إطفاء الأنوار والتوقيت الصيفي يكشفان معاناة الحكومة المصرية مع نقص الدولار

27 ابريل 2023
الحكومة المصرية تطفئ الأنوار لتوفير العملة الصعبة (Getty)
+ الخط -

تبدأ مصر غداً التوقيت الصيفي الجديد، مستهدفة خفض تكاليف إنتاج الكهرباء وتوفير استهلاك الغاز بمحطات التوليد لتصديره للخارج للحصول على العملة الصعبة، التي شحت مواردها بمستويات قياسية دفعت مؤسسات التمويل الدولية إلى تخفيض مستواها الائتماني، مع وجود مخاوف من عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه الجهات الدائنة.

يأتي القرار بعد 8 أشهر من قرار استهدف إطفاء الأنوار بالميادين والمنشآت العامة، وتثبيت درجات حرارة مكيفات الهواء بالمباني والمساجد عند درجة 26 درجة مئوية، لوقف تشغيل محطات التوليد العاملة بالغاز الطبيعي بهدف الحصول على 8.2 مليارات دولار من عوائد تصدير الغاز تمكن الحكومة من مواجهة العجز المزمن بين الصادرات الواردات، والذي يصل إلى نحو 41 مليار دولار خلال العام الجاري.

تواجه الحكومة شحا هائلا في الدولار والعملة الصعبة، اضطرتها إلى تحويل جزء من ديونها المحلية إلى ديون خارجية، بعد هروب الأجانب أصحاب الأموال الساخنة من سوق الدين الحكومي عقب الحرب الروسية في أوكرانيا، بقيمة 22 مليار دولار. رغم توقيع الحكومة على اتفاق جديد مع صندوق النقد يضمن قرضا عاجلا بقيمة 3 مليارات دولار واستثمار خليجي بنحو 14 مليار دولار أصبح متعذرا لعدم قدرتها على الوفاء بتعهداتها ببيع الأصول العامة، وتطبيق سعر صرف مرن. وارتفع الدين العام بنسبة 11.9% خلال عام 2022، بمعدل 17.4 مليار دولار، ليصل إلى 162.9 مليار دولار، مقابل 154.9 عام 2021.

و

وافق البرلمان على مشروع قانون يعيد التوقيت الصيفي اعتبارا من الجمعة 28 إبريل/نيسان الجاري حتى الخميس الأخير من شهر أكتوبر/تشرين الأول. وبررت الحكومة القانون بأنه يستهدف توفير 25 مليون دولار على الأقل من كلفة الغاز الطبيعي لتشغيل محطات توليد الكهرباء، مع تبكير ساعات العمل ساعة واحدة عن المعتاد، وغلق المناطق التجارية والأندية والأنشطة المختلفة وفقا للمواعيد الرسمية الجارية، بما يرشد الطاقة بالأماكن العامة ليلا.

واعترض نواب على تغيير التوقيت لدواع صحية تؤثر على التوافق البيئي، وتزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب، وأكد آخرون أن التوقيت الصيفي يزيد من الطلب على الطاقة في المناطق السكنية، بما يقدر بنحو 2% -4%، مع زيادة معدلات الاستهلاك بالمنازل، التي يظهر أثرها في زيادة فواتير الكهرباء صيفا، مع ارتفاع تشغيل وسائل التبريد، مدفوعة بضيق المساحات السكنية والبناء بمواد غير عازلة لدرجات الحرارة.

واستطاعت الحكومة عبر آلاتها الميكانيكية للتصويت في البرلمان إعادة العمل بقانون التوقيت الصيفي، الذي ألغي منذ سنوات لتسببه في ارتباك بدوائر الأعمال، وكلف شركات الطيران والسياحة والمؤسسات الدولية ملايين الدولارات نتيجة أخطاء في التنفيذ وعدم إبلاغ المنظمات الدولية بالتغييرات المقررة سنويا قبل تنفيذه بفترات كافية وتعارضه مع توقيتات شهر الصيام.

ووافق البرلمان على القانون، وانقلب أكثر النواب على آرائهم المعارضة للقانون للمقبل، التي تركزت حول عدم فاعلية القانون في ترشيد الطاقة بنسبة مستهدفة تصل إلى 5% من قدرات التوليد، بعدما أظهرت تقارير استهلاك الكهرباء على مدار السنوات العشر الماضية عدم تأثر الاستهلاك بتغيير نظام التوقيت.

وأشارت تقارير الشركة القابضة لكهرباء مصر إلى وجود تراجع في الاستهلاك، مدفوعاً بارتفاع أسعار الكهرباء لكافة الشرائح وخاصة المنزلية، وانخفاضها بالمصانع نتيجة توقف الآلاف منها عن التشغيل أو العمل الجزئي واعتماد أنظمة حديثة للإضاءة والإنتاج.

وأشارت تقارير جهاز مرفق الكهرباء والطاقة إلى توجه الحكومة لبناء محطات توليد بلغت قدرتها 62 ألف ميغاوات، مع تراجع متوسط الاستهلاك بالحمل الأقصى على مستوى الجمهورية خلال فترات الصيف إلى حدود 28 ألف ميغاوات يوميا. وتبين التقارير وجود خلل دائم في قدرة شركات الكهرباء على تصدير فائض الطاقة للدول المجاورة، مع ضعف إمكانات شبكات الربط، الذي يصل إلى نحو 40% من قدرات التوليد الاسمية، مع الاحتفاظ بفائض احتياطي يفوق المعدلات العالمية، يصل إلى نحو 20% من قدرات التوليد الجاهزة للتشغيل على مدار الساعة.

ويشير وافي أبو سمرة، عضو مجلس إدارة شعبة الأجهزة الكهربائية بالغرفة التجارية، إلى تقديرات وزارة الكهرباء بأن ذلك سيساعد في توفير كهرباء بقيمة 147 مليون جنيه. ويقول أبو سمرة لـ"العربي الجديد"، إن التوقيت الصيفي سيوفر 10% من استهلاك الطاقة والمواد البترولية، مبينا أن الدولة في حاجة للأموال التي ستجنيها من عوائد تصدير الكهرباء أو الغاز لدول الجوار والخارج.

ويبين تقرير الشركة القابضة للغاز الطبيعي والشبكات أن العمل بالتوقيت الصيفي سيوفر نحو 25 مليون دولار، عبر توفير وحدات الغاز المستخدمة في إنتاج الكهرباء، مؤكداً أن توفير 1% من استهلاك الكهرباء سيؤدي إلى توفير 150 مليون دولار في العام.

وأظهرت المناقشات الحكومية الدوافع الحقيقية التي جعلتها تعجل بصدور قانون التوقيت الصيفي، وكان من بينها تقرير "ميدل إيست إيكونوميك سيرفاي"، الذي أشار إلى تراجع معدلات إنتاج الغاز من حقل "ظهر"، وهو المصدر الرئيسي للغاز المصري منذ بدء الإنتاج منه عام 2018، بنسبة تصل إلى 38% من إجمالي إنتاج الحقول بالدولة. وأشار التقرير إلى أن الحقل الذي تديره شركة "إيني" الإيطالية، وتمتلك 60% من أسهمه انخفض إنتاجه السنوي عام 2021 بنسبة 6%، لترتفع النسبة الإجمالية للتراجع إلى 23% من الطاقة الإجمالية للحقل عام 2022. ويؤكد التقرير أن معدلات التراجع ترتفع لوجود صعوبات فنية في اختراق المياه بمنطقة الحفر.

وذكر التقرير أن التراجع في الإنتاج سيؤدي إلى خسائر في إجمالي إنتاج مصر من الغاز الذي بلغ أدنى مستوى له خلال 28 شهرا، عند 6.1 مليارات قدم مكعبة يومياً في فبراير/شباط 2022، بنسبة تراجع 7% على أساس سنوي.

وبلغ إنتاج الغاز المصري 71 مليار متر مكعب عام 2021، وفقا لبيانات وزارة الطاقة، بزيادة 10 مليارات متر مكعب عام 2020.

وارتفعت صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 6%، خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار 2023، بنسبة 6% على أساس سنوي، لتصل إلى 1.9 مليون طن متأثرة بزيادة الواردات الإسرائيلية، التي ارتفعت بنسبة 49%، حيث بلغت 606 ملايين قدم مكعبة يوميا عام 2022، لتصل إلى مستوى قياسي، قبل أن تعلن الشركة الإسرائيلية عن توجهها إلى خفض تلك الكميات وبحثها عن تصدير الغاز عبر أنابيب من الأراضي المحتلة إلى قبرص واليونان ثم لأوروبا مباشرة، بما يتجاوز الخطوط المصرية.

جاء تحرك الطرف الإسرائيلي عقب اكتشاف حقول غاز جديدة لـ"إيني" الإيطالية تقع ضمن منطقة الامتياز الخاصة بها، شمال شرقي منطقة "حابي" البحرية المملوكة بنسبة 70% لـ"إيني" و30% لشركة "إنرجين" للنفط والغاز البريطانية والمملوكة للشركة الأم الأسرائيلية "كابريكون" التي تشارك الأطراف المصرية "بتروبل" في صفقات الغاز والنفط.

وبدأت "إنرجين" ابتعادها عن مصر بخفض حصتها بنسبة 12% بمشروع "حابي" في الوقت الذي تسعى فيه مصر إلى دفع شراكات جديدة مع "شيفرون" الأميركية، المستغلة لحقل "أفروديت" القبرصي القريب من المنطقة الاقتصادية المصرية، وشركائها "شل" الهولندية و"نيوميد إنريجي" الإسرائيلية لإنشاء خط لتصدير الغاز إلى مصر لتسييله وإعادة تصديره، بما يعوض التراجع في حقول الأراضي المحتلة.

وتأمل الحكومة بأن تسرع "شيفرون" وشريكتها "إيني" التي حصلت على امتياز التنقيب عن الغاز والبترول في شمال البلاد وخليج السويس ودلتا النيل في استغلال كشف جديد لآبار الغاز الطبيعي بمنطقتي "حابي" و"مليحة" بالصحراء الغربية، يظهر وجود احتياطات تبلغ نحو 3.5 تريليونات قدم مكعبة من الغاز يمكن استخراجها خلال الفترة المقبلة.

وقال طارق الملا، وزير البترول، إن مصانع إسالة الغاز الطبيعي تعمل بكامل طاقتها حاليا، حيث تنتح ما بين 6.5 – 7 مليارات قدم مكعبة يوميا للاستفادة من ارتفاع أسعار الغاز بالخارج، مشيرا في تصريحات صحافية إلى تصدير 1.6 مليار قدم مكعبة يوميا، ومتوقعا تراجع الصادرات إلى مليار قدم مكعبة يوميا في الصيف المقبل، مع ارتفاع الاستهلاك المحلي.

وتجاوزت صادرات الغاز الطبيعي إلى أوروبا مليون طن متري عام 2021، مقابل 270 ألفا عام 2020.

وراوحت واردات الغاز من إسرائيل إلى 2.1 مليار متر مكعب عام 2022، وتصل إلى معدل ما بين 600 – 650 مليون قدم مكعبة يوميا، بينما بلغت 450 مليون قدم مكعبة عام 2021. وتستهدف الحكومة استيراد 6.7 مليارات متر مكعب من إسرائيل خلال الفترة من 2023 حتى عام 2034، ضمن اتفاق قيمته 19.5 مليار دولار يضمن الحد الأدنى من الدخل للطرف الإسرائيلي دون أن يجبره على ضمان كمية الواردات نفسها من الغاز. ويبرر الطرف الإسرائيلي عدم قدرته على زيادة الغاز للحاجة إلى إنشاء خط بري إضافي للربط مع شبكة الغاز المصرية، يمكن إنشاؤه خلال عامي 2024-2025.

المساهمون