اتساع هجمات الحوثيين... تصعيد يهدد اقتصادات الخليج

04 مارس 2024
مخاطر قد تعرقل صادرات الطاقة الخليجية (فرانس برس)
+ الخط -

أثار توعد جماعة أنصار الله اليمنية (الحوثيون)، بتصعيد هجماتها في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن ومضيق باب المندب الجدل حول انعكاس هكذا تصعيد على اقتصاد دول الخليج العربية، بخاصة بعدما أعلن زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، أنها أدخلت "سلاح الغواصات المقلق للعدو"، حسب تعبيره.

وحسب مراقبين، فإن زيادة رقعة الصراع لتشمل بحر العرب ستؤثر سلباً على صادرات دول الخليج من النفط والغاز، خاصة تلك المتوجهة إلى الأسواق الآسيوية، وبالتالي سيضر باقتصاداتها.

وفي تطور خطير في حرب السفن بالبحر الأحمر، أكد الجيش الأميركي، أول من أمس، أن السفينة "إم في روبيمار" المملوكة لشركة بريطانية غرقت، بعد تعرضها لهجوم بصاروخ باليستي مضاد للسفن، أطلقه الحوثيون في اليمن في 18 فبراير/ شباط الماضي.

وذكرت القيادة المركزية الأميركية "سينتكوم" على موقع "إكس" أن ما يقرب من 21 ألف طن من سماد كبريتات فوسفات الأمونيوم، التي كانت تحملها السفينة تمثل خطرا بيئيا في البحر الأحمر.

وعزز من مخاوف اتساع الصراع أن إعلان الحوثي، في كلمته التي بثتها قناة جماعته (المسيرة)، تزامنت مع إرسال الحوثيين إشعاراً رسمياً لشركات الشحن والتأمين بشأن فرض حظر على إبحار السفن المرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا.

وجاء بالإشعار أنه "يُحظر على السفن المملوكة كليا أو جزئيا لأفراد أو كيانات إسرائيلية، والسفن التي ترفع العلم الإسرائيلي، أو المملوكة للأفراد، أو كيانات أميركية، أو بريطانية، أو التي تبحر رافعة علم الولايات المتحدة أو بريطانيا، الإبحار في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب".

كما نشرت قناة بتطبيق "تليغرام"، يُزعم أنها مرتبطة بالحوثيين، خريطة توضح شبكات كابلات الاتصالات البحرية في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وبحر العرب والخليج العربي، وأرفقتها برسالة جاء فيها: "هناك خرائط للكابلات الدولية التي تربط جميع مناطق العالم عبر البحر.

ويبدو أن اليمن في موقع استراتيجي، حيث تمر بالقرب منه خطوط الإنترنت التي تربط قارات بأكملها وليس الدول فحسب".

وتهدد هكذا هجمات استقرار المنطقة التي تمر بها نسبة 12% من حركة الملاحة البحرية العالمية منذ 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وتجبر الشركات على اتخاذ طريق رأس الرجاء الصالح الأطول والأكثر كلفة حول أفريقيا.

يأتي في ظل إعلان القيادة الوسطى الأميركية أن طائرات وسفينة حربية تابعة للتحالف البحري الذي تقوده واشنطن في البحر الأحمر أسقطت 5 طائرات مسيرة لجماعة أنصار الله، فيما يؤكد نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، دانييل شابيرو، في الوقت نفسه، أن الولايات المتحدة قصفت 230 هدفًا تابعًا للحوثيين في اليمن. 

تصعيد يرفع المخاطر 

وتعليقا على تلك التطورات المتسارعة، يشير الخبير الاقتصادي والمتخصص في شؤون النفط والطاقة، نهاد إسماعيل، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن الإعلان الحوثي عن توسيع نطاق العمليات ضد السفن التجارية في منطقة بحر العرب يمثل "تطورا تصعيديا" يرفع من المخاطر في المنطقة، وسيكون التأثير مزدوجا، حيث سيؤثر سلبا على حركة الملاحة في مضيق هرمز وباب المندب ومن ثم البحر الأحمر وقناة السويس.

ويخلص إسماعيل إلى أن زيادة رقعة الصراع لتشمل بحر العرب ستؤثر سلبا على صادرات دول الخليج من النفط والغاز، خاصة تلك المتوجهة إلى الأسواق الآسيوية، وبالتالي سيضر باقتصاداتها، خاصة أنها تعتمد في ميزانياتها على الطاقة كمورد رئيسي لدخلها القومي.

ومن شأن إعاقة الملاحة عبر أو قرب مضيق هرمز أن تؤثر على نقل الشحن شرقاً إلى آسيا، بحسب إسماعيل، لافتاً إلى أن خُمس التجارة النفطية المنقولة بحرا يعبر المضيق.

ويضيف الخبير الاقتصادي أن التهديد المحتمل بقطع خطوط الألياف الضوئية قبالة ساحل اليمن، يعني احتمال تعطيل شبكات الإنترنت والاتصالات، مشيرا إلى تصريحات حوثية مفادها أن "العالم عليه أن يتوقع مفاجآت عسكرية جديدة".

ويعزز من مخاطر هذا التهديد، بحسب إسماعيل، اعتراف وزارة الدفاع الأميركية بأنها لا تعرف مقدرات الحوثيين العسكرية ولا تستطيع التنبؤ بالخطوات التي قد يلجؤون إليها، تزامنا مع تأكيد حوثي مستمر على أن العمليات ستستمر والتصعيد سيرتفع حتى يتوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

ويلفت إسماعيل، في هذا الصدد، إلى أن الضربات العقابية التي شنتها واشنطن ولندن على مواقع حوثية لم يكن لها تأثير ولم تردع "أنصار الله"، كما فشلت واشنطن في استقطاب المزيد من الدول للمشاركة في شن هجمات انتقامية ضد الجماعة اليمنية. 

خسائر فادحة 

وإزاء ذلك، يرى إسماعيل أن الخسائر الاقتصادية ستكون فادحة، ومنها ارتفاع رسوم التأمين بـ 4 أضعاف وارتفاع تكلفة الشحن بنسبة 300% وارتفاع درجة المخاطر بما قد يشل حركة التجارة العالمية، إضافة إلى تكثيف نشاط حركات القرصنة قبالة الصومال وأيضا في غرب أفريقيا، ما يجعل المسار الأفريقي البديل لطريق مضيق باب المندب "ذا كلفة باهظة وغير آمن بنسبة 100%".

ويضيف نزوح معظم الخطوط البحرية العالمية من البحر الأحمر للذهاب حول أفريقيا عن طريق الرجاء الصالح من 14 إلى 20 يوما لرحلة الشحن البحري سيؤدي إلى مزيد من تكلفة الوقود وأجور العاملين، وكلها إضافات تؤثر على أسعار المستهلك وترفع التضخم وقد تدفع العالم إلى الدخول في مرحلة ركود اقتصادي كتلك التي شهدها العالم أثناء جائحة كورونا والعام الأول من الحرب الروسية الأوكرانية، حسبما يرى إسماعيل.

ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أن تقدير التحليلات الإسرائيلية هو أن الحوثيين "ليس لديهم ما يخسرونه وقد ينجحون في عرقلة التجارة العالمية وبتكلفة بسيطة". 

النفط والغاز 

في السياق، يشير الخبير الاقتصادي، عامر الشوبكي، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن اتساع عمليات الحوثيين البحرية تؤثر بشكل متزايد على التجارة العالمية، خاصة تجارة النفط، وبالتالي على دول المنطقة التي تشمل الخليج وطوق البحر الأحمر والشرق الأوسط بشكل عام، ومع التطور الأخير واعتبار بحر العرب جزءا من المناطق التي تشمل تلك العمليات فإن مساحة المخاطر المحتملة باتت تمتد من السواحل اليمنية إلى سواحل الهند شرقاً، وشمالاً إلى بحر عمان ومخرج مضيق هرمز.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وإزاء ذلك، فإن تجارة الغاز والنفط، التي تمثل العمود الفقري لاقتصادات دول الخليج، أصبحت تحت تهديدات الحوثيين، ما يضيف أعباء تأمين إضافية، وبالتالي مزيد من التضييق على تجارة النفط والغاز لتسلك الطرق البعيدة نحو الالتفاف حول أفريقيا.

وربما تعاني التجارة الهندية من هذا التطور نتيجة وقوع بحر العرب على الشواطئ الغربية من شبه القارة الهندية، بحسب الشوبكي، الذي لفت في الوقت ذاته إلى أن المعتقد السائد يفيد أن "محدودية أسلحة الحوثيين ربما تجعل هذه المناطق البعيدة صعبة في الوصول إليها، إلا إذا قام الحوثيون بتطوير قدراتهم سواء من الطائرات المسيرة أو الصواريخ للوصول إلى مناطق في عمق بحر العرب.

أما تأثير تطور التصعيد الحوثي على دول الخليج فيصفه الشوبكي بأنه "واسع الطيف"، إذ يشمل التأثير على حركة تجارة النفط والغاز، حيث يمر ببحر العرب قرابة 23% من نفط العالم و21% من الغاز المسال العالمي، وبالتالي فهناك كلف إضافية ترفع أسعار هذه السلع أو تجعل تأثير المخاطر السياسية أكبر على أسعار النفط والغاز.

ويلفت الشوبكي، في هذا الصدد، إلى أن هجمات الحوثيين في بحر العرب ليست الأولى من نوعها، لكن إطلاق تهديد بتوسيع هذه العمليات من قبل زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، يجعل دول الخليج العربي "متأثرا مباشرا" من استهداف الحوثيين للسفن.

ورغم أن الحوثيين يصرحون بأن السفن المستهدفة هي فقط الأميركية والبريطانية والإسرائيلية، فإنّ ذلك لا يمنع اتجاه باقي السفن للابتعاد عن المرور ضمن نطاق السلاح الحوثي لتفادي سوء التقدير أو الخطأ والمغامرة بملايين الدولارات سواء بحمولة هذه السفن المحملة بالغاز أو النفط أو بقيمة هذه السفن نفسها، بحسب الشوبكي، لافتاً إلى أن شركات الشحن تعتقد أن تهديدات الحوثيين ربما تستمر حتى نهاية العام الجاري.

المساهمون