أسدلت محكمة دبي الستار على المشهد الأخير لعملاق المقاولات الإماراتي "أرابتك" بعد قبولها طلب افتتاح إجراءات إفلاس الشركة المساهمة العامة والشركات التابعة لها، والذي تقدم به مجلس الإدارة بناء على القرار الذي اتخذه المساهمون في اجتماع جمعية عمومية عقد يوم 30 سبتمبر/ أيلول 2020.
ويعد إفلاس العملاق الإماراتي كاشفاً مهماً عن المأزق الذي يعانيه قطاع العقارات منذ أكثر من عشر سنوات، ولم تفلح معه كل محاولات الدعم الحكومي خلال الفترة الماضية، ليبدأ الانهيار الذي يعتبر من وجهة نظر الكثيرين إفلاس أرابتك إحدى حلقات سلسلة بدأت بالفعل، ومن المرجح أن تستمر خلال الأعوام المقبلة، ضاربة ليس فقط القطاع العقاري الإماراتي ككل، بل ربما تتسبب بخسائر كبيرة لبعض القطاعات الأخرى.
وقد عمّقت أزمة كورونا من خسائر شركات المقاولات الإمارتية والتي تكبدت خسائر فادحة خلال العام الماضي، وكانت أرابتك على رأس الشركات الخاسرة، والتي التهمت خسائرها كامل رأسمالها، ففي خلال الأشهر الستة الأولى من 2020 سجلت الشركة خسائر بقيمة 794 مليون درهم (216.3 مليون دولار)، ليقفز إجمالي خسائرها المتراكمة بنهاية أغسطس/ آب الماضي، طبقاً لبيان بورصة دبي، إلى 1.45 مليار درهم، ما يشكل 97.3% من رأسمالها البالغ 1.5 مليار درهم، وفي يونيو/ حزيران 2020، أصبح إجمالي الالتزامات المالية عليها نحو 2.75 مليار دولار، منها 500 مليون دولار اقترضتها من بنوك.
ولم يكن عام كورونا الذي تذرعت إدارة الشركة به هو العام الأول من نوعه من حيث الخسائر الضخمة، فقد سبق للمجموعة عام 2016 استخدام مليار درهم من احتياطياتها لتغطية بعض ديونها المتراكمة، التي تخطت بنهاية هذا العام 2.46 مليار درهم بسبب أزمات واجهتها لأكثر من عامين نتيجة كساد سوق الإنشاءات في الخليج ومشكلات داخلية بالمجموعة.
وعلى الرغم من فوز الشركة بعد ذلك بعقد بقيمة 311 مليون درهم لإنشاء الطرق البينية والعامة، بما فيها مناطق التجمع وساحات في موقع الإكسبو بدبي، تلاه الفوز بعقد من شركة إعمار مصر لتنفيذ مشروع ذا جريك فيليدج بقيمة 373.4 مليون درهم، إلا أن الشركة لم تستطع الصمود طويلاً، إذ سجلت صافي خسائر في 2019 بلغ 774 مليون درهم.
لم تكن أرابتك النموذج الوحيد لخسائر شركات القطاع العقاري الإماراتي، حيث توجد العديد من الشركات العقارية التي حققت خسائر كبيرة، والتي تعود إلى التباطؤ الشديد للقطاع ونقص السيولة التي تسببت في تأخير التسويات والمستحقات، ما أدى إلى انخفاض التدفقات النقدية للشركات، علاوة على انخفاض أعداد المشروعات الجديدة كنتيجة طبيعية لحالة الانكماش الناجمة عن تداعيات الفيروس على مؤشرات الاقتصاد الكلي.
وكانت من أبرز الشركات الخاسرة - بخلاف أرابتك - شركة "الاتحاد العقارية"، والتي تكبدت 160.4 مليون درهم بنهاية النصف الأول من العام الماضي، مقارنة بخسائر 82.3 مليون درهم خلال نفس الفترة من 2019، بزيادة 95%. وكذلك شركة منازل العقارية في أبوظبي والتي تكبدت خسائر 98.9 مليون درهم، كما تحولت نتائج شركة داماك العقارية، المُدرجة في سوق دبي المالي، للخسائر بنحو 386.7 مليون درهم، مُقابل أرباح بقيمة 81.6 مليون درهم في العام السابق.
عمّقت أزمة كورونا من خسائر شركات المقاولات الإمارتية والتي تكبدت خسائر فادحة خلال العام الماضي، وكانت أرابتك على رأس الشركات الخاسرة
دفعت هذه الخسائر وكالة التصنيف "ستاندرد آند بورز" للقول إن سنوات عجافاً تنتظر القطاع العقاري في دبي، كما جرّدت الوكالة أشهر شركات التطوير العقاري في الإمارة من تصنيفها الائتماني من الدرجة الاستثمارية، كما خفضت تصنيف أكبر شركتين للعقارات في الإمارات إلى "مرتفع بالمخاطر".
من الطبيعي ألا تتوقف حدود خسائر الشركات العقارية، وفي مقدمها إفلاس أرابتك، عند حدود القطاع العقاري، إذ منيت العديد من مصانع الأسمنت في الإمارات بخسائر هي الأخرى بسبب تراجع الأنشطة العقارية، وأظهرت إحصائية قامت بها "أرقام كابيتال" تسجيل شركات الأسمنت خسائر مجمعة بلغت 535.5 مليون درهم بنهاية عام 2020، إذ طاولت الخسائر شركات أسمنت الفجيرة والشارقة للأسمنت والتنمية الصناعية وأسمنت رأس الخيمة.
كما من المتوقع أن تطاول الخسائر بعض البنوك الإماراتية المقرضة للشركات العقارية الخاسرة، فعلى سبيل المثال تبلغ القروض البنكية لشركة أرابتك المفلسة طبقاً لتقارير نحو 10 مليارات درهم ما بين قروض مضمونة وغير مضمونة، ويتوزع المبلغ بين الشركة الأم وتوابعها، وبالطبع فإن توقف الشركات العقارية سيوقف سداد القروض أو على الأقل سيعيد هيكلة السداد.
يبدو أن السبب الأول في خسائر الشركات العقارية نقص السيولة الحكومية، والذي يرجع في نسبة منه إلى التراجع الكبير في أسعار النفط والغاز خلال عام كورونا، الأمر الذي أدى إلى حالات تأخير في العديد من المشاريع، وبالتالي تكبد تكاليف إضافية متصلة بالتأخير، إلا أنه ورغم التعافي الكبير للأسعار خلال الأشهر الماضية إلا أن السوق الإماراتي لم يستعد جزءاً من توازنه بعد، الأمر الذي يشير إلى وجود أسباب أخرى بخلاف تراجع أسعار النفط.
ويشير الخبراء إلى المغامرات العسكرية الإماراتية خلال الأعوام الأخير وما تبعها من توسع في الإنفاق على مشتريات الأسلحة، إذ استنزفت الإمارات جزءاً مهماً من سيولتها المالية خلال السنوات الأخيرة على التسلح، الأمر الذي عمق أزمة السيولة الناجمة عن تراجع أسعار النفط علاوة على الخسائر بسبب انتشار فيروس كورونا.
جاء إعلان إفلاس عملاق العقارات "أرابتك" بعد 45 عاماً من تدشينه ليدق جرس الإنذار ليس فقط على الأزمات التي يواجهها الاقتصاد الإماراتي خلال العقد الأخير، ولكن ليشير كذلك إلى الضعف والخلل في البنى الهيكلية الاقتصادية الكلية، والتي تعتمد على القطاعات الخدمية شديدة التضرر من الأزمات العالمية التي أضحت متلاحقة.
ربما يستوعب الاقتصاد الإماراتي إفلاس شركة أو أكثر، وربما يتأجل لبعض الوقت إعلان حقيقة أزمة الاقتصاد الإماراتي وعمقها، ولكن من المؤكد أن الأزمة تزداد استفحالاً، وأنها تحتاج إلى مواجهة جذرية من النواحي الاقتصادية، علاوة على الاستفاقة السياسية من أوهام الإنفاق على التسليح والعمليات العسكرية خارج الحدود، وبغير ذلك، ربما سنشهد الكثير من حالات الإفلاس خلال الفترة المقبلة.