تمتلك الكويت موارد مالية ضخمة تمكنها من التغلب على التحديات الاقتصادية، لكن اضطراب العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة (البرلمان)، وما ترتب عليه من "تجميد" عدد من الإصلاحات المالية والاقتصادية تسبب في تراجع التصنيف الائتماني للبلد الخليجي إلى (A2).
فالمجلس يطالب بإجراء إصلاحات سياسية ومكافحة الفساد، في حين ترفض الحكومة بعض المطالب باعتبارها تدخلاً في صلاحياتها، وأدى هذا التوتر إلى حلّ مجلس الأمة مرات عديدة، وإلى استقالة حكومات متعاقبة، ما أثر سلباً على استقرار المؤسسات والسياسات.
غير أن تطورات الأوضاع السياسية في الكويت، مؤخراً، قدمت مؤشرات على إمكانية "تحسن نسبي" في العلاقة مع مجلس الأمة، ما دفع وكالة "موديز"، في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى إعلان إمكانية رفع تصنيف الكويت من "A2" إلى "A1" في حال حدث تحسن في التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
كما اشترطت "موديز" لتحسين التصنيف تحقيق الحكومة الكويتية تقدماً ملحوظاً في التنويع الاقتصادي والمالي بعيداً عن الاعتماد على النفط، الذي يشكل نحو 90% من إيرادات الموازنة، و60% من الناتج المحلي الإجمالي، و95% من صادراتها.
ويجعل ذلك اقتصاد الكويت عرضة لتقلبات أسعار النفط على المستوى العالمي، كما يحد من قدرته على خلق فرص عمل لشبابه، وزيادة قدراته التنافسية.
مخاطر متوازنة
وتعكس نظرة "موديز" المستقبلية "المستقرة" لتصنيف الكويت مخاطر متوازنة، مشيرة إلى أن التنفيذ الفعال لإجراءات تخفض انكشاف الحكومة على إيرادات النفط وتنويع الاقتصاد قد يؤدي إلى رفع المرونة الائتمانية أمام تقلبات أسعار الخام.
لكن الوكالة الدولية لا تضع تحقيق الحكومة الكويتية حالةَ التنويع الاقتصادي المنشودة في افتراضاتها الأساسية للسنتين المقبلتين على الأقل، في ضوء معطيات العام الجاري.
ويعد عامل الوقت مهماً لتدارك تحدي التنويع الاقتصادي في الكويت، في ظل تسارع خطوات دول العالم نحو تصفير الانبعاثات (الحياد الكربوني) والانتقال إلى طاقة نظيفة، ما يقلّل من طلب النفط ويخفض أسعاره، ويؤثر على الوضع الائتماني للكويت على المدى الطويل، لا سيما في غياب الإصلاحات المالية والاقتصادية.
وإزاء ذلك، قد تخفض "موديز" التصنيف الائتماني للكويت إذا كان مرجحاً أن تضعف القوة المالية للحكومة بشكل كبير على المدى المتوسط، وفق تقريرها، الذي أشار إلى أن "هذا السيناريو قد يكون وارداً إذا أدى عدم القدرة على تنفيذ الإصلاحات إلى عجز مالي واسع النطاق مع انخفاض أسعار النفط، وصاحب ذلك ارتفاع ملحوظ في الديون أو انخفضت احتياطيات الثروة السيادية".
ومن أهم الإصلاحات التي تعتمدها "موديز" دليلاً على حالة الاستقرار السياسي الدافعة إلى تمرير الإصلاحات الاقتصادية والمالية، إقرار مجلس الأمة قانونَ الدين العام، وهو ما يبدو مستبعداً على المدى القريب.
وتعتقد الوكالة أن مخاطر السيولة الحكومية المتجددة، خاصة إذا جرى سحب الأصول في صندوق الاحتياطي العام بشكل كبير بسبب العجز المالي الكبير المستمر، من شأنها أيضاً أن تضغط على تخفيض التصنيف الائتماني للكويت.
الاستقرار الاقتصادي
ويشير الخبير الاقتصادي "محمد الناير"، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن تحسين "موديز" المحتمل لتصنيف الكويت يضيف للدولة الخليجية الكثير برفع جدارتها الائتمانية، خاصة أن الكويت لديها احتياطيات مالية كبيرة، ويجعلها دائما متقدمة في التصنيف، بخاصة مع وجود احتياطيات كبيرة من النفط والغاز تكفي لـ90 عاماً قادمة، وبتكلفة إنتاج منخفضة".
ويوضح الناير أن ربط "موديز" تحسينَ التصنيف الائتماني للكويت بالتنوع في الاقتصاد أمر مرغوب فيه حكومياً بالمرحلة القادمة، لأنه يؤدي إلى تحسن مؤشرات مجمل اقتصاد الدولة بشكل عام، ويقلل من المخاطر المستقبلية التي تتفاقم من أحادية الاعتماد على النفط والغاز فقط.
ومن شأن التحول الإيجابي للعلاقة بين مجلس الأمة الكويتي والحكومة أن يعزز الجدارة الائتمانية للدولة الخليجية أيضا، بحسب الناير، لأنه يعبر في النهاية عن "الفاعلية السياسية العالية" المطلوبة لتحقيق الاستقرار السياسي، وهو أحد أهم عوامل تحسين مؤشرات الاقتصاد ككل، وتحسين مؤشرات الجدارة الائتمانية بشكل خاص، حسب ما يرى الناير.
وإزاء ذلك، يتوقع الناير لدولة الكويت تحسناً في التصنيف الائتماني وفق المعايير التي اشترطتها "موديز"، مشيراً إلى أن موازنة الدولة الخليجية للعام المالي 2022-2023 حققت فائضاً قدره 6.3 مليارات دينار كويتي، ما يعادل 20.7 مليار دولار.