لا تخفي الحكومة الأردنية قلقها من الانعكاسات السلبية للحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة والتداعيات اللاحقة على اقتصاد بلادها لا سيما مع تباطؤ وتراجع أداء العديد من القطاعات الرافدة للنمو وإيرادات الخزينة، مثل السياحة والتجارة والعقارات وغيرها.
وفي المقابل، تبدي الحكومة نوعا من التفاؤل الحذر حيال آثار الحرب على الاقتصاد الأردني وقدرته على استيعابها بناء على ما تحقق إبان الأزمة المالية العالمية وجائحة كورونا واضطرابات المنطقة والأزمة الروسية الأوكرانية، لكن ذلك يعتمد على فترة العدوان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
ويرى خبراء أن الاقتصاد الأردني على موعد قريب مع ارتفاع متوقع في الأسعار بسبب الزيادة على كلف الاستيراد من مناشئ مختلفة في ضوء توجه شركات الشحن البري العالمية لزيادة التأمينات وأجور الشحن نتيجة للمخاطر التي باتت تهدد البواخر والسفن في أعقاب تطورات الحرب وسيطرة الحوثيين على سفينة إسرائيلية قبل أيام وكذلك الحال بالنسبة للصادرات.
ويتوقع مراقبون أن يرتفع الإقبال على ميناء العقبة الأردني الوحيد في البلاد ويقع جنوبا من قبل التجار والصناعيين في ضوء التحول عن استخدام ميناء حيفاء لعدة اعتبارات أهمها الحرب وارتفاع الكلف بنسبة كبيرة ما يمنح فرصاً للميناء الأردني لزيادة نشاطاته، ما يتطلب القدرة على استيعاب حجم الصادرات والواردات التي تخص دولاً أخرى غير الأردن أيضا.
نائب رئيس الوزراء الأردني ناصر الشريدة قال إنه ليس سرا على أحد أن الحكومة منذ اللحظة الأولى تضع كل الإجراءات المطلوبة للتعامل مع الأزمة وتداعياتها، وهنالك العديد من المخاطر المرتبطة بهذه الأزمة على الاقتصاد الوطني.
وأضاف أن طول الأزمة أو دخول لاعبين إقليميين جدد في الأزمة قد يزيد من حجم الأثر، إلا أننا اليوم ندرك أهمية تبني سياسات تحوطية خاصة في موضوع المياه والطاقة والسلع الأساسية وأن الحكومة بدأت باتخاذ الإجراءات اللازمة لهذه الغاية.
وأشار إلى إدراك الحكومة للآثار التي ستترتب على هذه الأزمة على عدة قطاعات وأهمها السياحة، ولكن هذه ليست الأزمة الأولى التي تشهدها البلاد فالتجارب السابقة أثبتت منعة الاقتصاد للخروج من أي أزمة.
وأكد الشريدة أن الجهود مستمرة للتعامل مع أي سيناريوهات محتملة في هذه السياق.
الخبير الاقتصادي حسام عايش قال لـ"العربي الجديد" إن هناك مخاطر كبيرة تهدد المنطقة بشكل عام واحتمال توسع الحرب والتداعيات على الإقليم واشتراك قوى إقليمية فيها، وبالتالي فإن النتائج المباشرة هي تضرر حركة النقل والشحن البحري وحركة الصادرات والواردات وخاصة في أعقاب قيام الحوثيين بالاستيلاء على السفينة الإسرائيلية، وفي ذلك انعكاسات سلبية ستؤدي إلى ارتفاع كلف التأمين والنقل البحري.
وأضاف: "ستتأثر سلاسل التوريد في المنطقة وترتفع أجور الشحن من وإلى ميناء العقبة، وربما تتوقف تجارة بعض التجار من خلال موانئ الاحتلال الإسرائيلي، ما يرفع الإقبال على ميناء العقبة الأردني الوحيد".
وبين أنه سترتفع كلف السلع وانعكاس ذلك سيؤدي إلى احتمالية ارتفاع الأسعار لمختلف السلع المستوردة والمنتجة محليا وكذلك المستلزمات الأخرى. وأشار إلى أن هنالك مخاطر تتعلق بقطاع الطاقة وأسعار النفط التي ستتأثر بالاضطرابات حول مضيق باب المندب ولاحقا مضيق هرمز.
وقال إنه ربما نعود مرة أخرى إلى ما كان سائدا إبان الحرب الروسية الأوكرانية، وما يتعلق بالجهود التي بُذلت لمواجهة تداعيات ارتفاع التضخم وتهدئة الأسواق العالمية واستقرار أسعار الحبوب وغيرها.
وأضاف أن الربع الأخير من العام الحالي يشكل تهديدا للتوقعات بشأن تحسن الناتج المحلي الإجمالي وزيادة الإيرادات، بخاصة من قطاع السياحة والانطلاق في برامج رؤية التحديث الاقتصادي.
وزير الصناعة والتجارة والتموين يوسف الشمالي قال إن هناك تواصلا مستمرا واجتماعات مع رؤساء غرف الصناعة والتجارة، مشيرا إلى أن الحكومة تدرس كافة الخيارات والوضع الراهن بالتنسيق مع القطاع الخاص. وأضاف: "لا ننسى أن الأداء الاقتصادي الأردني الحكومي كان جيدا إبان أزمتي كورونا وأوكرانيا ولدينا تجربة جيدة في إدارة الأزمات بشهادة جهات دولية اقتصادية متخصصة".
وتابع في تصريحات له، أخيرا: "من المبكر الحديث عن برامج اجتماعية أو اقتصادية داعمة مثل تلك التي طرحتها الحكومة والبنك المركزي إبان جائحة كورونا، وإن الوضع لم يصل إلى مرحلة صعبة كالتي شهدناها سابقا من إغلاقات كاملة أو جزئية وآثار سلبية كبيرة نتيجة توقف الحركة".
وقال إن "مادتي القمح والشعير تستوردهما الحكومة وهما في مأمن. ولدينا مخزون استراتيجي كافٍ منهما وبقية المواد الأساسية مثل السكر والأرز والزيوت يستوردها القطاع الخاص وهنالك شكاوى من بعض التجار المستوردين من نقص السيولة لديهم". وحسب بيانات رسمية، ارتفع معدل التضخم في الأردن، منذ مطلع العام الحالي وحتى نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بنسبة 2.21 بالمائة، ليصل إلى 108.88 مُقابل 106.53 لنفس الفترة من العام الماضي. وذكر التقرير الشهري الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة بالأردن، أن أبرز المجموعات السلعية التي قادت ارتفاع مُعدّل التضخم الوقود والإنارة بنسبة 7.85 بالمائة.
وأشار وزير الصناعة والتجارة والتموين إلى أن "لدى الوزارة العديد من البرامج التي وردت في رؤية التحديث الاقتصادي سواء للقطاع التجاري أو الصناعي ونحتاج إلى ترتيب لقاء قريب مع محافظ البنك المركزي لبحث إمكانية فتح نوافذ تمويلية جديدة لسد النقص بالسيولة لبعض التجار والمستوردين في القطاع الخاص للمواد الأساسية، فشراكتنا حقيقية للعمل لما فيه المصلحة الوطنية العامة".
وقال إن قيمة الصادرات الأردنية مرتفعة، وفي السابق كنا نعتمد بشكل أساسي على التصدير من ميناء حيفا وحاليا لدينا خط تصدير مباشر من ميناء العقبة والذي يخفف الكلف بالشحن، حيث إن كلفة النقل من ميناء العقبة تبلغ نحو نصف كلف ميناء حيفا.
وبيّن أن ميناء العقبة يحقق ميزة لتعزيز التنافسية. وهناك تجار ومستوردون كبار توجهوا إلى الاستيراد والتصدير من خلال ميناء العقبة وحتى ما قبل الحرب على غزة، وذلك كنوع من الارتياح ومن الناحية الأمنية المستقرة لديمومة العمل وعدم توقفه في العقبة.