أوروبا تقترب من الاستغناء عن غاز روسيا ... وموسكو أمام ازمة أسواق بديلة

22 يوليو 2022
بوتين يبحث عن منافذ تسويق للغاز في زيارته لطهران (Getty)
+ الخط -

يبدو أن أوروبا مصممة على المضي بخطة الاستغناء عن الغاز الطبيعي وقطعت شوطاً مهماً في تنفيذ خطة الاستغناء تماماً عن الغاز الروسي بنهاية العام الجاري رغم عودة تدفق الغاز من خط أنبوب "نورد ستريم1" إلى ألمانيا بعد توقف دام لمدة 10 أيام بسبب أعطال التوربين. لكن رغم عودة تشغيل الأنبوب، فإن الشكوك الأوروبية تتزايد في نوايا روسيا باستخدام الغاز كسلاح اقتصادي ضد أوروبا على أمل تشتيت وحدة القرار السياسي بالكتلة الأوروبية، أو على الأقل مقايضة إمدادات الغاز الطبيعي برفع العقوبات الاقتصادية الغربية ضدها على خلفية غزوها أوكرانيا.
في هذا الشأن، قال رئيس منظمي إجراءات الغاز الطبيعي في ألمانيا كلاوس مولر في تغريدة على "تويتر" أمس الخميس: "للأسف لا تزال الشكوك السياسية قائمة في نوايا روسيا بعد قطع إمدادات الغاز بنسبة 60% منذ منتصف يونيو الماضي". من جانبها، طالبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أمس الخميس دول الاتحاد الأوروبي منحها سلطات إضافية لفرض إجراءات خفض استهلاك الغاز الطبيعي في أوروبا بنسبة 15% خلال العام الجاري. وهذه التصريحات المتواترة تدل على تصميم أوروبا على التخلص من سلاح الغاز الروسي المسلط على رقبتها منذ سنوات طويلة.

وكان الرئيس فلاديمير بوتين قد قال في بداية الأسبوع إن بلاده ستفي بالتزاماتها تجاه عقود الغاز التي وقعتها مع دول الاتحاد الأوروبي. وحتى الآن، ووفقاً للخطط التي نفذتها المفوضية الأوروبية للاستغناء عن الغاز الروسي، فإن موسكو تتجه لخسارة سوق الغاز الأوروبي وربما لسنوات طويلة دون أن تكون لديها بدائل جاهزة لتعويض خسارة السوق الأوروبي بينما ستتجه أوروبا لممونين آخرين وبدائل من الطاقة المستجدة. في هذا الصدد، قال متحدث باسم مفوضية الطاقة الأوروبية: "نعمل مع ممونين آخرين للغاز الطبيعي من الولايات المتحدة وقطر وأذربيجان إلى جانب النرويج لحل أزمة الغاز". وهذه التصريحات المتواترة من قبل المسؤولين في أوروبا تشير إلى أن أوروبا لديها بدائل بينما ليس لدى روسيا أسواق بديلة جاهزة للغاز الطبيعي، خاصة غاز الأنابيب المصدر إلى أوروبا. إذ بينما تصدر روسيا لأوروبا كميات من الغاز الطبيعي تقدر ب155 مليار متر مكعب سنوياً لا تتجاوز صادراتها السنوية للسوق الصيني 10.8 مليار متر مكعب فقط. 
وربما سترتفع كلفة واردات أوروبا الغاز من مصادر بديلة ولكنها لن تواجه أزمة كما يثار في التقارير. في هذا الصدد، يقول الخبير بمصرف تي أس لومبارد الاستثماري، كريستوفر غرانفيل، إن أوروبا ستدفع أكثر لتنفيذ خطة الاستغناء عن الغاز الروسي. ويشير في هذا الصدد، إلى أن الغاز المسال الذي ستستورده أوروبا من الولايات المتحدة سيكون أغلى من الأسعار التي يدفعها المواطن الأميركي. ولكن هذا شيء طبيعي لأن كلفة ناقلات الغاز المسال ارتفعت إلى أعلى مستوياتها بسبب زيادة الطلب على الغازمقارنة بالطاقة المتاحة كما ارتفعت أسعارالحاويات".
الاستغناء عن الغاز الروسي:
على مستوى خطة الاستغناء عن الغاز الروسي، يلاحظ أن لدى المفوضية الأوروبية خطة متكاملة للاستغناء عن الغاز الروسي بنهاية العام الجاري. وبعد قرابة شهرين من غزو روسيا لأوكرانيا، تمكنت أوروبا من خفض الاعتماد على الإمدادات الروسية من معدل 155 مليار متر مكعب في العام الماضي 2021 إلى 106 مليارات متر مكعب بنهاية إبريل/ نيسان من العام الجاري، أي أنها خفضت واردات الغاز الروسي خلال شهرين فقط من نسبة تفوق 40% من إجمالي استهلاك الغاز الطبيعي إلى 31% فقط، وفقاً لبيانات المفوضية الأوروبية.

وحسب خطة المفوضية الأوروبية التي أعلن عنها مسؤولو الطاقة، فإن أوروبا تخطط لزيادة واردات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة وقطر ودول أفريقية وإلى توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية ومن مصادر أخرى لتصل إلى  ما يعادل استهلاك 102 مليار متر مكعب. وهذا يعني أن أوروبا ستكون بحاجة إلى نحو 4 مليارات متر مكعب فقط بنهاية العام الجاري، في حال تنفيذ كامل خطة الاستغناء عن الغاز الروسي.
ويذكر أن أوروبا تمكنت من خفض غاز الأنابيب المستورد من روسيا من نسبة 40% في العام الماضي إلى نسبة 26% خلال العام الجاري، كما تراجع حجم الغاز المستورد من روسيا إلى أوروبا من 17 مليار متر مكعب إلى 12.6 مليار متر مكعب. ويرى خبراء أن أوروبا تتخذ المسار الصحيح نحو الاستغناء عن الغاز الروسي، الذي يعد أكبر صداع لدول الكتلة الأوروبية خلال الشتاء المقبل.
من جانبه، يرى معهد بروغيل للدراسات في بروكسل أن دول الاتحاد الأوروبي تتجه نحو الاستغناء عن الغاز الروسي بسرعة أكبر مما يثار في وسائل الإعلام، حيث إنها قطعت شوطاً طويلاً في هذا الشأن. وحسب دراسة لمعهد بروغيل، فإن حصة إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا تراجعت من نسبة 40% من إجمالي استهلاك الكتلة الأوروبية للغاز الطبيعي في العام الماضي إلى نسبة 20% فقط في نهاية يونيو/ حزيران الماضي، وإن فجوة إمدادات الغاز الروسي تم ملؤها بواسطة واردات الغاز المسال من الولايات المتحدة وقطر وعبر توليد الكهرباء بالفحم الحجري ومصادر توليد الطاقة الأخرى.

على صعيد الغاز المسال، وحسب بيانات وكالة فيتش، فإن أوروبا رفعت طاقة محطات معالجة الغاز المسال التي كانت تقف عقبة أمام زيادة واردات الغاز المسال. ولدى أوروبا حالياً طاقة لمعالجة الغاز المسال تقدر بنحو 157 مليار متر مكعب وفقاً لبيانات "بريتش بتروليوم"، استخدمت منها 80 مليار متر مكعب فقط في العام 2021. ولكن العقبة التي تواجهها أوروبا حالياً في زيادة واردات الغاز المسال هي عدم توفر إمدادات كافية متاحة من الغاز المسال عالمياً يمكن استيرادها، حيث إن 66% من إجمالي كميات الغاز المسال المتاحة تم التعاقد عليها مسبقاً، حسب بيانات وكالة فيتش الأميركية. وصدّرت روسيا نحو 17 مليار متر مكعب من الغاز المسال إلى أوروبا في العام 2021.
بدائل الغاز الروسي:
بالنسبة للبدائل المتاحة أمام روسيا لتعويض خسارة صادرات الغاز إلى أوروبا، فإنه ربما تكون أمام روسيا بدائل سهلة لتسويق النفط في آسيا وتعويض خسارتها من العقوبات الغربية في أوروبا، ولكن بالنسبة للغاز الطبيعي لن تكون أمامها بدائل متاحة للتعويض على المدى القصير على الأقل، أي خلال الخمس سنوات المقبلة. وروسيا دولة مبتدئة في صناعة الغاز المسال ولا توجد لديها طاقة كافية للتصدير حتى إذا سمحت لها العقوبات بنقل شحنات ذلك النوع من الغاز إلى آسيا. ووفق محللين، فإن عملية بناء خطوط أنابيب إلى الصين وآسيا والهند مكلفة مادياً وتحتاج إلى استثمارات ضخمة لن تكون متوفرة وتقنيات غربية لن تتمكن من استيرادها بسبب العقوبات . من هذا المنطلق، يلاحظ أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لجأ للاستثمار في صناعة الغاز الإيراني في زيارته لطهران هذا الأسبوع على أمل أن يتخذ من إيران منفذاً لتصدير الغاز إلى آسيا. ولكن حظر التأمين على ناقلات الغاز المسال المتضمن في العقوبات الغربية سيحرم موسكو من تصدير الغاز المسال إلى آسيا بعد تفعيله خلال الشهر المقبل من قبل واشنطن وحلفائها في أوروبا وآسيا.
في هذا الصدد، تقول الخبيرة بمركز الدراسات الأوروبية الآسيوية بجامعة هارفارد الأميركية مارغريتا بالماسيدا: "في الواقع، إن مشاريع بناء أنابيب الغاز الطبيعي تحتاج إلى تمويلات ضخمة واستثمارات ويستغرق زمناً طويلاً... وبالتالي، لن يكون هنالك خيار متاح أمام روسيا لتعويض خسارة سوق الغاز الأوروبي وإيجاد أسواق بديلة على المدى القصير.

وفي إشارة إلى تراجع روسيا عن حساباتها السابقة وتصريحاتها المتشددة والتهديد بقطع إمدادات الغاز عن أوروبا، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أمس الخميس إن جميع الصعوبات في توريد الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا سببها القيود الغربية. وفي اتصال مع الصحافيين، قال بيسكوف إن روسيا تظل "جزءاً مهماً للغاية ولا غنى عنه في أمن الطاقة الأوروبي".