بعد أن كان أحد رجال الدولة الأقوياء، قرر رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة، التخلي عن رئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله وإقالته من منصبه، بضغط من وزير النفط محمد عون، الذي خاض معه صراعا مريرا على من يقود دفة القطاع.
لكن الصراع بين عون وصنع الله لن يتوقف عند إقالة الأخير، الذي قد يلجأ إلى المناورة من خلال تغيير موقعه من طرابلس إلى بنغازي (شرق)، والتحالف مع حكومة فتحي باشاغا، للبقاء في منصبه.
وتجلّى ذلك من خلال دعوة لجنة الطاقة في مجلس النواب بطبرق، "مجلس إدارة مؤسسة النفط، إلى اتخاذ التدابير اللازمة لنقل مقر المؤسسة إلى مقرها القانوني في بنغازي".
لماذا أقال الدبيبة صنع الله؟
الخلاف بين صنع الله وعون بدأ منذ تعيين الأخير وزيرا للنفط في مارس/آذار 2021، ورغبته في إدارة قطاع المحروقات، بما فيه مؤسسة النفط التي تقع تحت مسؤوليته قانوناً.
لكن عون اصطدم برغبة رئيس المؤسسة في الحفاظ على نفوذه واستقلاليتها عن التدخلات السياسية وعدم استجابته لقراراته، ما اضطره إلى إقالته في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إلا أن الدبيبة تدخّل وألغى هذه الإقالة، وحاول رأب الصدع بينهما.
وبقي التشنج بين الرجلين متواصلا، حيث ألغى عون قرارات لصنع الله، بإنهاء مهام بعض رؤساء المؤسسات التابعين لمؤسسة النفط.
وآخر هذه المواجهات، اتهام الوزارة لرئيس مؤسسة النفط بعدم الشفافية، وأنه حجب 10 مليارات و900 مليون دينار ليبي (2.2 مليار دولار) عن خزينة الدولة لـ16 شهرا عند شركات أجنبية، خسرت البلاد فيها عشرات ملايين الدولارات.
بينما تحدث صنع الله، في فيديو منشور على موقع المؤسسة، عن وجود "مراجعة داخلية" في ضبط أمور القطاع، نافيا بشكل ضمني اتهامات وزير النفط له بعدم الشفافية.
وفي هذا السياق، وافق الدبيبة على إقالة أعضاء مجلس إدارة مؤسسة النفط، بمن فيهم صنع الله، وذلك خلال اجتماع مجلس الحكومة في بلدة جادو بالجبل الغربي في 23 يونيو.
وكان قرار الإقالة مستغربا، خاصة وأن صنع الله كان محسوبا على الدبيبة في صراعه مع باشاغا، بدليل تسييله 6 مليارات دولار لحكومة الوحدة في إبريل/نيسان الماضي، ما أثار استياء المنطقة الشرقية.
إلا أن مصادر إعلامية تحدثت عن مماطلة رئيس مؤسسة النفط في تحويل صادرات المحروقات إلى البنك المركزي ومنه إلى الحكومة، إلا بضغوطات من أطراف سيادية، بينها ديوان المحاسبة، الذي طالب صنع الله بتحويل إيرادات النفط للحكومة.
ومن المرجح أن يكون هذا أحد أسباب الفتور في علاقة الدبيبة مع صنع الله، ورغبته هو الآخر في تغييره.
الاستعانة بالمنطقة الشرقية
لا يبدو أن صنع الله مستعد لرمي المنشفة سريعا بعد قرار إقالته، الذي لم يبق لتنفيذه سوى تعيين خليفة له، إذ من المرجح أن يستغل الانقسام الحاصل بين حكومتي الدبيبة وباشاغا، وبين الغرب والشرق، للبقاء في منصبه.
فبعد ثلاثة أيام من موافقة الدبيبة على طلب إقالته، استقبل صنع الله وفدا من أعيان ومشايخ قبائل الشرق، بمقر مؤسسة النفط في طرابلس.
وعبّر شيوخ القبائل، بحسب بيان لمؤسسة النفط، عن دعمهم "غير المحدود للمؤسسة الوطنية للنفط"، مشيدين بنزاهة رئيسها مصطفى صنع الله، وجهوده في الحفاظ على وحدة قطاع النفط، والنأي به عن أي تجاذبات سياسية.
وهذه الخطوة توضح أن صنع الله قرر الاستعانة بالمنطقة الشرقية الخاضعة لسيطرة قائد قوات الشرق خليفة حفتر، لمقاومة قرار إقالته.
كما تلقّى رئيس مؤسسة النفط، دعما سياسيا من لجنة الطاقة في مجلس النواب بطبرق، التي حذرت من المساس بمجلس إدارة المؤسسة، وقالت إنها لن تعترف بأي قرار في هذا الشأن، داعية إلى النأي بها عن الصراعات. وسبق لباشاغا أن أعلن دعمه لمؤسسة النفط للقيام بمهامها من أجل دعم الاقتصاد الوطني.
الموقف الأميركي
منصب رئيس مؤسسة النفط ليس من المناصب السيادية السبعة الموزعة جغرافياً على الأقاليم الثلاثة، والتي يشرف مجلسا النواب والدولة على تقاسم تعيينها، لذلك فمن حق الحكومة إقالة صنع الله من منصبه.
رغم أن هناك تنافسا كبيرا بين الأقاليم الثلاثة (طرابلس، برقة، فزان) للفوز بهذا المنصب، لما يوفره من نفوذ مالي وسياسي، إلا أن إقالة صنع الله من شأنها تأزيم الصراع على موارد النفط بين الشرق والغرب، والذي يمثل نحو 95 بالمائة من صادرات البلاد إلى الخارج.
ولن تكون الولايات المتحدة بعيدة عن هذا الصراع، خاصة وأنها تضغط منذ أشهر من أجل تشكيل لجنة للإشراف على موارد النفط الليبية، وتقوم بتشغيلها شركة تدقيق خاصة، لتحويل الدخل من مؤسسة النفط إلى مؤسسات الدولة، من دون استغلال هذه الأموال سياسيا.
ولطالما حصل صنع الله على دعم أميركي وغربي طيلة الأعوام الماضية، رغم محاولة قائد قوات الشرق الليبي خليفة حفتر، السيطرة على موارد النفط، بحكم تحكّمه في الحقول والموانئ النفطية.
لكن في الأشهر الأخيرة ساءت العلاقة بين الولايات المتحدة وصنع الله، لتسييله 6 مليارات دولار لحكومة الدبيبة، "مقابل ضمان الحصول على ما يعادلها بالدينار لصيانة البنى التحتية لقطاع النفط"، بحسب موقع "أفريكا أنتلجنس" الفرنسي.
وتسبب ذلك في اندلاع أزمة نفط، بعد إغلاق عدد من الحقول والموانئ النفطية في شرقي وجنوبي البلاد، بعد اتهام الأطراف الداعمة لحكومة باشاغا، صنع الله، بالانحياز إلى حكومة الدبيبة، ما أدى إلى تراجع إنتاج النفط من أكثر من مليون برميل في اليوم إلى أقل من 200 ألف برميل يوميا.
وليس من المؤكد أن تلقي واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون حبل النجاة لصنع الله، إلا إذا وافق على تنفيذ خطتها لإدارة موارد النفط الليبية بالشكل الذي يعزز دفع النفط والغاز الليبيين إلى الأسواق الأوروبية لتعويض المحروقات الروسية.
ورغم تأكيد صنع الله، حياد مؤسسة النفط، ومحاولة النأي بها عن الصراعات السياسية، إلا أن تهم الانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك، من شأنه التعجيل برحيله، بعد أن تخلت الأطراف الداعمة له، إلا إذا تغيرت قواعد اللعبة وأعيد ترتيب التحالفات والصفقات.
(الأناضول)