تشهد محافظة تعز جنوبي اليمن احتجاجات واسعة منذ منتصف شهر مايو/ أيار الماضي، لمواطنين غاضبين من تردي الأوضاع المعيشية وعدم توفر العديد من الخدمات، منها الكهرباء، لتنضم إلى العديد من المحافظات الجنوبية التي تشهد منذ بداية العام احتجاجات متواصلة على تردي الظروف المعيشية، مثل عدن التي تتخذ منها الحكومة الشرعية عاصمة مؤقتة وحضرموت ولحج.
وتأتي الاحتجاجات في تعز بالتزامن مع اتفاق بين السلطة المحلية والقطاع الخاص لاستغلال محطات الطاقة الكهربائية العامة وتقديم الخدمات للمستهلكين بأسعار يصفها الكثيرون بالمبالغ فيها بشكل كبير، ما يزيد من أعباء المواطنين الذين يعانون من غلاء لا يتوقف وانهيار في القدرات المالية.
يقول منصور عبده، من سكان تعز لـ"العربي الجديد"، إن وضع معظم الناس في تدهور مستمر، بينما تتركز الموارد المتاحة في يد فئات محدودة تستغل أوضاع الحرب.
تشهد محافظات اليمن الجنوبية احتقانات واحتجاجات متواصلة منذ عودة الحكومة الجديدة نهاية 2020، والتي تسببت في إعادتها إلى الرياض مرة أخرى
كذلك تشهد محافظات اليمن الجنوبية احتقانات واحتجاجات متواصلة منذ عودة الحكومة الجديدة نهاية العام الماضي، والتي تسببت في إعادتها إلى الرياض مرة أخرى وبدء مفاوضات ومشاورات لإرجاعها إلى عاصمتها المؤقتة التي يستمر فيها المجلس الانتقالي الجنوبي الذي ينادي بالانفصال والمدعوم من الإمارات بالتمدد وبسط نفوذه على مؤسسات الدولة العامة ومدن اليمن الجنوبية.
ويشكو المواطنون في عدن وبقية المحافظات الجنوبية من عدم وجود أي حل لتحسين خدمة الكهرباء التي يضاعف انقطاعها المتواصل من معاناتهم مع دخول فصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة بشكل غير مسبوق عن الأعوام الماضية.
يقول المواطن هايل الشتري من سكان عدن في حديث مع "العربي الجديد": "الوضع لا يطاق وعبارة عن جحيم لا يمكن احتماله، إذ لا كهرباء ولا مياه ولا خدمات صحية لائقة ولا تعليم ولا أعمال متوفرة مع تردٍّ كبير للدخل، وما يتم صرفه من رواتب لم تعد أكثر من مسكنات لا تسد الجوع".
وتعاني معظم المدن والمناطق من غلاء فاحش وتردٍّ كبير في الخدمات العامة وتفشٍّ واسع للفقر والجوع والبطالة، وسط تحذيرات أممية من خطورة توسع رقعة المجاعة لتشمل بؤراً جديدة بدأت بالظهور في أكثر من منطقة بالدولة.
وظهرت الأسبوع الماضي مؤشرات عن وساطة عمانية بعد زيارة معلنة نادرة لوفد من السلطنة العاصمة اليمنية صنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيون، وسط أنباء عن تهيئة الظروف المواتية لبدء حوار بين الأطراف اليمنية لإيقاف الحرب، تتمثل في فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة (غرب) الذي استقبل عدداً من شحنات الوقود سمحت الحكومة بدخولها، ويقول الحوثيون إنها سفن تجارية محتجزة في عرض البحر منذ أشهر.
ويؤكد ياسر مقبل، الأكاديمي في جامعة الحديدة لـ"العربي الجديد"، أن قدرات اليمنيين على التحمل تتقلص بشكل كبير مع توقف حياتهم وفقدانهم مصادر دخلهم وما توفر يلتهمه التضخم وإيجارات المساكن، مشيرا إلى 85% من اليمنيين أصبحوا بلا أمان اجتماعي واقتصادي بسبب فقدان مختلف فرص الحياة المعيشية.
وعلى ضوء ما يدور من احتجاجات ارتفعت الأصوات المحذرة من ثورة جياع قادمة، إذا ما استمر الوضع الراهن بهذا التردي المتواصل مع انسداد أفق الحلول الهادفة إلى توقف الحرب التي نتجت عنها تبعات اقتصادية كارثية وضعت ثلثي السكان على حافة الجوع.
وكان اتحاد عمال نقابات اليمن قد طالب في شهر مارس/ آذار الماضي بسرعة حل مشكلة رواتب الموظفين لتشمل الجهاز الإداري للدولة في صنعاء وجميع المحافظات، والعمل على إعداد هيكل أجور موحد لكافة الموظفين والدوائر والمؤسسات العامة يراعى فيها الحد الأدنى من الأجور بما يعادل 300 دولار شهرياً، مشيرا إلى أن ضرورة إيجاد رؤية متكاملة تشمل أيضا معالجة أوضاع العمالة الفائضة والمسرحين من أعمالهم ووظائفهم في القطاع المدني.
وتستمر أسعار السلع الغذائية في الارتفاع بشكل قياسي، بينما تتلاشى القدرات الشرائية لأغلب المواطنين وسط انعدام السيولة المالية، حتى أضحت الكثير من الأسر تحت وطأة الديون وأعباء إيجارات المساكن التي تأتي في طليعة الأعباء التي يواجهونها، إضافة إلى متطلبات الحياة المعيشية التي غدت حملاً ثقيلاً يعجز كثير من اليمنيين عن تحمله.
وترى منظمات أممية أن أزمات الوقود المتكررة والحصار المفروض على دخول الوقود أحد أهم الأسباب في الأزمة الإنسانية المتفجرة في اليمن، لذا يطالب مسؤولون أمميون بضرورة رفع القيود المفروضة على الموانئ اليمنية لتسريع حركة السلع التي تشتد الحاجة إليها والمساعدة في خفض أسعارها.
وتتوقف الجهود الحكومية لمواجهة هذه الاحتجاجات المرشحة للانفجار عند حدود كيفية تحسين خدمة الكهرباء، إذ تدرس عدداً من الخيارات، منها استئجار محطة كهرباء عائمة تعمل بوقود المازوت والنظر في عدد من العروض المقدمة من شركات عالمية بهذا الخصوص، والجدوى الاقتصادية منها.
تتوقف الجهود الحكومية لمواجهة الاحتجاجات المرشحة للانفجار عند حدود كيفية تحسين خدمة الكهرباء، إذ تدرس عدداً من الخيارات، منها استئجار محطة كهرباء عائمة تعمل بوقود المازوت
ويقول منير القواس، الخبير الاقتصادي، إن "ما تشهده العديد من المدن والمناطق من احتجاجات أمر طبيعي، إذ لا يعقل أن يظل نحو 25 مليون يمني يعانون الفقر والجوع وتردي الخدمات، بينما يشاهدون في المقابل تضخم أثرياء الحرب وزيادة ثرواتهم ونهبهم لموارد وثروات اليمن ويعملون على إطالة أمد الصراع لتحقيق المزيد من مصالحهم الخاصة".
ويعرب القواس عن اندهاشه من "عدم الالتفات لمعاناة الناس في التحركات الدولية الهادفة لتهيئة أجواء الحوار لمناقشة خطط تحقيق السلام في البلاد، في الوقت الذي تتم فيه مناقشة تحقيق بعض مصالح طرفي الحرب دون الالتفات لمعاناة اليمنيين والذين يدفعهم ما يتعرضون له إلى مجرد رفع أصوات حناجرهم للتجاوز أصوات رصاص ومدافع الحرب".
وتأتي موجات الغضب الشعبي، في الوقت الذي تتصاعد فيه موجات الغلاء؛ فإلى جانب العوامل الداخلية المتمثلة في انهيار قيمة الريال مقابل العملات الأجنبية وانفلات الأسواق تشهد أسعار السلع العالمية ارتفاعاً حاداً منذ بضعة أشهر وسط توقعات بتزايد وتيرتها في الفترة المقبلة في ظل تصاعد تكاليف الشحن وشح السلع الأساسية مع تزايد الطلب عليها من قبل الاقتصادات الكبرى التي تشهد انتعاشاً بعد الخروج من الإغلاق الذي تسببت فيه جائحة فيروس كورونا العام الماضي.
ويعتمد اليمن على الاستيراد بنسبة تصل إلى 90% لتغطية احتياجاته الأساسية. وتأتي واردات الغذاء، مثل القمح، في المرتبة الأولى بين أهم 30 سلعة مستوردة.