أثار إعلان رئيس الهستدروت الإسرائيلي (اتحاد نقابات العمال في إسرائيل)، أرنون بار دافيد، أخيرا التوصل إلى اتفاق مع وزارة المالية الإسرائيلية لاقتطاع ما قيمته 471 شيكلا (الدولار = نحو 3.78 شيكلات)، من أجور العاملين في القطاعين العام والخاص لدعم نفقات الجنود في قطاع غزة قلقاً لدى آلاف العمال والموظفين المقدسيين العاملين في هذين القطاعين بالنظر إلى أن هذا القرار سيلحق بهم ضرراً كبيراً لاعتبارات تتعلق بمستويات دخلهم والالتزامات المفروضة عليهم من ضرائب وغيرها.
وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي والإعلامي الفلسطيني محمد الهلسة لـ"العربي الجديد"، إن "المقدسيين وكذلك المواطنين الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني عام 1948، سيكونون أكثر المتضررين من هذه الاستقطاعات".
فاتورة الحرب
ويشير الهلسة إلى أن هذه الاستقطاعات تأتي في سياق التعويض عن نفقات الحرب التي كلفت مليارات الدولارات، حيث تلجأ الحكومة في هذه الحالة إلى الحلقات الأضعف من خلال فرض ضرائب على مختلف القطاعات، عبر عقد اتفاق مع الهستدروت، لكن الأهم هو أن الحكومة تلجأ في هذه الحالة إلى الحلقة الأضعف، وهي الداخل الفلسطيني.
ووفق الهلسة، فقد تم اقتطاع أكثر من ثلث موازنتها لتعويض نفقات الحرب ولم تمس أموال الائتلاف الحكومي، ولا أموال الاستيطان، وبالتالي المواطن الفلسطيني في الداخل يدفع الفاتورة الأكبر من فواتير الحرب، ونلاحظ أن الإيذاء أيضا يتم في التشغيل وتكميم الأفواه وطرد العمال والتضييق عليهم، بل وصل الأمر بأحد الحاخامات للتحريض على الأطباء بأنهم يتعمدون قتل اليهود.
وحسب بيانات رسمية، يبلغ إجمالي عدد العمالة الفلسطينية في إسرائيل والمستوطنات المقامة في القدس والضفة الغربية 178 ألف عامل.
تأثيرات كبيرة على العمال
بدوره، يقول رئيس اتحاد أولياء الأمور في المدارس التي تديرها بلدية الاحتلال في القدس زياد الشمالي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن تعليمات وصلت بالفعل إلى إدارات هذه المدارس تبلغها باعتزام المالية اقتطاع مبالغ من رواتبها لتغطية جزء من نفقات الحرب في قطاع غزة.
ويوضح الشمالي أنه في حال تطبيق هذا القرار سيتأثر العاملون في هذه المدارس الذين يعانون أصلا من رواتب متدنية، في مقابل التزامات كثيرة مفروضة عليهم من ضرائب وغيرها، وارتفاع في معدلات المعيشة، علما أن الكثير من هؤلاء لم يتعافوا بعد من نتائج جائحة كورونا.
ويقول أحد العاملين في مستشفى "شعاريه تصيدق" جمال الدبس، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنهم "أُبلغوا بالفعل من قبل لجنة العاملين في المستشفى باعتزام إدارته اقتطاع ما قيمته 471 شيكلا من مخصصات النقاهة من رواتبهم لتغطية جزء من نفقات الحرب.
ويضيف الدبس: عقدنا اجتماعاً بهذا الخصوص للتدارس في خطوات ما بعد هذا القرار، وإلى أي مدى يمكن أن تستمر هذه الاستقطاعات، وما ستتركه من تأثيرات على أجورنا التي بالكاد تفي بالتزاماتنا.
الأسر المقدسية
ويقارن مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري، في حديث لـ"العربي الجديد"، بين هذه الاستقطاعات الجديدة من أجور العاملين في القطاعين العام والخاص والضريبة التي فرضت عقب حرب العام 1982، أو ما يعرف بحرب سلامة الجليل، حيث فرضت سلطات الاحتلال آنذاك استقطاعات على الأجور لتغطية نفقات الحرب الباهظة.
ويضيف الحموري أن التأثير الكبير سيكون على المقدسيين الذين يعملون في المؤسسات الإسرائيلية، وهو ما يترك تأثيراته على أوضاع الأسر المقدسية التي ترزح تحت وطأة الملاحقات الضريبية وتدني أجور أفرادها أصلا مقارنة مع تلك الأجور التي يتلقاها نظراؤهم الإسرائيليون الذين يتمتعون بكثير من الامتيازات التي لا يحظى بها المقدسيون.
واستبعد الحموري استعادة هذه الاستقطاعات إذا ما تمت، على عكس ما حصل في استقطاعات حرب عام 1982، والتي تم استردادها لاحقاً بعد انتهاء الحرب واستقرار الأوضاع الاقتصادية في دولة الاحتلال.
عمال غزة
ويأتي القرار الإسرائيلي الخاص بالاقتطاعات من رواتب العمال ضمن إجراءات أخرى استهدفت العمال الفلسطينيين والتضييق عليهم من خلال منع آلاف العمال في غزة من الدخول للأراضي المحتلة واعتقال الآلاف منهم والتنكيل بهم.
وكان الآلاف من عمال غزة إما طردوا بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي (منذ عملية طوفان الأقصى) من الأراضي المحتلة عام 1948، أو انتقلوا بإرادتهم إلى الضفة الغربية خشية الاعتقال والتنكيل بعد توقف أعمالهم. وكان عدد منهم قد قال في شهادات لـ"العربي الجديد"، إنهم تعرضوا للتنكيل والضرب والاحتجاز لساعات طويلة، فيما اعتقلت قوات الاحتلال الآلاف منهم في ظروف صعبة وقاسية، حيث تعرّض عدد منهم للتعذيب، وقامت سلطات الاحتلال بترحيلهم إلى قطاع غزة، يوم الجمعة الماضي. وبحسب وزارة العمل الفلسطينية في قطاع غزة، وصل عدد الفلسطينيين من غزة الحاصلين على تصاريح للعمل في إسرائيل قبل اندلاع العدوان إلى حوالي 18 ألفا و500 عامل.