إعدام الكتاكيت في مصر.. عن أصل الأزمة دوّر

17 أكتوبر 2022
قصة إعدام ملايين الكتاكيت لا يجب معالجتها في إطار سوء الإدارة (فرانس برس)
+ الخط -

إعدام ملايين الكتاكيت في مصر هو عرض لأزمة قائمة ومستفحلة وتتفاقم يوما بعد يوم. ينطبق ذلك على مئات الظواهر والأزمات الفرعية الأخرى مثل ارتباك أسواق السلع والقطاع الإنتاجي والاستهلاكي، تفشي الركود والكساد، وصول الوضع الاقتصادي للقطاع الخاص إلى أدنى مستوى له منذ منتصف 2020.

انتعاش السوق السوداء للعملة، اختفاء الدولار من الأسواق، اختفاء مئات أنواع الأدوية وارتفاع المستورد منها بشكل حاد، قفزات الأسعار الشعبية ومنها السلع الغذائية مثل اللحوم والدواجن والبيض، قفزات أسعار السيارات والأدوات الكهربائية والسلع المنزلية والملابس.

قفزات أسعار الأعلاف، وهو ما أدى إلى حدوث ارتفاع متواصل في أسعار اللحوم والدواجن. خسائر قطاع الدواجن وتسريح آلاف العامين في المزارع.

زيادة سعر جلسة الغسيل الكلوي من 325 إلى 500 جنيه من دون مراعاة لظروف ملايين المرضى بهذا المرض اللعين، اختفاء المواد الخام والسلع الوسيطة المستخدمة في الإنتاج وقطاع الصناعة ومستلزمات التصدير بسبب القيود المفروضة على الواردات بسبب أزمة العملة وتراجع الاحتياطي الأجنبي، زيادة مصروفات المدارس والجامعات والدروس الخصوصية.

إرجاء مستثمرين عرب وأجانب ضخ استثمارات ضخمة في مصر وشراء أصول بسبب اضطراب البورصة والتراجع المستمر في قيمة الجنيه

تمتد الأزمات الفرعية تلك إلى ما يحدث في قطاع الاستثمار حيث إرجاء مستثمرين عرب وأجانب ضخ استثمارات ضخمة في مصر وشراء أصول بسبب اضطراب البورصة وأسواق الصرف والتراجع المستمر في قيمة الجنيه، هروب 22 مليار دولار من الأموال الساخنة خلال فترة وجيزة، تردد المستثمر المحلي في ضخ استثمارات جديدة وتوسيع نشاطه.

كما تمتد مظاهر الأزمة إلى المركز المالي للدولة حيث عجز متفاقم في الموازنة العامة رغم حديث وزارة المالية المتواصل عن تحقيق فائض أولي في الموازنة، وكذا عجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات.

كل تلك المظاهر وغيرها هي عرض لأزمة اقتصادية كبيرة، الأزمة هنا لا ترجع فقط لأسباب خارجية كما يحاول بعض المسؤولين ووسائل الإعلام الترويج لذلك وإلصاقها بحرب أوكرانيا وتداعيات وباء كورونا والتضخم العالمي وزيادة سعر الطاقة.

فالأزمة قائمة منذ سنوات وأسبابها معروفة للقاصي والداني وأبرزها السفه في الاقتراض الخارجي، إدارة الاقتصاد بعشوائية، إهدار المال العام، السفه في الإنفاق على شراء طائرات وإقامة قصور ومقار حكومية، غياب الأولويات لدى صانع القرار، الاعتماد على الأموال الساخنة في توفير السيولة النقدية والدفاع عن قيمة العملة.

ولذا لا يجب التعامل مع الأعراض والمظاهر السابقة وغيرها على أنها أزمات مستقلة نحاول أن نبحث عن أسبابها وكيفية معالجتها، وبالتالي تشغلنا عن النقاش في الأزمة الأساسية.

الأزمة قائمة منذ سنوات وأسبابها معروفة وأبرزها السفه في الاقتراض الخارجي، إدارة الاقتصاد بعشوائية، إهدار المال العام

أزمة إعدام ملايين الكتاكيت مثلا، لا يجب حصرها في سبب واحد هو عدم توفر الأعلاف التي يجري استيرادها من الخارج، أو بسبب قفزات سعر الأعلاف بسبب الدولار والتضخم العالمي.

وعندما نبحث عن السبب الحقيقي لقفزة تكلفة علاج الفشل الكلوي يجب ألا نتوقف عند البحث في جزئية زيادة أسعار مستلزمات جلسة الغسيل بسبب المتغيرات العالمية كما قال وزير الصحة، ولا بسبب قفزة سعر الدولار.

بل علينا أن نعالج الأصل وهو الأسلوب الخطأ في إدارة الاقتصاد وما نتج عنه من اقتراض 110 مليارات دولار في غضون 8 سنوات، وإنفاق تريليونات الجنيهات على مشروعات لا تمثل أولوية للمواطن والاقتصاد في الوقت الحالي، وتجاهل دراسات الجدوى، وتأسيس صناديق موازية لا يعلم أحد كيف تدار ولا حجمها ولا مصادر أموالها ولا تفاصيل نفقاتها ولا من يراقبها.

كل ما يحدث في السوق هو ردة فعل لأزمة كبيرة، وقصة إعدام ملايين الكتاكيت لا يجب معالجتها في إطار سوء الإدارة، وأن الأعلاف والذرة والصويا موجودة في الموانئ منذ أكثر من شهرين، لكن سلطات الجمارك لم تفرج عنها كما يتردد.

علينا أن نعالج أصل المشكلة وهو الأسلوب الخطأ في إدارة الاقتصاد وما نتج عنه من اقتراض 110 مليارات دولار في غضون 8 سنوات

والأزمة الفرعية أكبر من أن تعالج عن طريق استجواب صوري في البرلمان يستفسر عن سر احتجاز نحو 1.5 مليون طن من الذرة الصفراء في الموانئ، و500 ألف طن من فول الصويا، أي ما يعادل مليوني طن من أعلاف الدواجن، ولا بالهجوم على التجار والمربين أو حتى وزارة المالية والبنك المركزي.

الأزمة وغيرها سببها معروف وأكبر من حصرها في سبب واحد، حتى لو كان أزمة العملة وندرة النقد الأجنبي والاضطراب في سوق الصرف والذي لن يعالج بالحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، حتى لو بلغت قيمته 15 مليار دولار كما كانت تخطط الحكومة.

المساهمون