استمع إلى الملخص
- التداعيات السياسية والاجتماعية: يأتي الإضراب قبل الانتخابات الرئاسية، مما يضع البيت الأبيض في موقف حرج. يطالب العمال بزيادة الأجور بنسبة 77% ومزايا أخرى، ورفضوا العودة للمفاوضات، مما دفع التحالف البحري لطلب تدخل مفتشية العمل.
- تأثير الإضراب على سلاسل التوريد: يؤدي الإضراب إلى إغلاق بوابات رئيسية لاستيراد المواد الغذائية والمركبات، مما يرفع تكاليف الشحن ويؤدي إلى نقص المنتجات. شركات التجزئة الكبرى تحذر من تأثيره على موسم التسوق، وشركات الشحن تخطط لفرض رسوم إضافية.
بدأ عمال موانئ الساحل الشرقي وخليج المكسيك في الولايات المتحدة الأميركية، أمس الثلاثاء، إضراباً مؤلماً للاقتصاد، إثر انهيار المفاوضات مع ممثلي أرباب العمل بشأن زيادة الأجور والحصول على تعهدات تتعلق بالأمان الوظيفي، ما يتسبب في تعطل نحو نصف حركة الشحن البحري في البلاد، ويؤثر سلباً على إمداد الأسواق بالبضائع بدءاً من السلع الغذائية وحتى السيارات والمعدات الثقيلة، ما يرفع أسعارها ويزيد هواجس عودة التضخم إلى الارتفاع، إذا استمر الإضراب لفترة طويلة، كما يضر بحركة التصدير، خاصة إلى أوروبا والهند.
يأتي الإضراب قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية الأميركية، ما يضع البيت الأبيض في مأزق، لاسيما وسط الضغوط التي يتعرض لها من قبل مجموعات الأعمال للتدخل باستخدام سلطاته في إنهاء الإضراب ومنع إغلاق الموانئ الذي يشمل 36 ميناءً من ولاية مين أقصى شمال شرقي الولايات المتحدة وحتى ولاية تكساس وسط جنوبي البلاد، وهو ما حذر المحللون من أنه سيكلف الاقتصاد مليارات الدولارات يومياً ويهدد الوظائف ويفاقم التضخم.
وهذا الإضراب، هو الأول لنقابة عمال الموانئ منذ إضراب عام 1977 الذي استمر 44 يوماً وتسبب في أضرار كبيرة للقطاعات الاقتصادية المختلفة. ويشارك في الإضراب الحالي عشرات الآلاف من أعضاء النقابة البالغ عددهم 85 ألفا يعملون في محطات تحميل الحاويات والمركبات في الموانئ. وكانت نقابة عمال الموانئ تتفاوض مع "التحالف البحري للولايات المتحدة" الذي يمثل أرباب العمل بشأن عقد جديد يستمر العمل به لست سنوات قبل انتهاء المهلة النهائية المحددة لذلك في منتصف ليل 30 سبتمبر/ أيلول الماضي.
وعرض أرباب العمل زيادة في بداية المفاوضات التي بدأت في مايو/أيار الماضي بنحو 40% قبل أن يرفعوها إلى 50% قبل 24 ساعة من الإضراب، لكن نقابة العمال تتمسك بزيادة بنسبة 77%، فضلا عن مزايا تتعلق بالحصول على نسبة من أرباح الشركات وعدم إدخال الروبوتات في الأعمال بما يهدد وظائفهم، وفق ما نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، أمس، عن مصادر مطلعة على المفاوضات.
وقال التحالف البحري للولايات المتحدة إن نقابة عمال الأرصفة ترفض العودة إلى طاولة المفاوضات. واتصل التحالف بمفتشية العمل، يوم الخميس الماضي، داعيا إلى "إصدار أمر قضائي فوري، يطالب النقابة باستئناف المفاوضات". كما ندد بما وصفها بـ"الممارسات غير النزيهة". لكن النقابة ذكرت أن المقترحات المالية التي عرضها التحالف البحري "غير مقبولة. لكن هارولد داجيت، رئيس نقابة عمال الموانئ، قال مخاطبًا المحتجين خارج محطة ميناء في نيو جيرسي، في مقطع فيديو نُشر في وقت مبكر، أمس، على حساب نقابي على فيسبوك: "لا شيء سيتحرك بدوننا.. لا شيء".
يؤدي الإضراب إلى إغلاق بعض بوابات البلاد الرئيسية لاستيراد المواد الغذائية والمركبات والآلات الثقيلة ومواد البناء والمواد الكيميائية والأثاث والملابس والألعاب. وتقول شركات التجزئة الكبرى، مع بدء موسم التسوق الخريفي المزدحم للتو، إنها تستطيع الآن تحمل التباطؤ لأنها جلبت المنتجات في وقت أبكر من المعتاد هذا العام وحولت شحنات أخرى إلى موانئ الساحل الغربي للولايات المتحدة في حال بدء الإضراب، لكنها تحذر من أن الإضراب من شأنه أن يرفع تكاليف الشحن وقد يؤدي إلى نقص المنتجات، إذا استمر أسبوعاً أو أكثر.
وقال بريان دودج، رئيس رابطة قادة صناعة التجزئة، التي تمثل متاجر مثل "بيست باي" و"هوم ديبوت" و"جاب" و"دولار جنرال": "يمكن للمتسوقين أن يطمئنوا إلى أن بضائع العطلات ستكون على الرفوف، لكن كلما طال أمد توقف العمل في الموانئ، كلما أصبح من الصعب حماية العملاء من آثاره".
وقالت سوزان ويدزوناس، مديرة الإمدادات العالمية في شركة "إنتر إيكيا" القابضة، الشركة التي تدير سلسلة توريد إيكيا، إن بائع التجزئة كان يسحب حاوياته التي وصلت إلى ميناء نيويورك ونيوجيرسي في الأسابيع الأخيرة بأسرع ما يمكن قبل الإغلاق. وأضافت: "لقد تعلمنا الكثير خلال جائحة كورونا لتقليل تأثير الاضطرابات، لكن بناء على المدة التي يستمر فيها الإضراب، فقد يكون له تأثير على نطاق أوسع بالطبع في العالم".
ويحذر بعض المحللين الصناعيين من أن الإضراب الذي يستمر حتى أسبوع واحد من شأنه أن يعطل السفن لفترات أطول بكثير، مما قد يؤدي إلى تفاقم تأخيرات الشحن، واستهلاك الطاقة ورفع أسعار الشحن. ودفع توجه السفن المتزايد إلى موانئ الساحل الغربي أسعار الشحن إلى الارتفاع بالفعل في الفترة التي سبقت الإضراب.
وقالت يوشيكا هيراتا، المديرة العليا للعمليات في شركة ستانس، وهي علامة تجارية للملابس تصنع الجوارب والملابس الداخلية وتستورد في الغالب عبر موانئ الساحل الغربي، إن احتمال الإضراب "لم يؤثر علينا من حيث التسليم، لكن ما أثر علينا هو التكلفة لأن الأسعار ترتفع بوضوح بسبب الموقف".
رفع الأسعار لمواجهة ارتفاع التكاليف
ويقوم بعض مستوردي الجملة بالفعل برفع أسعارهم لمراعاة التكاليف المتزايدة. وقال تيم رايان، مالك شركة "سكوير 1 فارمز"، وهي شركة استيراد مقرها صن رايز في ولاية فلوريدا تبيع المنتجات إلى محلات السوبر ماركت مثل "وول مارت" و"كروجر"، إنه مضطر إلى إضافة حوالي 50 سنتاً للرطل (يعادل 453 غراماً) إلى الأسعار التي يفرضها على المتاجر لتغطية تكاليف الشحن الجوي العليا، والذي يأتي بدلا من الشحن البحري المتعطل في ظل الإضراب. وتابع رايان: "إما أن تختار محلات السوبر ماركت تحمل هذه التكلفة أو أنها سوف تمررها إلى المستهلكين".
وبحسب موقع "لويدز ليست" المتخصص، تستقبل الموانئ التي يشملها الإضراب أكثر من نصف واردات السلع من حيث الحجم. وتشير تقديرات مؤسسة "أكسفورد إيكونوميكس" البحثية إلى أن كل أسبوع من الإضرابات من شأنه أن يقلل الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بمقدار 4.5 إلى 7.5 مليارات دولار بما يعادل 0.1% من إجمالي الناتج المحلي.
في الأثناء، حذرت شركة الشحن الدنماركية العملاقة "ميرسك" من التكاليف والتأخيرات الناجمة عن إضراب عمال الموانئ في الولايات المتحدة، مشيرة إلى أنها تخطط لتطبيق رسوم إضافية على البضائع المنقولة من وإلى الساحل الشرقي وساحل خليج المكسيك.
وقالت الشركة، وفق ما نقلت صحيفة وول ستريت جورنال، أمس، إن إضراب عمال الموانئ في الولايات المتحدة سيؤثر على سلاسل التوريد، مما يؤدي إلى تأخيرات في حركة البضائع، وزيادة التكاليف، والتحديات اللوجستية للشركات التي تعتمد على الساحل الشرقي للولايات المتحدة وموانئ الخليج. وكتبت في استشارة للعملاء: "قد تؤدي فترات النزاع العمالي الأطول إلى تفاقم الاضطرابات، مما يؤثر على أنشطة الاستيراد والتصدير، وتوافر الحاويات، والكفاءة التشغيلية الإجمالية".
وأشارت شركة الشحن الدنماركية إلى أنها وضعت خططًا طارئة، مع خطط للسفن يمكن تنفيذها اعتماداً على مدة النزاع العمالي لتقليل الاضطرابات وضمان العمليات السلسة. وتخطط الشركة بالفعل لتطبيق رسوم إضافية على تعطيل الموانئ المحلية لجميع البضائع المنقولة من وإلى محطات الساحل الشرقي للولايات المتحدة وساحل الخليج، تتراوح بين 1500 دولار و3780 دولارا للحاوية. وتخضع الرسوم للموافقة التنظيمية وتعتمد على تأثير الاضطراب على سلسلة التوريد. وقالت الشركة: "هذه الرسوم الإضافية ضرورية لتغطية التكاليف التشغيلية المتزايدة التي سيتم تكبدها بسبب انقطاع الخدمة، وضمان استدامة خدماتنا والدعم المستمر لمتطلبات سلسلة التوريد (للعملاء)".
وقفزت أرباح شركات الشحن البحري بالأساس هذا العام بعد أن أجبرت هجمات الحوثيين في اليمن على السفن في البحر الأحمر، خاصة الإسرائيلية والأميركية والبريطانية، شركات الشحن على اتخاذ طرق أطول حول المنطقة، مما أدى إلى استهلاك الطاقة وزيادة أسعار الشحن. وتوقعت "ميرسك" في يونيو/حزيران زيادة إيراداتها بنحو 3 مليارات دولار عن تقديراتها السابقة لهذا العام. وأشارت الشركة إلى أنها باتت تتوقع تحقيق إيرادات تتراوح بين سبعة وتسعة مليارات دولار في 2024، بينما كانت قدّرت تحقيق ما بين أربعة وستة مليارات دولار، في تقرير مالي أصدرته في مايو/أيار الماضي.
العمال يطالبون بحصة من أرباح الشركات
وتدفع هذه الأرباح المتزايدة عمال الموانئ في الساحل الشرقي للولايات المتحدة إلى المطالبة بنسبة من أرباح شركات الشحن. وقال هارولد داجيت، رئيس نقابة عمال الموانئ، إن العمال يستحقون حصة من تلك الأرباح، بالإضافة إلى حصة من مئات المليارات من الدولارات التي حققتها شركات الشحن البحري خلال جائحة كورونا، عندما دفع الطلب على المساحة على سفن الحاويات أسعار الشحن إلى مستويات قياسية مرتفعة.
ووسط الصراع المتفاقم بين عمال الموانئ وأصحاب الأعمال، ناشدت مجموعات تجارية تمثل مئات من تجار التجزئة والمصنعين من "وول مارت" و"تارغت" إلى "كاتربيلر" و"جنرال موتورز" إدارة الرئيس جو بايدن للتدخل، محذرة من أن الإغلاق قد يعيق الشركات ويؤدي إلى تجدد التضخم خلال موسم التسوق المزدحم في العطلات.
في الأشهر السبعة الأولى من هذا العام، تعاملت الموانئ مع 74% من واردات النبيذ المنقولة بحراً في البلاد، و75% من وارداتها من الموز و89% من واردات الملح المستخدم في تصنيع المواد الكيميائية، وفقًا لأرقام مكتب الإحصاء الأميركي التي استعرضها جيسون ميلر، أستاذ إدارة سلسلة التوريد في جامعة ولاية ميشيغن، وفق وول ستريت جورنال. وقد تعامل ميناء نيويورك ونيوجيرسي، ثالث أكثر موانئ الحاويات ازدحاماً في البلاد، مع ما يعادل أكثر من 420 ألف حاوية مستوردة في يوليو/تموز الماضي. وفي نفس الشهر، تعامل ميناء بالتيمور، أكبر بوابة للسيارات والشاحنات الخفيفة في البلاد، مع أكثر من 34 ألف مركبة جديدة.
ويهدد الإضراب كذلك حركة الصادرات لاسيما إلى أوروبا. وقال مات كارستينز، الرئيس التنفيذي للتعاونية الزراعية لاندوس ومقرها ولاية آيوا (وسط غرب الولايات المتحدة)، إنه بسبب ضعف الطلب من الصين، يعتمد العديد من مزارعي الحبوب بشكل أكبر على موانئ الساحل الشرقي وساحل الخليج لنقل منتجاتهم إلى أماكن مثل الهند وأوروبا. وحذر من أن الإضراب قد يؤدي أيضاً إلى إبطاء واردات الأسمدة من المغرب وأجزاء من أوروبا التي يحتاجها المزارعون لتجديد الحقول هذا الخريف. في المقابل تبدو صادرات الغاز بعيدة عن الأضرار إذ لا يتعامل عمال الموانئ مع هذه الشحنات، وفق مصادر أميركية في صناعة الشحن. كما لن تتأثر عمليات السفن السياحية والشحنات العسكرية.
ولا يملك مشغلو سفن الحاويات سوى خيارات قليلة إذا أغلقت موانئ الساحل الشرقي، إذ يتزايد الاتجاه نحو موانئ الغرب، لكن ذلك يقلق الشركات أيضا. وقال نيلز هاوبت، المتحدث باسم شركة الشحن الألمانية هاباج لويد، إنه إذا أرسلت الشركة أحجاماً إضافية من البضائع إلى موانئ الساحل الغربي، فإن ذلك من شأنه أن يسد تلك البوابات ويسبب ازدحاماً مماثلاً لحالات الازدحام التي شهدتها سفن الحاويات أثناء جائحة كورونا.
وقال جيه بروس تشان، محلل النقل في شركة ستيفل، وهي شركة في وول ستريت في تصريحات لصحيفة نيويورك تايمز: "عندما نتحدث عن إضراب لمدة أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، فهذا هو الوقت الذي تبدأ فيه المشكلة في التفاقم بشكل كبير".
وفقاً لمايكل بيرس، نائب كبير خبراء الاقتصاد الأميركي في "أكسفورد إيكونوميكس"، إن قطاعي النقل والتخزين سيتحملان العبء الأكبر في البداية. وقال إن عشرات الآلاف من العمال في الشركات التي تخدم الموانئ قد يواجهون إجازات أو تخفيضات في ساعات العمل في الأيام الأولى من الإضراب، مما يجعل العدد الإجمالي للعمال المتضررين حوالي 100 ألف، وهو ضعف العدد الفعلي المضرب.
وقال بيرس إن موظفي شركات النقل التي تقدم الدعم اللوجستي للموانئ، والمؤسسات الغذائية التي تعتمد على الموانئ في الأعمال التجارية، من بين "الأكثر ارتباطًا جغرافيًا واقتصاديًا بالعمال المضربين". وهذا يعني انخفاضًا فورياً في الدخول وضربة مرتبطة بالإنتاج والاقتصادات المحلية بالقرب من الموانئ.
أضرار للوظائف غير المباشرة
ويقوم عمال الموانئ بنقل الحاويات من السفن، وفرزها ووضعها على الشاحنات أو القطارات، كما يتعاملون مع البضائع السائبة أيضًا. ويمر حوالي 60% من شحنات الحاويات في البلاد عبر الموانئ على الساحل الشرقي وخليج المكسيك، بما في ذلك ميناء نيويورك ونيوجيرسي، ثالث أكثر الموانئ ازدحامًا في البلاد، والموانئ سريعة النمو في فيرجينيا وجورجيا وتكساس. وقال بادين قبل الإضراب، إنه لن يستخدم قانون العمل الفيدرالي لمنع إغلاق الموانئ، على غرار ما فعله الرئيس جورج دبليو بوش عام 2002، لكن بعض خبراء العمل قالوا إنه قد يستخدم هذه السلطة إذا بدأ الإضراب يؤثر على الاقتصاد. وكان مسؤولو البيت الأبيض قد ضغطوا على الجانبين للتوصل إلى اتفاق قبل الإضراب.
ويُعد عمال الموانئ من بين العمال ذوي الياقات الزرقاء الأعلى أجراً في أميركا. إذ يبلغ المعدل الأساسي للساعة نحو 39 دولاراً. ويقول ممثلون عن أصحاب الأعمال إن عمال الموانئ يحصلون على أجور أعلى من العمال في مهن أخرى، لكن عمال الموانئ يقولون إنهم يعملون لساعات أطول بكثير من العمال في وظائف أخرى يكسبون مبالغ مماثلة، ويفعلون ذلك في ظروف قاسية أو خطيرة في كثير من الأحيان. كما أدى ارتفاع معدل التضخم في السنوات القليلة الماضية إلى تقليل القدرة الشرائية لأجورهم. ويرى عمال الموانئ أنه يحق لهم الحصول على حصة من الأرباح المتزايدة التي حققها أصحاب العمل خلال طفرة التجارة بسبب وباء كورونا في عامي 2021 و2022. وقال داجيت، رئيس النقابة، في بيان يوم الاثنين الماضي: "إنهم حققوا أرباحاً تبلغ مليار دولار في موانئ الولايات المتحدة، على حساب عمال الموانئ الأميركيين، ويعملون على إخراج هذه الأرباح من البلد".