دخلت الحكومة الأميركية كـ "بائع مرجح للإمدادات النفطية" خلال السنوات الأخيرة، التي شهدت ارتفاع أسعار الخامات النفطية بعد حرب أوكرانيا وتداعياتها على ارتفاع معدل التضخم الذي بات هاجساً يقض مضاجع الاقتصادات الكبرى والبنوك المركزية منذ العام 2022.
وبنيت سياسة "البائع المرجح للإمدادات النفطية"، على أساس استخدام الاحتياط الاستراتيجي النفطي بشكل متكرر لخفض أسعار النفط في الأسواق الدولية كلما تطلّب الأمر ذلك، خلافاً للسياسة التي كانت قائمة سابقاً ومبنية على استخدام الاحتياط النفطي في الحالات الطارئة فقط مثل أوقات الحروب والكوارث الطبيعية الكبرى.
وكانت أسعار النفط المرتفعة قد أدت إلى غلاء السلع والخدمات خلال عامي 2021 و2022، إذ إن المشتقات النفطية تدخل في جميع مركبات الإنتاج من تصنيعها وإلى نقلها وبيعها للمستهلك.
ولكن منذ منتصف العام الجاري، تراجعت أسعار النفط وسمحت للمسؤولين في وزارة الطاقة الأميركية، الذين باعوا الخامات النفطية بسعر مرتفع في العام 2022، بجني أرباح ضخمة والبدء في تجديد المخزونات الأميركية بسعر رخيص، وهو ما أدى إلى نجاح سياسة " البائع المرجح للإمدادات النفطية"، إذ جنت الإدارة الأميركية مبالغ طائلة من الأرباح تحسدها عليها أكبر شركات الوساطة النفطية الكبرى.
كما ساهمت في خفض أسعار التضخم في الأسواق عبر توفير إمدادات كافية من الخامات البترولية لأسواق الطاقة في الولايات المتحدة، وبالتالي ساعدت مصرف الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي" على خفض التضخم إلى مستواه الحالي الذي يقارب 2% بعد بلوغه 9.1% في يونيو/حزيران 2022، وهو أعلى مستوى منذ 4 عقود.
ولكن السؤال الذي يتردد صداه في "وول ستريت" في العام الجاري 2024، هو عما إذا كانت إدارة الرئيس جو بايدن ستواصل هذه السياسة التي أثبتت فعاليتها؟
وكان المسؤول الكبير في أمن الطاقة الأميركية بوزارة الخارجية الأميركية، عاموس هوكشتاين، قال في تصريحات سابقة لقناة "سي أن بي سي" الأميركية، إنّ واشنطن على استعداد لضخ مزيد من النفط في الأسواق كلما دعت الحاجة لذلك عبر آلية الصفقات التبادلية مع الشركات والتجار.
وتعني تصريحات هوكشتاين، أنّ الولايات المتحدة وربما كبار المستهلكين في أوروبا وآسيا سيستخدمون الاحتياطات النفطية ليس فقط لتلبية الطلب النفطي في الحالات الطارئة مثل الحروب والكوارث الطبيعية، لكن كذلك كـ"معروض نفطي مرجح" كما كانت "أوبك" تستخدم "الطاقة الفائضة" في إحداث التوازن بالسوق بين العرض والطلب ولتحديد السعر الذي يلبي طموحات موازناتها.
وأدت سلسلة من عمليات السحب الطارئة والتبادلات والمبيعات التي نفذتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن منذ العام 2020 إلى خفض مخزونات النفط الخام التي يحتفظ بها احتياط البترول الاستراتيجي الأميركي (SPR) إلى أدنى مستوى منذ 40 عاماً، حسب بيانات مصرف الاحتياط الفيدرالي الأميركي في مدينة دالاس بتكساس.
وحسب تقرير المصرف الفيدرالي الأميركي، لاحظ صناع السياسات البترولية أن حجم الاحتياطي الاستراتيجي للنفط يفوق كثيراً احتياجات استيراد الولايات المتحدة من الخامات النفطية، وهو ما جعل بيع جزء من الاحتياط الاستراتيجي مصدراً جذاباً لتمويل البنية التحتية وسد بعض الثغرات في الإنفاق الفيدرالي.
وتشير بيانات البنك المركزي، إلى أنه منذ العام 2015 أقر الكونغرس سلسلة من مشاريع القوانين التي تسمح ببيع 271 مليون برميل من النفط الخام الاحتياطي بين عامي 2017 و2028 لجمع الأموال.
وعقب الغزو الروسي لأوكرانيا، أمر الرئيس جو بايدن في مارس 2022 بعمليات البيع والتبادل الطارئة غير المسبوقة لخام الاحتياط الاستراتيجي.
وتعرف عمليات التبادل بأنها عبارة عن ترتيبات لاقتراض مصافي النفط من الاحتياط الاستراتيجي وإرجاعه بالكامل بالإضافة إلى دفع مبلغ إضافي صغير من القسط في المستقبل.
وتوقعًا لعرقلة تدفقات النفط الروسي وارتفاع أسعار الوقود، أفرجت الإدارة عن 217 مليون برميل من ديسمبر/كانون الأول 2021 حتى أكتوبر/تشرين الأول 2022. وبلغ إجمالي مخزون الاحتياط الاستراتيجي في سبتمبر/أيلول الماضي 350 مليون برميل، وهو أدنى مستوى منذ عام 1983.
ووفقاً لبيانات وزارة الطاقة الأميركية، باع الاحتياطي النفطي من خزاناته 180 مليون برميل عام 2022، وبلغت قيمتها 17.2 مليار دولار.
كما تم تحويل إجمالي 12.5 مليار دولار من مبيعات الطوارئ لعام 2022 من حساب الاحتياط الاستراتيجي لتغطية العجز الناتج في الميزانية الفيدرالية الأميركية.
وقد ترك ذلك نحو 4.7 مليارات دولار لإعادة ملء الاحتياط الاستراتيجي، منها 452 مليون دولار تم إنفاقها للحصول على 6.2 ملايين برميل في يونيو /حزيران الماضي.
وتقول وزارة الطاقة الأميركية، إنها اشترت بالفعل حوالي 13.8 مليون برميل من النفط الخام، وتشير الصفقات المتسارعة في الأسابيع الأخيرة إلى أن الوزارة قد تتحرك بقوة أكبر في العام 2024 لشراء النفط بسبب تراجع الأسعار.
ويقول تجار لصحيفة "وول ستريت جورنال" في تصريحات أمس الاثنين، إن تأمين المشتريات المستقبلية بأسعار اليوم يمكن أن يساعد في تحويل المخزونات الأميركية إلى قوة لاستقرار السوق العالمي للطاقة وتوسيع نفوذ أميركا كقوة عظمى في مجال الطاقة.
في هذا الصدد، قالت المديرة التنفيذية لمركز أبحاث سياسات الاقتصاد الكلي الأميركي، سكاندا أمارناث: "حتى لو كان حجم المبيعات صغيراً، فإن القدرة على استعراض هذه العضلات يمكن أن تكون لها قيمة كبيرة".
وكان أحدث عقد بيع من قبل وزارة الطاقة الأميركية تم منحه في 26 ديسمبر/كانون الأول، وكان من المقرر تسليمه في مارس/آذار.
وقال محللون، إن تمديد وزارة الطاقة لأجل الصفقات النفطية يشير إلى أن الحكومة أصبحت أكثر ارتياحاً للصفقات ذات الآجال الزمنية الأطول.
ولا يستبعد محللون لصحيفة "وول ستريت جورنال"، أن تبرم وزارة الطاقة الأميركية عقودًا أرخص للتسليم في أواخر عامي 2024 و2025 وتجنب خطر ارتفاع الأسعار.
وقالت وزارة الطاقة يوم الثلاثاء الماضي إن الولايات المتحدة وضعت اللمسات النهائية على عقود شراء ثلاثة ملايين برميل من النفط لاحتياطي البترول الاستراتيجي.