إغراق السوق العراقية: صعود الاستيراد بعد هبوط الليرة التركية

22 يناير 2022
تزايد كميات المنتجات التركية في العراق (مرتضى السوداني/ الأناضول)
+ الخط -

تتزايد المخاوف في العراق من التأثيرات السلبية لتراجع العملة التركية، وسط ارتفاع كبير في حجم الاستيراد للاستفادة من هبوط الليرة، ما يبث الذعر في عصب المنتجين المحليين. ويشدد الخبراء على أن الهزات الاقتصادية في أي بلد محيط بالعراق تحتاج في المقابل إلى خطط للحماية من تأثيراتها. وسجلت الليرة التركية تراجعاً حاداً وصل إلى نحو 18 ليرة مقابل الدولار، قبل أن تعود للتعافي بارتفاع وصل إلى 11 ليرة أمام الدولار إثر إجراءات حكومية تركية.

ووفقا لعضو غرفة تجارة بغداد عدنان الفريجي، فإن "هبوط الليرة بدأ يستقطب أعدادا كبيرة من التجار العراقيين، الذين بدأوا بمضاعفة كميات وارداتهم، وتحديدا الملابس والمواد الغذائية، مستفيدين من انخفاض الأسعار في تركيا. لكن بعض التجار والشركات التركية أوقفت البيع للعراقيين مؤقتا إلى حين استقرار الأوضاع".

وبيّن الفريجي لـ"العربي الجديد" أن "المشكلة تكمن في أن التجار لا يتعاملون وفق خطط حكومية مدروسة، بل تجذبهم المنافع الشخصية، وهذا كله يؤثر على السوق العراقية، حيث إن ضخ مواد مستوردة بكميات كبيرة يخنق المنتج المحلي الصناعي والزراعي وغير ذلك في البلاد"، محذرا من "استمرار تلك الاتجاهات العشوائية وإغراق السوق العراقية بالمنتجات التركية، وما يترتب عن ذلك من أزمات تقود إلى التأثير على حجم العمالة ومستوى معيشة العراقيين".

بدوره، انتقد عضو اللجنة المالية في البرلمان المنحل جمال كوجر عدم وضع الحكومة خططا لتلافي تأثيرات هبوط العملة التركية على اقتصاد العراق.

وقال كوجر، لـ"العربي الجديد"، إن "حجم التبادل التجاري مع تركيا تجاوز 13 مليار دولار، كما أن هناك استثمارات عراقية في تركيا، لا سيما في قطاع العقارات، وكلها قد تتأثر سلبا خلال المرحلة المقبلة"، مبينا أن "تهاوي العملة التركية سيزيد من الإقبال العراقي على الاستيراد، وهذا ستكون له نتائج سلبية على البلاد".

وأشار إلى أن "العراق يتأثر بشكل كبير بالتغيرات الاقتصادية في الدول المجاورة، كونه يعتمد بالأساس على الاستيراد، وأن البلد بحاجة إلى وضع خطط مناسبة للحد من تلك التأثيرات، من خلال رفع الضرائب على الاستيراد بهدف تحجيمه، وتقليل الآثار المترتبة عنه".

وشدد على أن "الحكومة العراقية منشغلة بصراعاتها ومشاكلها، وهي بعيدة كل البعد عن وضع الخطط الاقتصادية الرصينة، ولا توجد في البلد مؤسسات رصينة ومراكز بحث تتابع هذه القضايا وتوجه الحكومة لاتخاذ إجراءات محددة لتلافي الأزمات".

وأشار إلى أن "كل ما يجري من حولنا الحكومة العراقية غائبة عنه، ومنشغلة بصراعات السلطة، والمليشيات، والكتلة الكبرى، والمنافع الخاصة، ولا تدرس هذه المشاكل الأساسية ولا تضع لها أي حلول".

وأضاف أن "العراق تقريباً خرج عن سباق الصناعة والزراعة، وأصبح بلدا مستهلكاً ومكباً لبضائع كل دول العالم، والحكومة غير قادرة على توفير أي شيء عدا المواد الرئيسية، وأن الاقتصاد سيكون رهين الظروف العالمية، خاصة أن الدولة ريعية تعتمد بنسبة 93 في المائة من وارداتها على النفط، الذي تعد أسعاره متذبذبة".

وشدد على أن "كل ذلك يضع العراق أمام اهتزازات اقتصادية كبيرة، وسيكون المواطن متأثرا بها، في وقت الحكومة غير مبالية ولا تعتمد على أي تخطيط مسبق".

أما الخبير في الشأن الاقتصادي باسم جميل أنطوان، فقد حذر من تلك التأثيرات، داعيا إلى تلافيها بخطط لحماية المنتج المحلي في البلاد.

وقال أنطوان لـ"العربي الجديد" إن "الدول التي تتعامل بالتجارة تلجأ، عندما تضعف السوق في المنطقة، إلى سياسات اقتصادية كتخفيض العملة وغير ذلك، لتستقطب السياح والتجار وتنعش إنتاجها الصناعي"، مبينا لـ"العربي الجديد" أن "السياحة في تركيا مع انخفاض عملتها انتعشت على اعتبارها الأرخص بين الدول، ووفقا للتقارير، يدخلها سنويا 40 مليون سائح، كل واحد منهم يصرف داخل تركيا 1000 دولار وفقاً لمنظمة السياحة العالمية، هذا قبل انخفاض العملة، أما اليوم، فبدأت تستقطب أكثر عدد من السياح على حساب دول المنطقة ومنها العراق، كما أن أفواج السياح العراقيين زادت نحو تركيا، وهذا يؤثر على إخراج العملة الصعبة من البلاد".

وأشار إلى أن "استقطاب تركيا السياح أصبح على حساب العراق، إذ إن الكثير من السياح، بدلا من أن يأتوا إلى شمال العراق أو إلى المناطق السياحية في المحافظات الأخرى، بالتأكيد سيتجهون نحو تركيا بسبب انخفاض كلفة السياحة فيها".

وأكد أن "التأثيرات لن تنحصر في المجال الاقتصادي فحسب، بل حتى في مجال هجرة العراقيين نحو تركيا، إذ إن العراق من أكبر الدول التي توجهت لشراء أملاك وعقارات في تركيا للسكن فيها". وأشار إلى أن "البضائع التركية ستنافس المنتج العراقي في السوق المحلية وتؤثر جداً على الإنتاج الصناعي والزراعي العراقي"، منتقدا "إهمال الحكومة وضع خطط حماية الإنتاج المحلي، والاتكال على المنتج المستورد بسبب رخص أسعاره".

المساهمون