضي، في زيادة أسعار النفط بنحو تسعة دولارات ليتجاوز سعر البرميل 87 دولاراً، لكنها تراجعت بسرعة تحت ضغط من المخاوف بشأن النمو الاقتصادي العالمي والطلب.

وأسعار النفط حالياً متراجعة بنحو 10% عن مستويات الأسعار منذ الإعلان المفاجئ للسعودية و8 دول أخرى في "أوبك+" قبل شهرين عن خفض طوعي كبير للإنتاج بلغ 1.66 مليون برميل للفترة من مايو/أيار حتى نهاية العام. وجاء هذا بالإضافة إلى الخفض الذي اتفق عليه التحالف بمقدار مليوني برميل يومياً في الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 2022 حتى نهاية العام الجاري 2023.

وجاء اجتماع "أوبك+" في وقت يواجه التكتل تراجعاً في أسعار النفط، وتخمة محتملة في المعروض تلوح في الأفق. كما جاء في ظل ما وصفته تقارير إعلامية غربية بتزايد إحباط السعودية من روسيا، التي لم تلتزم على ما يبدو بالخفض المعلن عنه قبل نحو شهرين.

إحباط سعودي

ويبدو الإحباط السعودي منطقياً، بحسب تقرير لنشرة أويل برايس الأميركية، لأن المملكة لا تخسر حصتها في آسيا والتي تعد أهم منطقة مستوردة للنفط في العالم فحسب، بل إن تخفيضاتها فشلت في رفع أسعار النفط إلى مستوى التعادل على الأقل وهو 81 دولاراً للبرميل.

وتعهدت بخفض الإنتاج بنحو 500 ألف برميل يومياً اعتباراً من مارس/آذار الماضي، قبل أن ينضم كبار منتجي "أوبك+" لقائمة الخفض الطوعي لاحقاً، لكن وكالة الطاقة الدولية قالت في تقرير لها في مايو/أيار الماضي، إن روسيا خفضت إنتاج النفط في إبريل/ نيسان بنحو 200 ألف برميل يومياً فقط.

وبحسب قواعد تحالف "أوبك+"، فإن الخفض الطوعي لا يخضع لمراقبة معدل الالتزام، وهو ما يعني أن التزام روسيا أو غيرها من الدول بمعدلات الخفض الطوعي لا يخضع لمتطلبات التعويض أو المراقبة، التي تقضي بزيادة الخفض في الشهور القادمة.

ويبدو أن سقف الأسعار المفروض على النفط الروسي حفّز الصين والهند على طلب مزيد من الخام الروسي، خاصة مع الحصول على معدل خصم كبير، وهو ما يدعم إيجاد أسواق بديلة للنفط الروسي بعيداً عن أوروبا.

وبالفعل انتزعت روسيا حصة أكبر من سوق النفط العالمية على حساب السعودية، بعدما سجلت واردات الهند من النفط الروسي الرخيص رقماً قياسياً جديداً في مايو/أيار الماضي، حيث استوردت الهند 1.96 مليون برميل يومياً، بزيادة 15% مقارنة بأعلى مستوى مسجل في إبريل/نيسان، وفقاً لبيانات شركة "فورتكسا" المتخصصة في تحليلات بيانات الشحن، فيما تراجعت واردات الدولة الجنوب آسيوية من الشحنات السعودية إلى أدنى مستوياتها منذ فبراير/شباط 2021.

في الأثناء أشارت بيانات حديثة صادرة عن وزارة التجارة والصناعة الهندية، إلى أن متوسط تكلفة الخام الروسي في إبريل/ نيسان الماضي، بما في ذلك تكاليف الشحن إلى الشواطئ الهندية، بلغ نحو 68.21 دولاراً للبرميل. ويعد ذلك أدنى مستوى منذ اندفاع الهند إلى شراء كميات نفط كبيرة من موسكو بعد غزوها أوكرانيا في فبراير/ شباط من العام الماضي.

بالمقارنة، بلغ متوسط تكلفة الخام السعودي المرسل إلى الهند في إبريل/ نيسان 86.96 دولاراً للبرميل، في حين بلغ سعر النفط العراقي 77.77 دولاراً للبرميل. ومن المتوقع أن تصدر الأرقام الخاصة بمايو خلال الشهر المقبل، لكن هناك ترجيحات بانخفاض الأسعار أكثر، نظراً لتراجع مؤشر خام برنت القياسي العالمي 9% تقريباً خلال الشهر الماضي.

ونقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية عن سيرينا هوانغ، المحللة في شركة "فورتسكا"، قولها إن "المصافي الهندية تُظهر شهية قوية للخام الروسي، نظراً لانخفاض أسعاره مقارنة بإمدادات الشرق الأوسط"، مضيفة أن مشتريات خامي الأورال وسوكول الروسيين شهدت أكبر مكاسب، وأن أحجام الشحنات الإجمالية قد تقفز في يونيو/حزيران الجاري، ويوليو/تموز المقبل.

لذلك، أعرب مسؤولون من السعودية عن إحباطهم من روسيا، وطلبوا من المسؤولين الروس أن تلتزم موسكو بتعهدها بخفض إنتاج النفط، حسبما أفادت مصادر مطلعة على الأمر "وول ستريت جورنال" الأميركية. وتشتري دول آسيوية، مثل الصين والهند، النسبة الأكبر من صادرات النفط الروسية، ورفضت الانضمام إلى العقوبات الغربية على روسيا.

وبسبب العقوبات الغربية، لا يمكن تسليم النفط الروسي الذي يتجاوز سعره ستين دولاراً للبرميل. وإذا تجاوز هذا السعر، يحظر على الشركات تقديم خدمات تسمح بالنقل البحري، من شحن وتأمين وغيرها.

السعودية تحتاج إلى أسعار أعلى

وقالت باربارا لامبرخت من مجموعة "كوميترس بنك": "إن السعودية تحتاج إلى أسعار أعلى لموازنة ميزانيتها"، مشيرة إلى أن عتبة الربح تبلغ حوالي ثمانين دولاراً للبرميل بالنسبة للرياض.

وفي مقابل الضغوط التي تتعرّض لها الدول المنتجة للنفط، جراء انخفاض أسعار الخام أخيراً، تتهم دول غربية "أوبك" بالتلاعب بأسعار النفط وإضافة مخاطر للاقتصاد العالمي، من خلال تكاليف الطاقة المرتفعة. كما يتهم الغرب "أوبك" بالانحياز أكثر من اللازم لروسيا، رغم العقوبات الغربية المفروضة بسبب غزو أوكرانيا. إلا أن مصادر مطلعة ومراقبين في "أوبك" يقولون إن تحرك الغرب لطباعة النقود على مدى العقد الماضي فاقم التضخم، وأجبر الدول المنتجة للنفط على التحرك بدورها للحفاظ على قيمة السلعة الرئيسية بين صادراتها.

المساهمون