إلفيرا نابيولينا... السيدة التي حافظت على قوة الروبل الروسي رغم الحرب والعقوبات الشديدة
مع توسيع الدول الغربية عقوباتها الاقتصادية على روسيا بسبب حربها على أوكرانيا، صَعَدَت إلفيرا نابيولينا، محافظة البنك المركزي الروسي والشخص الأكثر شهرة في حكومة الرئيس فلاديمير بوتين، إلى واجهة الأحداث.
لم تتحمل نابيولينا صدمة تجميد الغرب لنصف احتياطيات النقد الأجنبي التي أمضت السنين في بنائها، ففقدت أعصابها، وضاعفت سعر الفائدة على الروبل إلى 20 بالمائة مقابل 9 بالمائة قبل فرض العقوبات التي تسببت، مع الضجيج الإعلامي المصاحب لها، في فقدان العملة الروسية ما يقرب من ستين بالمائة من قيمتها.
لكن بعد قرار بوتين بالحصول على مقابل صادراته من النفط والغاز بالروبل الروسي، وما تلاه من ضجة إعلامية هولت من تأثيرات القرار، وبتدخلات نابيولينا غير المدعومة بقوى حقيقية في سوق العملة، عاد الروبل إلى المستوى الذي كان عليه عند بدء الحرب في الرابع والعشرين من فبراير / شباط الماضي.
ومع ذلك، لا يمكن لأحد إنكار دور القيود التي فرضتها نابيولينا على تحركات رؤوس الأموال والنقد الأجنبي إلى الخارج مطلع الشهر الماضي في توفير بعض الحماية "المؤقتة" للروبل.
وبلغ سعر الدولار أمس الأحد، نحو 76 روبلا بعد أن وصل إلى 100 روبل عقب بدء الحرب الروسية على أوكرانيا.
يتابع الجميع كيفية إدارتها لأكثر من 640 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي، قالت البنوك التابعة للدول الغربية إنها جمدت ما يقرب من نصفها، انتظاراً لما يمكن أن يسفر عنه قرار الرئيس الروسي ببيع منتجات الطاقة مقابل الروبل.
شغلت نابيولينا المنصب منذ عام 2013، وشغلت قبله منصب وزيرة التنمية الاقتصادية والتجارة، كما كانت أقرب المستشارين الاقتصاديين للرئيس.
ورغم اتهام الغرب لها بالجهل بأساسيات الاقتصاد الكلي، اعتبرتها مجلة "ذا بانكر" البريطانية عام 2017 أفضل محافظة بنك مركزي في أوروبا.
ودعاها صندوق النقد الدولي لإلقاء واحدة من أهم محاضراته السنوية عام 2018، واختارتها مجلة "فوربس" الشهيرة ضمن قائمة أقوى مائة أمرأة في العالم، إلا أن الإعلام الغربي ما زال يتهمها بالهدوء والنعومة المبالغ فيهما، ويقول البعض إنهم لم يسمعوا لها قط صوتاً عالياً، على عكس ما يُعرف عن أغلب محافظي البنوك المركزية حول العالم.
يشيد الكثيرون بإنجازاتها التي لخصها أحدهم في ثلاث نقاط، أولها إغلاق 500 بنك روسي من البنوك الضعيفة، وثانيها كبح جماح التضخم من خلال فرض سياسات تقييدية، وآخرها وضع معدل مستهدف للتضخم عن طريق تعويم الروبل الروسي، وكما هو واضح كلها إنجازات تعجب الغرب، إلا أنه كانت هناك إخفاقات على الطريق، لم يستطع أكبر المؤيدين تجاهلها.
سمحت نابيولينا لبنوك كبيرة بالاستيلاء على عدد كبير من البنوك المنهارة، وكان منها ثلاثة من البنوك الخاصة المشكوك في كفاءتها وشفافيتها، استحوذ كل منها على حوالي عشرة من البنوك الفاشلة، قبل أن تقترب البنوك الثلاثة الكبيرة من الإخفاق بسبب الممارسات السيئة والإجراءات غير القانونية، لتضطر الحكومة الروسية في 2017 لتأميم تلك البنوك، بمشترياتها من البنوك الأخرى، ولتقفز حصتها في النظام المصرفي الروسي إلى 70%.
بعدها فشلت كل محاولات الخصخصة لأي من البنوك التي امتلكها النظام الروسي وحكومته.
ومع انهيار العديد من البنوك الروسية في نفس العام، كانت هناك اتهامات واضحة للعديد من المسؤولين الكبار فيها، إلا أن أحداً لم يقدم للمحاكمة وقتها.
وفي 2018، عينت نابيولينا نائباً لها، على الرغم من اتهام الولايات المتحدة له بالفساد، والضلوع في العديد من العمليات الإجرامية التي شملت ضمن اتهامات أخرى غسل الأموال والعمل مع المافيا الروسية.
في 2018، عينت نابيولينا نائباً لها، على الرغم من اتهام الولايات المتحدة له بالفساد، والضلوع في العديد من العمليات الإجرامية
تسببت نابيولينا في حدوث أزمة عملة ضخمة في بلادها في 2014 و2016 رغم احتفاظ البلاد بفائض قوي في الحساب الجاري، قبل أن تشرع، بتعليمات وخطط بوتين، في بناء احتياطي نقد أجنبي، جعلها ضمن أكبر 5 دول في العالم فيه، وهو ما اعتبره البعض مؤخراً أهم خطوات الاستعداد للحرب على أوكرانيا، على حساب سياسات تقشفية، حرمت الملايين من الروس من تحسين مستويات معيشتهم.
يتابع الإعلام الغربي "البروش" الذي تضعه نابيولينا على ملابسها في كل ظهور عام، ويعتبرونه في أغلب الأحوال رسالة من واحدة من أهم قيادات البلاد عن الحالة الاقتصادية فيها، حيث كان على شكل موج أزرق وكأس عند ظهورها في إحدى المناسبات الهامة في 2020 التي شهدت استقراراً اقتصادياً واضحاً، ثم كان على شكل صقر عند ظهورها في 2021 عقب الإعلان عن رفع معدلات الفائدة على عمليات إعادة التمويل للمرة الأولى في ثلاث سنوات.
وبعد تأكيدها على رسالة البروش، التي قالت في سبتمبر / أيلول 2021 إنها "تمنح الأسواق فرصة للتفكر في معناه"، ظهرت نابيولينا بعد أربعة أيام من بداية الغزو الروسي لأوكرانيا بدون بروش.
يقول المحللون الغربيون إن نابيولينا، التي كان والدها سائقاً، وعملت والدتها كمديرة بأحد المصانع السوفييتية، تعد أهم أدوات بوتين لتنفيذ رغبته في العودة بالاقتصاد الروسي إلى العصر السوفييتي وتدمير استقلالية البنك المركزي.
وهناك أنباء تروج لطلبها الاستقالة خلال الفترة الأخيرة، ورفض الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، استقالتها وطلب منها البقاء في منصبها، بحسب تقرير نشرته وكالة بلومبيرغ.