في سورية الأسد، من لم يمت بمدافع ونيران نظام بشار وجرائم حرب يخوضها منذ 10 سنوات ضد شعبه بلا هوادة، مات بالجوع والقهر والحرمان والذل والبطالة والفقر المدقع والعشوائيات وتردي البنية التحتية وهدم المنازل والحرق وسلب ومصادرة الأموال.
ومن لم يمت بالمتفجرات وغازي السارين والكلور، مات بالغلاء والتضخم وقفزات الأسعار الجنونية التي لا تتوقف لحظة، ولا ترحم الغالبية العظمى من المواطنين.
ومن لم يمت بالبراميل المتفجرة والاغتصاب والاحتجاز القاسي وتشويه الجثث، مات في طوابير الخبز والدقيق والوقود والمواصلات العامة، أو خلال رحلة بحث المواطن الفقير والمعدم عن السلع الأساسية المختفية من الأسواق، أو البحث عن لتر بنزين أو سولار أو قارورة غاز منزلي.
ومن لم يمت بالطائرات المقاتلة والمروحيات والبراميل المتفجرة، مات بالبرد القارس والجوع في مخيمات اللاجئين التي تمتد عدة كيلومترات على حدود سورية.
ومن لم يمت في مقابر الكيميائي وغياهب السجون، مات بسبب المرض واختفاء الأدوية الضرورية وعدم وجود سرير في مستشفى حكومي وندرة الأطباء الذين يأسوا من المستقبل وفروا خارج البلاد بحثاً عن الأمان أو غد أفضل لأولادهم.
ومن لم يمت من السوريين في معتقل أو حريق أو تحت منزله بعد أن حولته طائرات النظام إلى ركام، مات كمداً على مصادرة أمواله وشقى عمره، أو من رسوم وضرائب لا ترحمه، أو من راتب ضعيف تتآكل قيمته يوما بعد يوم بسبب التضخم وتعويم العملة وخفض قيمتها بشكل سريع يفوق سرعة الصاروخ الذي يوجهه النظام لبيت المواطن وقلبه المعرض للتوقف فجأة بسبب سياسات بشار وقهره وجرائمه وظلمه وجبروته.
ومن لم يمت من الشباب السوري في جيش نظامي يقتل شعبه ليل نهار، مات غرقاً وهو يستقل مركبا غير مرخص في هجرة غير شرعية نحو أوروبا وغيرها من دول العالم.
من لم يمت من السوريين بالرصاص والقتل، مات بالجوع أو الفقر أو كمداً على مصادرة أمواله وشقى عمره، أو من رسوم وضرائب لا ترحمه
في سورية الأسد، بات المواطن يشاهد يومياً كيف أن محتلين أجانب يسرقون قوته وطعامه ومستقبله وثروة بلاده وأولاده وأحفاده، وكيف يمنح النظام الحاكم صفقات بمليارات الدولارات للمحتل الإيراني والروسي مقابل الدفاع عنه والحيلولة دون سقوط نظامه، وكيف يحصد هؤلاء المحتلون من حزب الله وغيره من الميلشيات ما تبقى من نقد أجنبي وأموال في البلاد.
في سورية الأسد يتغاضى النظام عن سرقة ونهب تنظيم "داعش" الإرهابي والأميركان وغيرهم لثروة البلاد من النفط والغاز الطبيعي والمعادن، لكنه يبيد آلاف الشباب ويقتلهم في حال الخروج للشارع للمطالبة بحقوقهم في ثروة بلادهم، والتمتع بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة والتوزيع العادل للثروة.
في سورية الأسد، بات المواطن خائفا من كل شيء، وعلى أي شيء، خائفا على بلاده ومستقبلها، على مستقبله وأمنه الشخصي الغامض وسط صمت دولي وعربي متواصل على جرائم الأسد التي تفوق جرائم النازية، خائفا من انهيار اقتصادي واقع لا محالة ولا تخطئه عين محايد، على فساد مستشر في كل ركن من أركان الدولة العربية العريقة، حانقا على رموز النظام ووزراء ومسؤولين يتسابقون على سرقة قوت الشعب وثروته وتهريبه إلى الخارج.
ورغم مرور عقد على الثورة السورية، لا يزال المواطن يسأل: أي مستقبل لسورية، ونظام بشار يواصل إبادة شعب بأكمله طول 10 سنوات كاملة.
أي مستقبل لسورية والنظام لا يزال يصر على تهجير ما تبقى من الشعب، ولم يكفه قتل أكثر من 400 ألف مواطن حسب منظمة هيومن رايتس ووتش، وأكثر من 130 ألف معتقل، وتهجير الملايين إلى كل دول العالم؟
أي مستقبل لسورية والدولة تقترب من الإفلاس الاقتصادي والمالي في ظل نفاد احتياطي البنك المركزي من النقد الأجنبي، واستمرار تهاوي العملة، وعدم توافر سيولة لتمويل واردات البلاد من القمح والأغذية والأرز والوقود وغيرها من السلع الضرورية؟
أي مستقبل لبلد رهن نظامها الحاكم مستقبلها المالي والاقتصادي لمحتلين همهم الأول السطو على ثروة البلاد؟
أي مستقبل لبلد رهن نظامها الحاكم مستقبلها المالي والاقتصادي، بل والسياسي، لمحتلين أجانب همهم الأول هو السطو على ثروة البلاد؟
أي مستقبل لبلد كانت ديونه الخارجية صفرا، وصادراته تفوق وارداته، ويكتفي ذاتيا من الأغذية خاصة القمح، أما الآن فقد بات غارقا في الديون وأزمات نقص السيولة والسلع الرئيسية وغلاء المعيشة؟
أي مستقبل لبلد يشهد أعلى معدلات التضخم في العالم حيث تجاوزت نسبة زيادة الأسعار 2100% خلال السنوات العشر الأخيرة، وبات ملايين الأسر غير قادرين على توفير وجبة غذاء واحدة لذويهم، فماذا عن وجبات اليوم التالي، وماذا عن المستقبل أيضاً؟
في سورية المأزومة لا يخشى نظام بشار من العقوبات الاقتصادية الغربية، أو قانون "قيصر" الأميركي وغيرها من العقوبات التي حاصرت الاقتصاد السوري وساهمت في تجويع الملايين، لأنه لا تعنيه مشاكل المواطن أصلاً طالما أن قصوره مليئة بالأموال والسلع المستوردة، وأرصدته المالية محفوظة في البنوك الغربية.
في سورية الأسد يتغاضى النظام عن دك قوات الاحتلال الإسرائيلي وغيرها من القوات الأجنبية لمواقع استراتيجية وعسكرية، ولا يتغاضى عن قيام شاب خرج للمطالبة بفرصة عمل وحياة كريمة أو برغيف خبز نظيف وبسعر مناسب للأسعار تناسب دخله أو دخل ذويه.
نظام بشار لا يهمه تهاوي قيمة العملة المحلية، ولا تعنيه قفزة سعر الدولار من 45 ليرة في العام 2010 إلى 3750 ليرة في الوقت الحالي، ولا تعنيه الأزمات المعيشية طالما أن المدافع والطائرات والصواريخ على أهبة الاستعداد، والمعتقلات والسجون مفتوحة، المهم أن يبقى النظام ويواصل حكمه وجبروته حتى ولو كان يحكم جماجم وهياكل بشرية وشعبا فقيرا معدما وشبابا عاطلا ومحطما اقتصاديا ومعنويا.
لا يهم كل ذلك، المهم أن يظل آل الأسد، الذين حولوا سورية إلى ساحة حرب مفتوحة منذ أكثر من عقد، في هرم السلطة للأبد حتى لو حكموا مساحة 10% فقط من أراضي الدولة السورية.