أعلن جنرال سابق، طاولته اتهامات بانتهاكات سابقة لحقوق الإنسان، أمس الأربعاء، فوزه في انتخابات الرئاسة في إندونيسيا، ما أثار مخاوف حول الالتزام بالقيم الديمقراطية ومواصلة معدلات نمو الاقتصاد القوية، في الدولة الجزيرة مترامية الأطراف، والتي تعد ثالث أكبر ديمقراطية في العالم.
وقدم وزير الدفاع برابوو سوبيانتو (72 عاماً) نفسه على أنه وريث للرئيس جوكو ويدودو الذي يتمتع بشعبية كبيرة، والذي كان ابنه نائبا له. ونقلاً عن نتائج غير رسمية، قال سوبيانتو لآلاف من أنصاره في العاصمة جاكرتا، إن فوزه هو "انتصار لجميع الإندونيسيين".
وسلكت إندونيسيا، وهي أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا، مسارًا معقدًا في السنوات الأخيرة، حيث واجهت أزمات اقتصادية وتحولات سياسية، كما سعيًا مستمرًا لبناء اقتصاد قوي ومستدام. وتقع إندونيسيا في جنوب شرق آسيا وأوقيانوسيا، عند التقاء المحيطين الهندي والهادئ، ويبلغ ناتجها المحلي الإجمالي نحو 1.54 تريليون دولار، ولا تتجاوز نسبة الدين إلى الناتج المحلي 39%.
ورغم مواجهته العديد من التحديات، أثبت الاقتصاد الإندونيسي أنه يمتلك إمكانات كبيرة للنمو والتطور، ما يجعل السياسات الجديدة للرئيس المنتخب، كما الجهود الجارية لبناء اقتصاد مرن، حاسمة في تشكيل مسار البلاد المستقبلي.
ويرث خليفة ويدودو اقتصاداً يتمتع بنمو مثير للإعجاب ومشاريع بنية تحتية طموحة، حيث نما الاقتصاد في كل عام من فترتي الرئيس المغادر بمعدل سنوي يتجاوز 5%، باستثناء عام الجائحة، وفقاً لما ذكرته "أسوشييتد برس". ويدعم معدلات النمو حالياً النقل الجاري على قدم وساق لعاصمة البلاد، من جاكرتا المزدحمة إلى جزيرة بورنيو الحدودية، بتكلفة تزيد على 30 مليار دولار.
وواجهت إندونيسيا العديد من الأزمات والتحديات خلال السنوات الأخيرة، كانت في مقدمتها جائحة كوفيد-19، التي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الإندونيسي، ما تسبب في دخول الاقتصاد في ركود في عام 2020، بعدما تعطلت قطاعات رئيسية مثل السياحة والتصنيع. وفي حين أن التعافي جارٍ، إلا أن آثار الجائحة طويلة المدى، كاضطرابات سلاسل التوريد وارتفاع التضخم، لا تزال تشكل تحدياً للرئيس القادم.
وارتفع معدل التضخم في إندونيسيا إلى 5.32% في عام 2023، مدفوعًا بارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة. واتخذ البنك المركزي الإندونيسي خطوات لاحتواء التضخم، كان في مقدمِها رفع أسعار الفائدة. وتشير توقعات البنك المركزي إلى تراجع التضخم إلى مستوى 4.3% في العام 2024.
وحقق الاقتصاد الإندونيسي نموًا بنسبة 5.31% في العام 2023، متجاوزًا توقعات البنك الدولي البالغة 5.2%، ومدفوعاً بالاستهلاك المحلي القوي، والاستثمار في البنية التحتية، وعودة الصادرات للارتفاع. ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد الإندونيسي بنسبة 5.3% في عام 2024، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي.
وارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر في إندونيسيا بنسبة 8.9% في العام 2023، ليصل إلى 128.9 مليار دولار أميركي. ويُعزى هذا الارتفاع إلى تحسن بيئة الاستثمار في البلاد، مع التركيز على جذبه لقطاعات رئيسية، مثل البنية التحتية والتصنيع.
وتسبب تباطؤ التجارة والاستثمار العالمي في إحداث تأثيرات سلبية على اقتصاد إندونيسيا المعتمد على التصدير، ما أدى إلى انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي وزاد من الضغوط على العملة المحلية. ويشتري الدولار الأميركي حالياً نحو 15,623 روبية إندونيسية، لتقترب العملة من أضعف حالاتها التي شهدتها خلال الجائحة، حين لامس الدولار 16 ألف روبية.
ويمثل قطاع النفط فرصة واعدة لدعم النمو في الاقتصاد الإندونيسي، وخاصة مع تزايد أهمية الصناعة على خلفية التوترات الجيوسياسية العالمية. ويتمتع قطاع النفط في إندونيسيا بمزايا وتحديات على حد سواء، ما يجعل احتمالات نموه مرهونة بقدرة أصحاب القرار في الصناعة على مواجهة هذه التحديات، والتكيف مع ديناميات السوق المتغيرة.
وتمتلك إندونيسيا احتياطياً نفطياً ضخماً مؤكداً، كما تعد من كبار منتجي النفط حالياً، حيث تلعب الحكومة دوراً كبيراً في تشجيع القطاع، وفي تقديم الحوافز والاستثمارات للشركات العاملة فيه.
وانخفض إنتاج النفط المحلي خلال السنوات الأخيرة، بسبب قدم البنية التحتية، مما أدى إلى زيادة الاعتماد على الواردات. ويتطلب العديد من حقول النفط وخطوط الأنابيب تحسينات للحفاظ على الكفاءة والسلامة.
وتشير التوقعات إلى انخفاض إنتاج النفط بنسبة 2% - 3% سنويًا لو لم تكن هناك اكتشافات جديدة، وفقاً لما جاء في تقرير وزارة الطاقة والموارد المعدنية الإندونيسية عن "استراتيجية الطاقة الوطنية 2021-2030".
وطبقت الحكومة العديد من الإصلاحات لجذب الاستثمار وتعزيز الاكتشافات، كما أظهرت تركيزا على تطوير تقنيات أنظف، وتقليل التأثير البيئي للقطاع.
وبلغ إنتاج النفط في إندونيسا في العام 2022 نحو 631,000 برميل يوميًا، ما وضعها في المرتبة الـ22 عالميًا، بينما كان الاستهلاك المحلي اليومي يقترب من 1.6 مليون برميل يوميًا، ما جعل البلاد تستورد نحو 60% من استخداماتها من النفط من خارج البلاد. وتبلغ الاحتياطيات النفطية المؤكدة 3.7 مليارات برميل، ما يضع إندونيسيا في المرتبة الـ27 عالميًا.
وتساهم صناعة النفط في إندونيسيا بنسبة 6.5% من الناتج المحلي الإجمالي، كما تمثل عائدات الحكومة من قطاع النفط والغاز نحو 14.5% من إجمالي الإيرادات، ويشغل القطاع بشكل مباشر وغير مباشر أكثر من 2.8 مليون إندونيسي.
وأعيد انتخاب الرئيس جوكو ويدودو في العام 2019، وظهر وقتها تركيز حملته الانتخابية على تطوير البنية التحتية، وتحفيز النمو الاقتصادي، والحد من الفقر. ومع ذلك، تأثرت ولايته الثانية بشدة بالأزمات المرتبطة بالصدمات الخارجية.
وستحدد انتخابات الرئاسة بصورة كبيرة توجهات تكوين البرلمان الوطني، وهو ما سيؤثر بالتأكيد على السياسات الاقتصادية المستقبلية. وتتنافس عدة أحزاب سياسية على السلطة، حيث يتقدم كل منها بجدول أعمال اقتصادي خاص به. ويشعر الناخبون بشكل متزايد بالقلق بشأن ارتفاع تكاليف المعيشة، وانخفاض فرص العمل المتاحة والرعاية الاجتماعية، ما يجعل هذه القضايا محوراً رئيسياً للخطاب السياسي خلال فترة الانتخابات، ويضغط على المرشحين لاقتراح حلول اقتصادية فعالة.