استمع إلى الملخص
- **قدرات الجزائر الإنتاجية وتحديات السوق**: تمتلك الجزائر قدرات كبيرة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، لكن ضيق السوق قد يشكل عائقاً، مما يدفعها نحو شراكات لتقاسم المخاطر والتكاليف.
- **التعاون الأوروبي والتمويل**: يمتد المشروع على طول 3300 كلم ويربط الجزائر بعدة دول أوروبية، مع اتفاقيات ثنائية لتمويل وتوفير التكنولوجيا، بهدف توفير أربعة ملايين طن سنوياً بحلول 2030.
يتجه مسؤولو الدول الأوروبية في كل مناسبة نحو الجزائر، لترويج مشروع "ساوث كوريدور 2"، وهو خط أنابيب نقل الهيدروجين الأخضر الجزائري عبر البحر الأبيض المتوسط نحو أوروبا، باعتباره شريان تأمين احتياجاتها من الطاقة النظيفة، والخروج من التبعية لمصادر الطاقة الأخرى، لا سيما عقب ما خلّفته تجربة أزمة الغاز الروسي من فوضى في الأروقة الأوروبية.
واعتبر المدير العام لمجمع الطاقات الخضراء الجزائرية، البروفيسور يايسي بوخالفة، أن توافد المجموعات الأوروبية إلى الجزائر، وفي مقدمتها الألمانية والإيطالية، أمر طبيعي، بالنظر إلى أهمية مشروع "ساوث كوريدور 2".
وقال المتحدث لـ"العربي الجديد" إنّ هذا المشروع واحد من بين خمسة مشروعات كبرى تطمح أوروبا إلى تجسيدها حالياً، في إطار سعيها لتحقيق أمنها الطاقي، خاصة الطاقات النظيفة منها، وعلى رأسها الهيدروجين الأخضر، للخروج من التبعية للغاز الروسي، وتفادي الوقوع في تبعية جديدة لبلدان أخرى.
أوضح البروفيسور بوخالفة أنّ المشروع، من وجهة النظر الجزائرية، يكمل مجموعة المشروعات والشراكات مع دول الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة، ضمن مساعي توسيع نطاق الاتفاقيات الطويلة الأجل لتزويد بلدان الطرف الشمالي للمتوسط بالغاز عبر خطوط الأنابيب العابرة للبحر، إذ تأتي الجزائر في المركز الثاني بعد النرويج متقدمة على إمدادات الغاز الروسي بمتوسط 92 مليون متر مكعب يومياً، بحسب الأرقام المسجلة في سنة 2023.
أهمية الهيدروجين الأخضر لأوروبا
يشرح بوخالفة أن "توسيع دائرة التعاون بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، تترجم من خلال توفير الهيدروجين الأخضر لأوروبا، بقدرة إجمالية تصل إلى أربعة ملايين طن سنوياً"، مضيفاً أن "امتلاك الجزائر قدرات الإنتاجية كبيرة، يجعلها في أول الخيارات بالنسبة للطرف الأوروبي، خاصة في إطار الشراكة مع إيطاليا وإسبانيا، حيث توفر الجزائر كميات كبيرة من الغاز لهذين البلدين، وبالتالي فإنّ الانتقال من صادرات الغاز الطبيعي نحو الهيدروجين الأخضر خطوة منطقية".
وقال البروفيسور بوخالفة إنّ "المشكل الأساسي هو ضيق سوق الهيدروجين الأخضر، ما قد يشكل عائقاً في وجه الاستثمارات الكبيرة في هذا الميدان، الأمر الذي يدعم التوجّهات التي تتبناها السلطات الجزائرية، وإصرارها على المضي في شراكة تتضمن تقاسم المخاطر والتكاليف".
وأوضح أنّ المشروع يمتد من الجهة الأوروبية على مسافة 3300 كلم، بالإضافة إلى ما يتراوح بين 500 إلى 900 كلم في أراضي شمال أفريقيا بين الجزائر وتونس، وتقدّر تكلفة المشروع حسب المعلومات المتداولة بما بين 5.2 و5.9 مليارات يورو.
وأضاف "عند تجسيده سيكون واحداً من المشروعات الكبرى في أوروبا، بقدرات تصل إلى أربعة ملايين طن سنوياً، بالمقارنة مع مشروعات أخرى ذات قدرات متواضعة، مقررة بين إسبانيا والبرتغال وفرنسا، وكذلك في شمال أو شرق أوروبا".
خلال تطرقه إلى حجم الطلب الأوروبي على الهيدروجين الأخضر، توقّع المسؤول الجزائري ارتفاع الاحتياجات، لا سيما في ظل ترقب دخول الرسوم الجديدة على الكربون حيز التطبيق في أوروبا، بداية من أول يناير/ كانون الثاني 2026.
وعلى الرغم من أنه أشار إلى عدم توفر أرقام رسمية بالنسبة للطلب المحلي، إلا أنّه ذكر أنّه كبير، لتغطية احتياجات مصانع الأمونيا والميتانول المتركزة في منطقة أرزيو (غرب)، وتعويض الهيدروجين المستخرج من الغاز الطبيعي حالياً، وتوفير هذا الأخير للتصدير، بالإضافة إلى تغطية الطلب مصانع إنتاج الحديد والصلب وفي مقدمتها مصنع توسيالي الجزائر في منطقة بطيوة في وهران (شمال غربي) والشركة الجزائرية القطرية للحديد والصلب بمنطقة بلارة (ولاية جيجل شرقي البلاد).
تعويض الغاز الروسي
أكد الخبير في شؤون الطاقة، أحمد طرطار، أهمية مشروع الممر الجنوبي لنقل الهيدروجين أو "ساوث كوريدور 2"، للطرفين، ولأوروبا بصفة أكبر، في ظل استفحال أزمات الطاقة التي استمرت عقب تراجع الإمدادات من الغاز الروسي.
وقال المتحدث، لـ"العربي الجديد"، إنّ المشروع الذي يمتد على طولٍ بأكثر من 3300 كلم ويربط بين خمس دول هي الجزائر وتونس وإيطاليا والنمسا وألمانيا، يستفيد من بنية تحتية مهمة، وفرتها الجزائر لنقل الغاز منها في اتجاه أوروبا، وبالتالي فإنّ تكاليف إنجازه مرشحة للانخفاض بالمقارنة مع مشروعات مماثلة.
وذكر بالخصوص أنبوب "ترانسميد" المار عبر تونس في اتجاه إيطاليا ليصل إلى سلوفينيا، بالإضافة إلى الأنبوب الجديد الرابط بين مدينة الطارف الجزائرية (شرق) وصقلية الإيطالية، وهو المشروع المرفق بخط كهربائي. يهدف المشروع الجديد، حسب الخبير، إلى توفير الطاقات المتجددة باتجاه أوروبا، لا سيما الهيدروجين الأخضر، بطاقة تصل إلى أربعة ملايين طن سنوياً في آفاق 2030، في انتظار أن تترجم الاتفاقيات وتجسد المفاوضات بين البلدين، على غرار تلك التي أشرف عليها وزير الاقتصاد وحماية البيئة الألماني روبرت هابيك، خلال زيارته إلى الجزائر السنة الماضية، حيث وقع الطرفان العديد من الاتفاقيات للانطلاق في خطة عمل بين البلدين، تجسدها فرق تقنية بين سوناطراك الجزائرية والشركات الألمانية المعنية.
قال طرطار إنّ هذه الخطة تبدأ بإنجاز مشروع تجريبي لإنتاج الهدروجين بمنطقة أرزيو بسعة 50 ميغاواط وبتمويل ألماني بحدود 20 مليون يورو، على أن يتبع لاحقاً بمشاريع أخرى، وأشار إلى إبداء إيطاليا استعدادها المطلق لتغطيات احتياجاتها من الهيدروجين الأخضر وبعض المنتجات الطاقوية الأخرى كالأمونيا والكهرباء والغاز من الجزائر.
وذكر طرطار، في سياق تعليله، اتفاقياتٍ ثنائيةً بين البلدين (الجزائر وألمانيا)، فضلاً عن الاتفاقيات الموقعة مع دول أخرى من الاتحاد الأوروبي، لا سيما بعد زيارة الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية جوزيب بوريل إلى الجزائر، حين نقل رغبة أعضاء الاتحاد التعاون في هذا المجال، وتحقيق مجموعة من الأهداف، على أن تتكفل الأطراف الأوروبية حسب بوريل بالتمويل اللازم وتوفير التكنولوجيا اللازمة للمشروع.
وأكد الخبير ضرورة عمل جميع الأطراف، في إطار تقاسم مخاطر الاستثمار وفق صيغة "رابح/رابح" خلال تحقيق هذا المشروع، خاصة أن مصداقية الجزائر تؤكد على أنّها قادرة على الوفاء بالتزاماتها، خاصة أن اللبنة الأولى لتجسيد المشروع متوفرة، وهي أنابيب نقل الغاز العابرة للبحر الأبيض المتوسط، في وقت تؤكد فيه تصريحات المسؤولين الألمان جدية وأهمية هذا المشروع بالنسبة لهم.